“التجويع”: مأساة صامتة تفتك بالجسد.. فما الذي يعانيه فلسطينيو غزة؟

منذ 1 شهر
“التجويع”: مأساة صامتة تفتك بالجسد.. فما الذي يعانيه فلسطينيو غزة؟

بقلم: محمود الطوخي

مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة وتشديد الحصار المستمر منذ قرابة عامين، تزداد جريمة “التجويع” بشاعة، وتتضح عواقبها يومًا بعد يوم. فقد توفي العشرات حتى الآن بسبب سوء التغذية الحاد.

وفي بيان صدر مؤخرا عن مكتب الحكومة في قطاع غزة، الخميس، أعلن المكتب أن أكثر من 115 فلسطينيا ماتوا بسبب الجوع وسوء التغذية، في حين كان هناك نقص شبه كامل في الغذاء والماء والأدوية في قطاع غزة.

وفقاً لإحصاءات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، يعاني طفل من كل خمسة أطفال في قطاع غزة من سوء التغذية الحاد. وصرح المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، بأن عدد الحالات في ازدياد.

أكد لازاريني أن “شبح المجاعة” يلوح في الأفق في غزة. وقال: “غالبية الأطفال في قطاع غزة يعانون من النحافة والضعف… وهم معرضون لخطر الموت إذا لم يتلقوا العلاج اللازم”.

ووصف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس المجاعة في قطاع غزة بأنها “قاتل آخر إلى جانب الرصاص والقنابل” يهدد حياة المدنيين في قطاع غزة.

2

مع تدهور الوضع في قطاع غزة يوما بعد يوم، وجهت أكثر من 100 منظمة إغاثة وحقوق إنسان نداء عاجلا، الأربعاء، للسماح بالوصول إلى السكان الجائعين في قطاع غزة.

الغضب الأوروبي بسبب “الجوع”

بعد مرور ما يقرب من عامين على بدء العدوان على غزة وما تلاه من انتهاكات للقانون الدولي، نشهد “صحوة أوروبية” مدفوعة بالغضب الشعبي. وفي الأسابيع الأخيرة، طرأ تحول كبير في مواقف بعض حلفاء إسرائيل.

حذّر متحدث باسم الاتحاد الأوروبي إسرائيل من عدم الوفاء بالتزاماتها. وفي ظل الوضع الخطير في غزة، “جميع الخيارات مفتوحة”. ودعا ستون عضوًا في البرلمان الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات فورية في ضوء الوضع الإنساني “الكارثي” في غزة. وأكدوا أن أطفال قطاع غزة “يموتون جوعًا، وأن الاتحاد الأوروبي يرد بكلمات ضعيفة دون أي تحرك”.

3

إلى ذلك، دعا أعضاء البرلمان الأوروبي في رسالة يوم الخميس إلى فرض عقوبات عاجلة على إسرائيل ومؤسسة غزة الإنسانية التي توزع المساعدات في قطاع غزة بدعم أمريكي إسرائيلي.

وفي سياق مماثل، انتقد 13 سفيرا ألمانيا سابقا تقاعس حكومتهم تجاه الانتهاكات الإسرائيلية، وأكدوا أن انتقاد دولة حليفة ترتكب أخطاء لا ينبغي أن يكون من المحرمات في ألمانيا.

“التجويع” وهدم المباني

بينما تتواصل الجهود الدولية والأممية للضغط على إسرائيل لرفع حصارها عن قطاع غزة والتخفيف من وطأة الجوع الذي يسببه، لا يزال الفلسطينيون، بمن فيهم الأطفال، يعانون من سوء تغذية حاد. ما هي العواقب الصحية لنقص الغذاء؟

4

في مايو/أيار الماضي، صنّف برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ما يقرب من 500 ألف نازح في قطاع غزة – أي ما يعادل خُمس السكان تقريبًا – على أنهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي. ويُعدّ هذا أعلى مستوى للجوع في العالم. كما يعاني باقي سكان قطاع غزة من درجات متفاوتة من الجوع الحاد.

– استهلاك “موارد الطاقة المخزنة”

وفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الجوع يؤدي في البداية إلى فقدان الطاقة والشعور بالتعب، وفي نهاية المطاف إلى فشل الوظائف الحيوية في الجسم.

عندما يشحّ الطعام، يبدأ الجسم بالاعتماد على الجليكوجين، وهو نوع من السكر يُخزّن في الكبد والعضلات، للحصول على الطاقة. ومع ذلك، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يُستنفد هذا البديل خلال ٢٤ ساعة.

5

في المرحلة التالية، يدخل الجسم في عملية تُسمى الكيتوزية، حيث تتحول الدهون إلى أجسام كيتونية لتزويد الدماغ والعضلات بالطاقة. يؤدي هذا إلى ضعف تدريجي في الجسم، ودوار، وفقدان الشهية، وصعوبة في التركيز، وهزال شديد.

بعد استنفاد كتلة الدهون المخزنة، يبدأ الجسم عملية أكثر خطورة: تفكيك بروتينات العضلات لاستخدامها كمصدر للطاقة. تُسمى هذه العملية “التحلل الذاتي”. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن هذه المرحلة تؤدي إلى فقدان متسارع في كتلة العضلات، بما في ذلك كتلة القلب. وإذا لم يُعالج هذا الأمر على الفور، فقد يؤدي إلى فشل عضلي متعدد.

– انهيار “خطوط الدفاع المادية”

6

تؤكد منظمة الصحة العالمية أن سوء التغذية يؤدي إلى ضعف جهاز المناعة. فنقص الفيتامينات والبروتينات، وخاصة الزنك وفيتامين أ، يُضعف إنتاج خلايا الدم البيضاء ويُضعف مناعة الجسم ضد العدوى.

وقالت منظمة الصحة العالمية في تقرير نشرته في مارس/آذار الماضي إن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في قطاع غزة يعانون من التهابات الجهاز التنفسي المتكررة والإسهال الشديد الذي يهدد الحياة بسبب عدم القدرة على الحصول على الرعاية الصحية.

الأطفال: أول ضحايا الجوع

وفي مايو/أيار الماضي، سجلت اليونيسف أكثر من 5 آلاف حالة سوء تغذية بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وخمس سنوات. ويعاني 636 منهم من “الهزال الشديد”، وهو أخطر أشكال سوء التغذية الذي يعتبر تهديداً مباشراً للحياة.

7

وفي الشهر نفسه، أحصت الأمم المتحدة ما لا يقل عن 71 ألف طفل و17 ألف امرأة حامل ومرضعة يحتاجون إلى الغذاء الفوري والعاجل.

وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أن العشرات من الأطفال يموتون يوميا بسبب سوء التغذية، ولا يمكن إنقاذهم بسبب الحصار الإسرائيلي ونقص المكملات العلاجية.

الإطار الزمني

خلال الأيام الثلاثة الأولى من الصيام، يبدأ وزن الشخص بالانخفاض تدريجيًا مع تكيف الجسم جزئيًا مع هذا الانخفاض. إلا أن الجوع لفترات طويلة بعد ذلك يؤدي إلى انخفاض درجة حرارة الجسم، مما يؤدي إلى الخمول والإرهاق الشديد.

8

مع الحرمان المطول من الطعام، يبدأ الكبد والكلى بالتعرض للتلف. تنخفض قدرة الجسم على تنظيم ضغط الدم، مما قد يؤدي إلى فقدان الوعي. في المراحل المتأخرة، يعاني المصابون من أمراض خطيرة مثل الإسقربوط والبلاجرا بسبب نقص الفيتامينات والمعادن، حتى تفشل أعضاء الجسم تدريجيًا – باستثناء الدماغ، الذي يستمر لفترة أطول.

يُقدَّر أن بقاء الشخص على قيد الحياة يعتمد على وزنه، ومخزون الدهون في جسمه، وحالته الصحية. وبشكل عام، يكون الشخص مُعرَّضًا لخطر الوفاة عندما يفقد حوالي نصف وزنه الطبيعي (مؤشر كتلة الجسم). ويحدث هذا عادةً بعد 45 إلى 61 يومًا من الامتناع التام عن الطعام.


شارك