أخطاء غير مقصوة من يوسف صديق غيرت المسار.. كيف لعب القدر دورا في نجاح ثورة يوليو؟

منذ 4 شهور
أخطاء غير مقصوة من يوسف صديق غيرت المسار.. كيف لعب القدر دورا في نجاح ثورة يوليو؟

يصادف اليوم الذكرى الثالثة والسبعين لثورة 23 يوليو 1952، التي شكلت نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث. فقد قررت حركة الضباط الأحرار الإطاحة بالملك فاروق في ظل ظروف وصفها البيان الأولي للثورة بأنها فترة عصيبة تمر بها البلاد، اتسمت بتفشي الرشوة والفساد وانعدام الاستقرار السياسي.

وجاء في البيان الصادر عن محمد أنور السادات أن الانهيار الداخلي الذي سبق الثورة كان له أثر بالغ على المؤسسة العسكرية، وخاصة بعد هزيمة حرب فلسطين عام 1948. وأضاف البيان أن القادة الفاسدين والمتحيزين قوّضوا وأضعفوا فعالية الجيش.

وأكد البيان أن عواقب الحرب كانت أكثر خطورة، حيث تفاقم الفساد، واستمر الخونة في التآمر ضد الجيش حتى أصبح، حسب البيان، بقيادة قوى “جاهلة أو خائنة أو فاسدة” حاولت تحويله عن مهمته الأصلية في حماية الوطن.

بمناسبة ذكراها، نستعيد بعض مشاهد الليلة التي سبقت ثورة الضباط الأحرار. وثّق هذه المشاهد الكاتب والمؤرخ محسن محمد في كتابه “سقوط النظام في أربعة أيام: ثورة 23 يوليو في وثائق سرية”، الصادر عن دار الشروق عام 1992. وقد وصف محمد بالتفصيل الأحداث الخفية التي كانت حاسمة في تغيير مجرى التاريخ.

الساعة التي أطاحت بفاروق عن العرش

يكتب محسن محمد في كتابه: “تتفق جميع المصادر على أن المقدم يوسف صديق أخطأ في توقيت الانقلاب عند الساعة الثانية عشرة، أي منتصف الليل تمامًا، بدلًا من الواحدة صباحًا. فأجّل الانقلاب ساعة كاملة قبل الموعد المتفق عليه، مما أدى إلى عزل فاروق. ويذهب رأي آخر إلى أن جمال عبد الناصر أرسل النقيب زغلول عبد الرحمن إلى يوسف صديق ليُبلغه أن الانقلاب يجب أن يتم في الواحدة صباحًا. والخطأ يقع على عاتق زغلول عبد الرحمن، الذي توقع منتصف الليل”.

تقول رواية أخرى إن يوسف صديق أساء فهم الموعد، وتقول رواية ثالثة إنه كان مريضًا. عانى من تسوس في العمود الفقري، وارتدى جبيرة جبسية لمدة 18 شهرًا. ثم أصيب بالسل الرئوي وعانى من نزيف صدري متكرر. في ليلة الثورة، أصيب بنزيفين، وعانى أيضًا من مغص معوي. أراد المغادرة مبكرًا للعثور على صيدلية مفتوحة والحصول على حقنة إيقاف النزيف المعتادة، فوصل قبل ساعة من الموعد،” أضاف محمد.

ويشير إلى قصة رابعة، مفادها أن جمال عبد الناصر، بعد علمه بكشف السر للملك، أرسل إليه النقيب زغلول عبد الرحمن مرة أخرى وطلب منه إرسال رجاله مبكرًا. رأى أن الأمور تدور ولن تتوقف، فرفض عبد الناصر التراجع أو الفرار. ولعل الأقرب للواقع هي قصة أن يوسف الصديق، بعد كشف السر، تعمد الخروج مبكرًا بإصرار ليضع الجميع – “الملك والثوار” – أمام الأمر الواقع. ما فعله يوسف الصديق كان ضروريًا لنجاح الثورة. كانت الثورة محظوظة تلك الليلة، “ليلة 23 يوليو 1952”. وأقر بأنه، بالإضافة إلى خطأ التوقيت، فإن أخطاء يوسف الصديق العديدة تلك الليلة ساهمت في نجاح الثورة.

من هو يوسف صديق وما هو دوره في ثورة يوليو؟

بحسب الكتاب، كان يوسف صديق يبلغ من العمر 42 عامًا، وُلد في زاوية المصلوب، مركز الواسطي، محافظة بني سويف. تخرج من الكلية الحربية عام 1930، قبل عبد الناصر بثماني سنوات. كان ماركسيًا، وشارك في الحرب العالمية الثانية كضابط مشاة في الصحراء الغربية وفلسطين، وكان له دور في معركة أشدود.

خلال هذه الفترة، التقى بالضابط وحيد رمضان، الذي جنده في صفوف الضباط الأحرار عام ١٩٥١، وعرّفه على جمال عبد الناصر. لم يكن قائد الكتيبة الثالثة عشرة مشاة ينم في المعسكر، فرأى يوسف صديق استغلال هذا الوضع لصالحه، وقاد طليعة الكتيبة بالرشاشات. اقترب يوسف صديق من طليعة الكتيبة الأولى بالرشاشات. لم يكن لديهم سوى بنادق، ١٠٠ طلقة لكل جندي، وبعض الرشاشات. لم يكن لدى يوسف صديق سوى ضابطين برتبة نقيب وثلاث شاحنات نقل لجنوده.

كتب يوسف صديق في مذكراته: “بقوة صغيرة، شاركتُ في ثورة 23 يوليو. في 23 يوليو، انطلقتُ في منتصف الليل على رأس هذه القوة، والتقيت بهم في طريقي من معسكر الهايكستب. التقيتُ بقائد فرقة المشاة، اللواء عبد الرحمن مكي، وأسرته. لو وصلتُ بعد دقائق، لدخل مكي باشا المعسكر، وسيطر عليه، وغيّرَ مصير الثورة”.

بعد الحادثة التي وقعت أثناء التعيين، ارتكب يوسف صديق خطأً ثانيًا. وضع القائد في سيارته ومعه علمه وسار. وعندما التقى بالقائد الثاني، العميد عبد الرؤوف عابدين، عند مدخل مصر الجديدة، أوقفه، وفتح له اللواء مكي السيارة. ركبها ظانًا أن ركوبها مع قائده أمر طبيعي، غير مدرك أنه موقوف وتحت الحراسة.

ارتكب يوسف صديق الخطأ الثالث. انعطف إلى شارع جانبي بدلًا من المسار المعتاد، فوجد جنوده محاطين برجلين أرادا تفتيش الموكب العسكري المار، الذي كان يضم قائدين وعلم قيادة على مركباتهما. تبيّن أن الضابطين هما جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر. أوضحا له أن الانقلاب قد انكشف وأن قيادة الجيش على علم به. كان اللواء حسين فريد، رئيس الأركان، يجتمع بالقيادة العسكرية في مكتبه، التي ستتوجه بدورها إلى وحداتها.

اليوم أنا إمبراطور مصر

في أحد مواضع الكتاب، ذُكر أن يوسف صديق قسّم جنوده الستين. بعضهم راقب الشوارع، والبعض الآخر وقف في مقر القيادة لصد زحف المقاومة الثورية. ومعه 20 جنديًا، اقتحم المقر لاعتقال الفريق حسين فريد، رئيس أركان الجيش المصري، ورفاقه. احتلّ مبنى الرئاسة، واقتاد السجناء إلى سجن الكلية الحربية، الذي كان مخصصًا آنذاك لمن يعتقلهم الانقلابيون.

وقال المقدم جلال ندا، أحد أوائل الضباط الذين عارضوا الملك فاروق وتحدوه بعد نجاح الحركة، إنه وجد يوسف صديق جالساً في مقعد الفريق حسين فريد، فسلم عليه قائلاً: “أنا اليوم إمبراطور مصر”.

كل هذا يُظهر أهمية دوره في نجاح الانقلاب ومدى وعيه به. هذا ما أثار خوف جمال عبد الناصر من منافسته. ونتيجةً لذلك، لم يمضِ يوسف صديق في مجلس قيادة الثورة طويلًا، إذ عُزل من منصبه في ديسمبر لهذا السبب ولأنه شيوعي.


شارك