“حتى النحل جاع في غزة وفرّ خوفاً وفزعاً من القصف”

منذ 4 أيام
“حتى النحل جاع في غزة وفرّ خوفاً وفزعاً من القصف”

قالت فاتن العمراني من شمال غزة لبي بي سي: “نحتاج إلى الطعام لنحصل على الطاقة اللازمة للصمود خلال هذه المجاعة. أصبح كيس السكر ثمينًا للغاية”.

تخيل أن تدفع ألف دولار ثمنًا لكيس سكر! لم أكن لأستطيع تحمّل ذلك. كان البديل الوحيد هو العسل الأبيض، الذي كنت أشتريه قبل الحرب بـ 80 شيكلًا (24 دولارًا أمريكيًا) للكيلو، وكان في متناول الجميع. اليوم، يبلغ سعر الكيلو حوالي 100 دولار، لذا أستخدمه باعتدال وأخلط القليل منه مع كوب من الماء لكل فرد من أفراد الأسرة لتعويض ما فاتني من وجبات.

لكن مؤخرًا، قُصفت إحدى خلايا النحل الصغيرة التي كانت فاتن تشتري منها الطعام. وهي الآن تفكر فيما ستفعله عندما ينفد العسل، “البديل الذي وجدناه لنقص الطعام”، كما يقول العمراني.

تضيف فاتن: “في عائلتي كبار في السن، وأطفال، وفتيات صغيرات. زوجي مصاب بالسرطان، ويحتاج إلى أي شيء يُغذي جسده النحيل ليعيش. لكن حتى العسل لم يعد متوفرًا في قطاع غزة”.

كشف تقرير صدر مؤخرا عن شبكة المنظمات غير الحكومية الفلسطينية عن انهيار شبه كامل لتربية النحل في قطاع غزة نتيجة للحرب الإسرائيلية وما تلاها من تدمير واسع النطاق للبنية التحتية الزراعية والبيئية.

النحل الجائع

يقول أمير لطفي عيد، صاحب مناحل عيد، إن الكارثة لم تقتصر على تدمير خلايا النحل، بل أتلفت أيضًا جميع النباتات التي يتغذى عليها النحل. ونتيجةً لذلك، لم يجد النحل ما يأكله، فهرب جائعًا من الصناديق التي كان يضع فيها خلاياه.

ويضيف: “رغم الجوع وتفاقم المجاعة، لا نستطيع مواصلة تربية النحل وإنتاج عسل أبيض نقي لأن المناحل تتركز في المناطق الزراعية أو الحدودية. وبسبب الحرب، أصبحنا ممنوعين من الاقتراب من جميع هذه المناطق. يعلنها الجيش الإسرائيلي باستمرار مناطق عمليات خطرة. بل إن القوات الإسرائيلية تمركزت في بعض هذه الأماكن واتخذتها مقرات لها. فكيف لنا أن نصل إلى المناحل؟”

يوضح عيد أن مربي النحل “تكبدوا خسائر فادحة”. ويشير إلى أن “غزة فقدت ما يقارب 90% من صناعة تربية النحل الطبيعي التي كانت رائجة في السابق”، ويحذر: “إذا استمر الوضع على هذا المنوال، فستختفي هذه المهنة تمامًا من قطاع غزة”.

حتى الأدوات التي يحتاجها النحال في عمله لم تعد متوفرة: لا بدلات خاصة، ولا شمع، ولا حواجز ملكية.

وبسبب إغلاق المعبر، لم يعد السكر موجوداً في قطاع غزة، وزاد طلب الناس على العسل، خاصة بعد أن وصل سعر كيلو السكر في غزة إلى ألف دولار.

لا يزال عيد يتذكر بوضوح يوم قصف منزله ومنحله الصغير. دُمّر نصف المنحل، وهرب النحل خوفًا وذعرًا.

1_1_11zon

يقول عيد: “بجهدٍ كبير، تمكنتُ من استعادة الحد الأدنى من هذه النحلات لإنشاء منحلٍ جديدٍ وتلبية احتياجات عائلتي الغذائية. كنتُ في الأصل مربي نحلٍ قبل أن أصبح منتجًا للعسل. ولهذا، اشتريتُ صناديقًا وبنيت فيها خلايا نحل. اليوم، أعتبر نفسي عاملًا. همي الوحيد هو تربية النحل وإنتاج العسل. ليس لديّ أي اهتمامٍ سياسيٍّ على الإطلاق”.

يوضح قائلاً: “قبل الحرب، كنت أملك حوالي 500 خلية نحل تُنتج طنًا ونصفًا من العسل الصافي. اليوم، آمل أن أُنتج ثلث هذه الكمية فقط، وأن أتمكن يومًا ما من الوصول إلى أماكن خلاياي، التي لا أستطيع الوصول إليها بسبب الحرب والطائرات والمسيرات. إذا اشتبهوا في تحركي، فلن يترددوا في قصفي”.

قبل الحرب، كان العسل الأبيض النقي يُعتبر غذاءً غير أساسي لسكان غزة. أما اليوم، ومع استمرار الحرب والإغلاق الصارم لجميع المعابر الحدودية، فيستخدمه الناس كمكمل غذائي. ونظراً لنقص السكر، يستخدمه البعض كمُحلي طبيعي ذي قيمة غذائية عالية.

“إذا هربنا نحن البشر في كل الاتجاهات من هجمات القنابل، فماذا عن هذه الحشرة الصغيرة؟”

ويستخدم الآن أيضاً في علاج التهاب الكبد الوبائي والذي يسمى “الرقان” في غزة وانتشر بين النازحين.

يقول عيد: “أصادف يوميًا حالتين على الأقل من التهاب الكبد، ويطلبون العسل كعلاج. لكن انخفاض إنتاج العسل في قطاع غزة أدى بطبيعة الحال إلى ارتفاع أسعاره، لذا أضطر إلى تقليل هامش ربحي وبيع العسل بسعر أقل”.

سمير الطحان، مربي نحل من غزة، يجد نفسه في وضع مشابه لأمير عيد. أوضح في برنامج “يوميات الشرق الأوسط” على قناة بي بي سي أن السبيل الوحيد لاستمرار مهنته هو إنشاء خلية نحل بين النازحين في جنوب غزة، في منطقة مكتظة. وأضاف أن المناطق الشرقية، حيث كانت خلايا النحل موجودة، “تكاد تكون محظورة علينا، وقد فقدنا جميع ممتلكاتنا هناك. كما نضطر إلى تغذية النحل بالسكر، الذي ارتفع سعره بشكل كبير بسبب نقص النباتات التي يتغذى عليها النحل”.

يخشى الطحان أن تُقصف المنطقة التي فر إليها. يقول: “أثر القصف وقنابل الدخان على خلايا النحل لا يُصدق إلا إذا عايشته بنفسك. ما إن يرتفع الدخان واللهب حتى تفر جميع النحلات من خلاياها. لم يبقَ لدينا نحلة واحدة تُنتج العسل. إذا كنا نحن البشر نفرّ في كل اتجاه من القصف، فماذا عن هذه الحشرة الصغيرة؟!”

2_2_11zon

وفقًا لتقرير صادر عن شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، دُمِّر أكثر من 27 ألف خلية نحل من أصل 30 ألف خلية كانت تعمل في قطاع غزة قبل الحرب. ويمثل هذا أكثر من 90% من إجمالي خلايا النحل المنتجة. وقد أدى ذلك إلى انخفاض كارثي في إنتاج العسل، من متوسط 250 طنًا سنويًا إلى أقل من 25 طنًا بحلول عام 2025. وهذا يُهدد الأمن الغذائي والاقتصاد المحلي المرتبط بتربية النحل.

أشار التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي دمّر بشكل ممنهج البيئة الطبيعية لخلايا النحل، من خلال التجريف والقصف ورش المبيدات الحشرية السامة. وقد أدى ذلك إلى انخفاض الغطاء النباتي بنسبة 76%، وهو مصدر رئيسي لرحيق الأزهار الذي يحتاجه النحل لإنتاج العسل.

وأدى هذا التدهور البيئي أيضاً إلى انخفاض إنتاجية خلية النحل الواحدة إلى 2 إلى 3 كيلوغرامات فقط سنوياً، مقارنة بـ30 كيلوغراماً في السنوات التي سبقت الحصار والحروب المتكررة، بحسب تقرير الشبكة.

بحسب وزارة الزراعة في غزة، بلغت الخسائر الاقتصادية المباشرة لقطاع غزة حوالي 2.9 مليون دولار. وفقدت مئات العائلات مصدر دخلها الرئيسي، في وقت يعاني فيه القطاع من انهيار اقتصادي عام وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

اختتمت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية تقريرها مؤكدةً أن تربية النحل في غزة لم تعد مجرد قطاع زراعي إنتاجي، بل أصبحت رمزًا لانهيار النظام البيئي والاقتصادي نتيجةً للهجمات الممنهجة. ودعت الشبكة المنظمات الدولية والإنسانية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم هذا القطاع وإنعاشه من خلال توفير خلايا جديدة وأدوية ومعدات أساسية، ورفع القيود الإسرائيلية المفروضة على استيراد المستلزمات الزراعية والطبية للنحل، وفقًا للتقرير.


شارك