3 مرات في أيام.. لماذا يركز ترامب الحديث عن سد النهضة حاليا؟

منذ 4 ساعات
3 مرات في أيام.. لماذا يركز ترامب الحديث عن سد النهضة حاليا؟

“لو كنتُ مكان مصر، لتمنيتُ مياه النيل”، هذا ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تصريحاته بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD)، الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، والذي يعيق تدفق المياه إلى مصر. لم تكن هذه المرة الأولى التي يتناول فيها ترامب هذه القضية؛ بل كانت المرة الثالثة خلال فترة وجيزة التي ركز فيها تصريحاته تحديدًا على سد النهضة، وليس فقط على مصر أو إثيوبيا.

لكن ما الهدف من هذه التصريحات المتكررة؟ هل يسعى ترامب فعلاً لحل الأزمة، أم أن وراء تصريحاته أجندات خفية تخدم طموحاته السياسية ومصالحه الشخصية؟

سد النهضة

نية خفية

في هذا السياق، صرّح الدكتور مهدي عفيفي، المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الأمريكية، لموقع ايجي برس، بأن تصريحات ترامب بشأن سد النهضة لا يمكن فصلها عن أجندته السياسية الشخصية. وأوضح: “غالبًا ما يتدخل ترامب في الشؤون الدولية لتحقيق مكاسب انتخابية أو شخصية، وليس بدافع المصلحة العامة أو رغبة صادقة في حل الأزمات”.

وأوضح عفيفي: “يعتقد ترامب دائمًا أنه يستطيع استخدام ذكائه وارتباطاته التجارية والسياسية لتقديم نفسه كصانع صفقات، لكن أفعاله غالبًا ما تكون مرتبطة بتحقيق أهداف خفية، وخاصة تلك التي تخدم مصالح الجماعات الصهيونية التي دعمته ومشروع إسرائيل الكبرى”.

دونالد ترامب

وأضاف عفيفي: “نرى أن جميع القضايا التي يهدد بها ترامب – من غزة إلى إيران، ومن سوريا إلى لبنان – تهدف إلى ممارسة ضغط إقليمي لصالح إسرائيل. الحرب والمجاعة في غزة، والنزوح في سيناء، وحتى استخدام سد النهضة الإثيوبي الكبير، كلها أدوات لهذه الخطة الأوسع التي تخدم الأجندة الإسرائيلية”.

أشار عفيفي إلى أن ترامب أراد استخدام قضية سد النهضة الإثيوبي الكبير كورقة ضغط جديدة على القاهرة، خاصة بعد فشل مساعيه لتمرير خطة توطين الفلسطينيين في سيناء. وتابع: “يكرر ترامب عادته في تحميل إدارة بايدن مسؤولية جميع المشاكل، ويصور نفسه كرجل سلام ومنقذ، رغم أنه لم يفِ بوعوده السابقة، سواء في أوكرانيا أو في قطاع غزة”.

قال الدكتور مهدي إن وعود ترامب غير موثوقة. فقد وعد سابقًا بحل الصراع الروسي الأوكراني خلال 24 ساعة من توليه منصبه، وإنهاء الأزمة في قطاع غزة خلال أيام قليلة. إلا أنه لم يتمكن من الوفاء بهذه الوعود.

وتساءل: “أين كان ترامب عندما تفاقمت أزمة سد النهضة الإثيوبي الكبير خلال ولايته الأولى؟ لم يتخذ أي إجراء حقيقي حيال هذه القضية، رغم أنه كان رئيسًا لأربع سنوات. واليوم يريد أن يقنع العالم بأنه استيقظ فجأة واتخذ موقفًا داعمًا لمصر؟ هذا غير منطقي”.

3_3_11zon

واختتم عفيفي حديثه مؤكدًا أن اهتمام ترامب الأساسي هو صورته لدى الناخبين الأمريكيين ومصالحه الشخصية، وليس مصالح مصر أو الفلسطينيين أو غيرها من القضايا الدولية. وقال إنه يستغل القضايا الدولية لكسب تأييد محلي، ويتلاعب بقضايا مثل سد النهضة الإثيوبي الكبير لتحقيق مآرب شخصية، لا لإيجاد حلول حقيقية.

وفي السياق ذاته، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي المتخصص في الشؤون الدولية، إن تصريحات ترامب بشأن سد النهضة الإثيوبي جاءت متناقضة وأرسلت رسائل متناقضة إلى أطراف متعددة، من مصر إلى إثيوبيا ومن القرن الأفريقي إلى القارة الأفريقية بأكملها.

في تصريحاته لموقع ايجي برس، ألمح فهمي إلى أن ترامب يحاول التدخل في قضية الأمن المائي الأفريقي، لكنه لم يقدم نهجًا واضحًا ولا رؤية شاملة لحل الأزمة، بل اعتمد على تصريحات مبهمة لا تستند إلى حقائق دقيقة، مثل ادعائه أن الولايات المتحدة موّلت سد النهضة، بينما في الواقع، مُوّل المشروع بمساهمات من قوى دولية متعددة، وليس الولايات المتحدة فقط.

وأضاف فهمي: “إذا كان ترامب جادًا في التدخل في هذه المسألة وتقديم حلول أو مقترحات واضحة، فهذا أمر مرحب به. أما الاستمرار في الإدلاء بتصريحات دون مضمون حقيقي، فلا يفيد أحدًا ولا يُسهم في التقدم”.

وأكد أن القاهرة، من جانبها، ترحب بكل الجهود الدولية البناءة لحل أزمة سد النهضة الإثيوبي. وتُعد تغريدة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة مؤشرًا إيجابيًا على استعداد مصر للتعاون الجاد في هذه القضية. ومع ذلك، بات من الضروري الآن ترجمة الأقوال إلى أفعال.

4_4_11zon

أربع خطوات لإظهار الجدية

ولخص فهمي الإجراءات العملية التي يجب أن تصاحب تصريحات ترامب في أربع نقاط رئيسية:

1. القيام بدور الوسيط المباشر في ملف سد النهضة.

2. إعادة تفعيل دور «إعلام واشنطن»، كما حصل في وساطة واشنطن خلال أزمة لبنان الأولى.

3. الدعوة لعقد قمة ثلاثية في العاصمة الأميركية تضم مصر وإثيوبيا والولايات المتحدة.

4. ممارسة ضغوط حقيقية على الحكومة الإثيوبية لقبول المشاركة المصرية في إدارة وتشغيل السد.

قال الدكتور فهمي إن هذه الإجراءات تُرسي أسس دور فعّال لترامب أو أي طرف أمريكي آخر في هذا الشأن. إلا أن التصريحات وحدها لا قيمة لها إن لم تُترجم إلى أفعال ملموسة.

5_5_11zon

عدم رد فعل إثيوبيا… لماذا؟

عزا فهمي عدم رد إثيوبيا الرسمي على تصريحات ترامب إلى غياب أي إجراءات ملموسة من جانب الحكومة الأمريكية. وأضاف: “فقط عندما تُترجم التصريحات إلى خطوات ملموسة ورسائل مباشرة، يمكننا أن نلاحظ ردًا حقيقيًا من إثيوبيا. ومع ذلك، فإن الاعتماد على الخطاب الإعلامي لا يُلزم أديس أبابا باتخاذ موقف”.

واختتم قائلاً: “حتى الآن، لم تُصِغ واشنطن موقفًا واضحًا، وتستمر في التصرف بناءً على خطاب إعلامي لا يدعمه عمل دبلوماسي فعلي. ولذلك، يواصل الجانب الإثيوبي تجاهل ما يُقال، وينتظر دون رد واضح”.

لكن تصريحات الرئيس الأمريكي أثارت استياءً شديدًا في الأوساط الإثيوبية، حسبما ذكرت صحيفة “ذا ريبورتر” الإثيوبية. واتُّهم ترامب بالانحياز علنًا إلى مصر في النزاع على مياه النيل.

6_6_11zon

وبحسب الصحيفة، أعرب الإثيوبيون عن قلقهم البالغ إزاء ما اعتبروه تصريحات غير مبررة بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير. إذ تعتبر أديس أبابا السد مشروعًا سياديًا وطموحًا، ومحوريًا للحد من الفقر وتنمية البلاد. في المقابل، تخشى مصر من أن يُعرّض السد حصتها من مياه النيل للخطر، وهو حق تاريخي لها.

في تعليقاتٍ له مع هذا المراسل، وصف فقيه أحمد نقاش، المدير التنفيذي السابق للمكتب الإقليمي الفني لشرق النيل التابع لمبادرة حوض النيل، تصريحات ترامب بأنها “مُحرضة ولا تقبل الجدل”. وأشار إلى أنها تعكس “تحيزًا صارخًا” لصالح مصر، مع أنها لم تكن مفاجئة تمامًا من رئيس ذي ميول شعبوية.

قال فكي أحمد، الذي شغل سابقًا منصب مدير شؤون الأنهار العابرة للحدود في وزارة الموارد المائية الإثيوبية: “يحمل ترامب ضغينة تجاه إثيوبيا منذ أن رفضت البلاد جهود الوساطة التي بذلها مع مصر قبل ثماني سنوات خلال ولايته الأولى”. وأشار إلى أن “المصريين نجحوا في دفعه نحو موقف يدعو إثيوبيا إلى توقيع اتفاقية ملزمة مع مصر والسودان بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير”.

أكد فكي أن إثيوبيا لا تستطيع، ولا ينبغي لها، توقيع مثل هذه الاتفاقية. وأوضح أن استغلالها للموارد الطبيعية في أراضيها سيحد من احتياجاتها التنموية على المدى الطويل.

ويعتقد الخبير الإثيوبي أن الالتزامات الأميركية السابقة تجاه مصر، بما في ذلك تلك الواردة في اتفاقيات كامب ديفيد، لا تزال تلقي بظلالها على الموقف الأميركي في الصراع الإثيوبي المصري على مياه النيل، على حد قوله.


شارك