تطبيقات الاحتيال الإلكتروني.. لماذا تنجح في الإيقاع بالمصريين رغم التحذيرات المتكررة؟

منذ 2 أيام
تطبيقات الاحتيال الإلكتروني.. لماذا تنجح في الإيقاع بالمصريين رغم التحذيرات المتكررة؟

إن فكرة سلب ثروات المواطنين ليست جديدة، فقد كانت مألوفة في المجتمع المصري منذ ظهور شركات الإقراض في ثمانينيات القرن الماضي، ثم ظهور “الباحثين عن المال” في عدة محافظات، وأخيرًا، ظهور تطبيقات الاحتيال الإلكتروني التي تعد المستخدمين بأرباح سريعة وكبيرة مقابل القيام بمهام بسيطة للغاية.

تتبع هذه المنصات نهجًا مشابهًا: فهي تجذب الضحايا عبر إعلانات مدفوعة على مواقع التواصل الاجتماعي، والاستعانة بمشاهير مؤثرين، وتنظيم حفلات باذخة في أفخم الفنادق لإقناع المستخدمين بأن مؤسسة مرموقة تستثمر أموالهم وتشجيعهم على مواصلة الاستثمار. ثم تختفي هذه المنصات وتُغلق، بعد أن نهبت مئات الملايين من الدولارات من المواطنين. ورغم التحذيرات المتكررة من وزارة الداخلية بشأن مخاطر العمل مع هذه المنصات، فإن كل منصة جديدة تنجح في الاحتيال على ضحايا جدد.

يتناول هذا التقرير أسباب انتشار هذه الظاهرة في المجتمع المصري، وأسباب تكرارها، وسبل معالجتها. ويتناول بيانات وزارة الداخلية على صفحتها الرسمية على فيسبوك خلال السنوات العشر الماضية (2015-2025)، ويعتمد على آراء الخبراء.

9 طلبات إلكترونية في 3 سنوات

ولم يحدد التقرير أي منصات احتيال عبر الإنترنت بين عامي 2015 و2021، حيث اقتصرت الأنشطة الاحتيالية على سرقة الحسابات المصرفية أو أرقام بطاقات الائتمان عبر الهاتف.

ولم يتم إطلاق هذه التطبيقات في مصر إلا في عام 2022. وحدد التقرير تسعة تطبيقات احتيالية بين عام 2022 ومنتصف يوليو 2025.

عدد الطلبات سنويًا من 2022 إلى 2025

وتقترب أرباح المنصة من تكاليف 10 مشاريع متوسطة الحجم.

قانون رقم 152 لسنة 2020 بشأن تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر يعرف المشروع المتوسط بأنه كل مشروع يبلغ حجم أعماله السنوي 50 مليون جنيه مصري ولا يزيد على 200 مليون جنيه مصري.

وعند حساب إجمالي الأرباح التي ستحققها المنصات التسع بين عامي 2022 و2025، تبين أنها تجاوزت 500 مليون جنيه، وهو الحد الأدنى لتكلفة 10 مشاريع متوسطة الحجم.

إجمالي الحصاد السنوي حسب وزارة الداخلية

خطر على الاقتصاد

صرحت الدكتورة هدى الملاح، المدير العام للمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، لصحيفة الشروق، بأن هذه المنصات تُشكل خطرًا على الاقتصاد الوطني. فبدلًا من الاستثمار في مشاريع صغيرة تُقلل من الواردات وتُوفر النقد الأجنبي، تُحوّل هذه الأموال إلى الخارج، مما يُؤدي إلى تراجع معدلات الإنتاج وتباطؤ النمو والتنمية.

الكلام الشفهي

وأشارت إلى أن هذه التطبيقات تُسوّق لنفسها بشكل احتيالي عبر إيداع أرباح حقيقية في حسابات بعض المستخدمين، ثم مطالبتهم بالترويج للمنصة، ما يجذب المزيد من الضحايا. وأضافت أن هذه الطريقة نجحت في كسب ثقة العملاء، ما دفع بعضهم إلى الاقتراض من البنوك لاستثمار أموالهم في هذه التطبيقات.

الحماية من غسيل الأموال

وأضافت أن هذه التطبيقات قد تكون بمثابة غطاء لعمليات غسيل الأموال، موضحة أن الأرباح المرتفعة قد تأتي من الاتجار غير المشروع، مثل الأسلحة أو المخدرات، مما يعرض المستخدمين لخطر الإجراءات القانونية.

وأوضحت أن الحصول على مبالغ كبيرة خلال فترة قصيرة هو “كذبة” تروجها هذه المنصات لجذب الضحايا، مؤكدة أن الاستثمار الحقيقي يتطلب المثابرة والصبر والجهد لتحقيق أرباح حقيقية وآمنة.

التطبيقات المجهولة

أوضحت أن التطبيقات التي تعد المستخدمين بثروة فورية مقابل عمل سهل، تحقق أرباحها من خلال إسهامات العملاء، وليس من خلال استثمارات فعلية. وأضافت أن هذه المنصات مجهولة الهوية، ولا يُعرف من يملكها أو ينتمي إليها – سواء كانت حكومات أو شركات خاصة.

وأضافت أن السبب الرئيسي لانتشار هذه التطبيقات هو محاولتها خداع المستخدمين وإيهامهم بأنها معتمدة من الحكومة. وأكدت على أهمية التحقق من تراخيص التطبيقات وبلد المنشأ ليتمكن المستخدمون من معرفة الجهة التي يجب التواصل معها في حال الاحتيال.

تُولّد مقاطع الفيديو والرهانات أكبر الأرباح.

تراوحت الأغراض المعلنة لهذه المنصات بين المراهنة العكسية على نتائج المباريات، وتعدين العملات المشفرة، وتداول العملات الأجنبية، والتجارة الإلكترونية. إلا أن المنصات التي تتطلب مشاهدة الفيديو كانت الأكثر شيوعًا في مصر خلال الفترة 2022-2025، تليها تطبيقات المراهنات الرياضية.

أشهر أنواع التطبيقات في مصر 2022-2025

سرقت منصة المراهنات العكسية SGO 500 مليون جنيه مصري، متفوقةً على التطبيقات الثمانية الأخرى، تليها White Sands وFBC وVSA. هذه التطبيقات، التي تتطلب ببساطة مشاهدة مقاطع فيديو على يوتيوب ومشاركتها على منصات التواصل الاجتماعي، سرقت أكثر من 40 مليون جنيه مصري من مستخدميها.

المبالغ المسروقة من كل تطبيق حسب وزارة الداخلية

وهذا يثير التساؤل حول سبب لجوء المصريين إلى تطبيقات كسب المال السريع التي لا تتطلب جهدا كبيرا، أو بالأحرى توفر الترفيه.

الأمية والثقافة السائدة

صرحت الدكتورة سامية خضر صالح، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، لصحيفة الشروق، بأن الثقافة السائدة لدى غالبية المصريين اليوم تُفضّل الراحة وتحقيق الربح بأقل جهد. وأضافت أن مصر لا تزال تعاني من ارتفاع نسبة الأمية، مما يدفع بعض المواطنين إلى اللجوء إلى هذه التطبيقات.

تمرين

وأكدت على أهمية غرس قيم الاستقلالية، والروح القتالية، والصبر، وروح المساعدة في نفوس الأطفال. وأوضحت أن تعليم هذه القيم منذ الصغر يُسهّل ترسيخها واستدامتها، مما يُسهم في تكوين شخصيات ناضجة وواعية.

المؤثرون يملؤون الفراغ الإعلامي

أعربت عن أسفها لقلة وعي الإعلام بمخاطر هذه التطبيقات، وأكدت أن الإعلام المصري كان رائدًا في المنطقة، إذ أنتج أعمالًا هادفة أثّرت في وجدان المصريين والعرب، كما ساهم بشكل كبير في رفع مستوى الوعي من خلال حملات إعلامية ناجحة حول قضايا الصحة والأسرة.

وفيما يتعلق بترويج هذه التطبيقات من قبل المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، أكدت أن وسائل الإعلام يجب أن تستخدم أساليب مبتكرة للوصول إلى مختلف شرائح المجتمع في النوادي والمدارس والجامعات ومن خلال كافة البرامج.

وأشارت إلى أن الفراغ الإعلامي يملأه المؤثرون، الذين ينشرون أحيانًا محتوىً ينتهك القيم الاجتماعية. ودعت الدولة إلى استقطاب المؤثرين ذوي المحتوى الهادف لنشر رسائلها والوصول إلى شرائح واسعة من الجمهور.

وفي هذا السياق، أكد المحامي حسين يوسف، في تصريح لـ«الشروق»، على أهمية فرض الرقابة على المؤثرين من قبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للإعلام، خاصة إذا تجاوز عدد متابعيهم عدداً معيناً، ومراجعة المحتوى قبل النشر أو بعده.

القدرة التنافسية

أوضح خضر أن عالم اليوم يتميز بالمنافسة الشديدة، مما يدفع الكثيرين إلى اقتناء أشياء مادية لا يحتاجونها فعلاً لمجرد التباهي، مما يدفعهم إلى التوافد على هذه المنصات طمعاً في الربح السريع.

صعوبات في تحصيل المبالغ

أشار يوسف إلى أن مشغلي منصات الاحتيال الإلكتروني يتعمدون تهريب أموال العملاء وتحويلها إلى عملات رقمية غير خاضعة للرقابة، مما يُصعّب تتبعها واستردادها. وأوضح أن هذا يتطلب تنسيقًا بين جهات التحقيق المحلية والدولية، إذ يُمكن القبض على الهاربين في الدول الموقّعة على اتفاقيات الإنتربول. إلا أن استرداد الأموال المهربة والمشفّرة يقع ضمن اختصاص النيابة العامة ويتطلب إجراءات معقدة.

وأضاف أن صعوبة استعادة أموال العملاء تظهر بشكل واضح في الدول التي لا تجرم أنشطة هذه المنصات أو التي ليس لديها اتفاقيات مع الإنتربول مع مصر.

صعوبات في تتبع الأموال

فيما يتعلق بصعوبة تتبع الأموال المسروقة، أوضح أن العملات الرقمية، كالدولار مثلاً، محظورة كوسيلة دفع في مصر لغياب الدعم المالي. وأضاف أن وسائل الدفع في هذه المنصات تعتمد على المحافظ الإلكترونية بدلاً من البنوك، مما يُصعّب تتبع الأموال بعد خروجها من البلاد.

صعوبات في مقاضاة الجرائم

وقال إن سبب قلة الإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية بشكل عام والاحتيال الإلكتروني بشكل خاص هو أن هذا النوع من الجرائم يصعب مقاضاته مقارنة بالجرائم الحقيقية لأنه مرتبط بالهواتف المحمولة، وهي شخصية ويصعب مراقبتها.

انتهاك البيانات الشخصية والمالية

محمد لطفي، رئيس قسم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنقابة الصحفيين، صرّح لصحيفة الشروق بأن استخدام التطبيقات الاحتيالية يؤدي إلى فقدان البيانات الشخصية كالاسم والعمر والمسمى الوظيفي وكلمات المرور. وحذّر من الكشف عن بيانات بطاقات الائتمان داخل التطبيقات.

الحلول التكنولوجية: تنفيذ قانون حماية البيانات

وأكد على ضرورة تطبيق قانون حماية البيانات الشخصية وتساءل: لماذا لم تصدر اللائحة التنفيذية الخاصة به حتى الآن رغم أن الرئيس صادق على القانون في 18 يوليو 2020؟

مراجعة المنصة

وشدد على أهمية التحقق من مصداقية المنصة وحصولها على تراخيص من الجهات التنظيمية الرسمية، كالبنوك المركزية أو الهيئات المالية في الدول التي تُصدرها. كما أنه من المهم قراءة تقييمات المستخدمين.

الخط الساخن للإبلاغ

أوضح يوسف أن انخفاض عدد البلاغات يعود إلى تعقيد الإجراءات، إذ يتطلب تقديم الشكوى إلى النيابة العامة للشؤون المالية والإدارية أو مكتب النائب العام، الذي يحيلها بدوره إلى المحكمة الاقتصادية. واقترح إنشاء خط ساخن ضمن وحدة تحقيق خاصة لتسهيل الإبلاغ عن هذه الجرائم.

حظر التطبيقات غير المرخصة

وأكد أهمية قيام البنك المركزي، باعتباره أعلى سلطة مصرفية في البلاد، بإصدار قرار بحظر التطبيقات غير المرخصة، وفي الوقت نفسه تفعيل الرقابة على متاجر التطبيقات مثل “بلاي ستور” و”آب ستور”، باستخدام تقنيات مثل جدران الحماية وأدوات الذكاء الاصطناعي.

الحلول الاقتصادية: تعزيز الثقة في مؤسسات الدولة

أكد على أهمية بناء الثقة في المؤسسات المالية الحكومية. وأوضح أن التطبيقات تجذب الشباب بعوائدها المرتفعة، رغم وجود بدائل استثمارية في البنوك تقدم عوائد مماثلة، لكنها لا تحظى بالترويج الكافي.

أفق استثماري ممتد

وأوضح أن فرص الاستثمار في مصر مازالت محدودة وتقتصر على قطاعات الاستهلاك غير المستدامة مثل الأغذية والملابس، مؤكدا أهمية التوسع في المشاريع الإنتاجية ذات الأصول الحقيقية.

المشاركة في المشاريع الحكومية

وأضاف أن السياسات المصرفية الحالية توفر السيولة للعملاء من خلال قروض مضمونة بالودائع بدلاً من الأصول. وأشار إلى أنه يمكن للمواطنين المشاركة في المشاريع الحكومية من خلال الاستثمار في الأسهم، كما كان الحال في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وذلك بشراء الأسهم وتحقيق أرباح من ارتفاع قيمتها أو الحصول على عوائد نصف سنوية.

ودعا إلى تشجيع مشاركة المجتمع في المشاريع الصغيرة من خلال تخصيص أسهم لمجموعات مختلفة مثل النقابات والجمعيات في قطاعات مختلفة مثل الصناعة والزراعة والخدمات.

صناديق المخاطر المنخفضة والمتوسطة والعالية

وأضاف أن كافة البنوك توفر بدائل استثمارية آمنة على شكل صناديق استثمارية بمستويات مخاطرة مختلفة (منخفضة ومتوسطة وعالية)، موضحاً أن الصناديق ذات المخاطر العالية تحقق عوائد أعلى والعكس صحيح.


شارك