حرائق غابات المتوسط تشتعل مجددا.. خسائر بشرية وبيئية وتعاون إقليمي لإخماد النيران

* مصطفى بنرمل: دول البحر الأبيض المتوسط تنتهج استراتيجية تشمل الوقاية والتوعية والكشف والمراقبة والاستجابة والسيطرة والتعافي وإعادة التأهيل. هناك آلية للحماية المدنية تابعة للاتحاد الأوروبي تم تفعيلها عدة مرات لمساعدة اليونان وإيطاليا وإسبانيا. خلال موجات الحرائق في اليونان، قدمت دول البحر الأبيض المتوسط المساعدة من خلال إرسال طائرات الإطفاء وفرق الإطفاء. هناك تبادل مستمر للمعلومات والتحذيرات بين مراكز الحماية المدنية في مختلف بلدان البحر الأبيض المتوسط.
هذا الصيف، اشتدت حرائق الغابات في دول البحر الأبيض المتوسط. قُتِل أربعة أشخاص في فرنسا وإسبانيا، ووقعت أضرار مادية في اليونان والمغرب وتونس.
في يوليو/تموز، اجتاحت حرائقٌ مساحة 16 ألف هكتار (الهكتار الواحد يساوي 10 آلاف متر مربع) في سوريا، متسببةً في أضرارٍ لـ 45 قريةً و1200 عائلة. دفع هذا تركيا إلى التدخل وتقديم المساعدة في إخماد الحرائق.
وفي تصريح لوكالة الأناضول، قال الخبير البيئي المغربي مصطفى بنرمل، إن حرائق الغابات “تمثل تحديا مشتركا يتطلب تضافر الجهود والتعاون الوثيق بين جميع البلدان لمواجهتها بشكل فعال”.
وأوضح أن التعاون يجب أن يشمل “تبادل المعلومات والخبرات، والمساعدات الطارئة، ومشاريع وبرامج التعاون الإقليمي، والتدريب المشترك”.
وشدد على أهمية أن تسعى دول حوض البحر الأبيض المتوسط إلى استراتيجيات مشتركة بالنظر إلى الظروف المناخية المشتركة التي تجعل المنطقة عرضة للحرائق، خاصة في فصل الصيف.
** الإحصائيات والأرقام
شهدت دول البحر الأبيض المتوسط حرائق عديدة خلال الأسابيع الأخيرة. وأوضح الصحابي بن ضياف، مدير حماية الغابات بوزارة الفلاحة التونسية، أن الحرائق “ظاهرة طبيعية مرتبطة بالغطاء الغابي والمناخ وارتفاع درجات الحرارة”.
وأوضح أن 380 عملية إطفاء حرائق نفذت في تونس خلال العام، شملت 536 هكتارا من الأراضي الزراعية المتفرقة و295 هكتارا من الغابات والمراعي الجافة.
وامتدت الحرائق في جنوب فرنسا أيضًا إلى مرسيليا، ثاني أكبر مدينة في البلاد، حيث أتت النيران على 350 هكتارًا من الأراضي بحلول 8 يوليو. ووفقًا لمسؤولي الإنقاذ الفرنسيين، أدى الحريق أيضًا إلى إغلاق مطار مرسيليا.
اندلع حريقٌ أيضًا في شمال شرق إسبانيا، مُدمِّرًا ما يقرب من 3000 هكتار من الغابات. وحثَّت السلطات آلاف السكان على البقاء في منازلهم حفاظًا على سلامتهم.
في الثاني من يوليو/تموز، أعلن أكابون حليم، المدير الإقليمي للوكالة الوطنية للمياه والغابات بتطوان، المغرب، إخماد حريق شب في غابة بني ليث بإقليم تطوان الشمالي، بعد ثلاثة أيام من اندلاعه. وقد أتى الحريق على حوالي 16 هكتارًا من الغابات.
أعلنت الحكومة المغربية، في 16 مايو/أيار، عن تخصيص حوالي 17 مليون دولار لتعزيز جهود مكافحة حرائق الغابات في صيف عام 2025.
**استراتيجيات متعددة الاستخدامات
وقال بنرمل إن دول البحر الأبيض المتوسط يجب أن تسعى إلى اتباع استراتيجية متعددة الأوجه تشمل “الوقاية والتثقيف والكشف المبكر والمراقبة والاستجابة والسيطرة والتعافي وإعادة التأهيل”.
وفيما يتعلق بالوقاية والتثقيف، أوضح أن الاستراتيجية يجب أن تشمل “تنفيذ حملات إعلامية لتوعية السكان والسياح بمخاطر الحرائق وكيفية الوقاية منها، فضلاً عن الإدارة الوقائية للغابات من خلال إزالة المواد القابلة للاشتعال مثل الأغصان الجافة والأعشاب الضارة، فضلاً عن إنشاء حواجز للحرائق وتقليم الأشجار”.
وتنص الخطة أيضًا على “تنظيم الأنشطة البشرية، مثل تقييد إشعال النيران في المناطق المعرضة للخطر خلال فترات معينة وتنظيم أنشطة التخييم والترفيه”.
وفيما يتعلق بالكشف والمراقبة المبكرة، قال الخبير إن العملية تشمل “استخدام شبكات أبراج المراقبة والكاميرات، وأجهزة الاستشعار الحرارية للكشف المبكر عن الدخان أو الحرارة، فضلاً عن استخدام الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية واستخدام التكنولوجيا لمراقبة المناطق الحرجية واكتشاف الحرائق في مرحلة مبكرة”.
وأضاف أن الكشف المبكر يشمل أيضًا “إجراء دوريات برية وجوية منتظمة في المناطق المعرضة للخطر، وخاصة في فصل الصيف”.
وفيما يتعلق بالاستجابة والمكافحة، قال إنه بالإضافة إلى الطائرات البحرية والمروحيات، هناك أيضاً فرق إطفاء برية وجوية مدربة ومجهزة لمكافحة حرائق الغابات.
وأوضح أن ذلك يتضمن أيضا التعاون الدولي من خلال تبادل الموارد والخبرات بين دول المنطقة في مكافحة الحرائق خاصة خلال فترات الذروة.
وأشار إلى ضرورة التنسيق بين الأجهزة المعنية بمكافحة الحرائق، مثل الدفاع المدني، وإدارة الغابات، والجيش والشرطة، لضمان التعاون الفعال فيما بينها.
وفيما يتعلق بإعادة الإعمار والتأهيل، أكد بنرمل على أهمية تقييم الأضرار التي سببتها الحرائق وتحديد المناطق التي تحتاج إلى إعادة تأهيل، وكذلك إعادة تشجير المناطق المتضررة.
** استراتيجية تركيا
وتنفذ تركيا استراتيجية متكاملة ومتعددة الجوانب لمكافحة الحرائق، سواء من خلال استخدام المروحيات والطائرات والمركبات الأرضية المتخصصة وفرق التدخل أو من خلال الوقاية والإنذار المبكر، مما ساهم في نجاح التدخل.
أعلن وزير الزراعة والغابات التركي إبراهيم يوماكلي، اليوم الأربعاء 4 يوليو/تموز، السيطرة على حرائق الغابات في قضاء تشيشمي بمحافظة إزمير (جنوب غرب).
وتعتمد الاستراتيجية التركية أيضًا على عمليات الإجلاء لتجنب سقوط ضحايا، خاصة أن الحرائق تزامنت مع ارتفاع درجات الحرارة والرياح القوية.
ولعبت تركيا أيضًا دورًا مهمًا في مكافحة الحرائق في اللاذقية في سوريا هذا الشهر من خلال المساعدة في جهود مكافحة الحرائق.
تسببت الحرائق في سوريا في تدمير 16 ألف هكتار من الغابات، بما في ذلك 2200 هكتار من الأراضي الزراعية، وأثرت على 45 قرية و1200 عائلة.
وفي الخامس من يوليو/تموز، أفادت وكالة الأنباء السورية (سانا) بأن الحرائق امتدت إلى ريف اللاذقية (غرب)، وأن فرق الإطفاء التركية، المكونة من مروحيتين وإحدى عشرة آلية، ساعدت في إخماد الحرائق.
في 16 يوليو/تموز، أعلن وزير الطوارئ والحماية المدنية السوري رائد الصالح انتهاء عمليات إخماد الحرائق في جبال اللاذقية، لكنه حذر من عواقب وخيمة قد تستمر لسنوات.
وأكد الصالح أن ما تحقق هو “نتيجة تضامن وطني وشعبي واسع وتعاون ميداني بين مؤسسات الدولة والفرق التطوعية والدولية”، بحسب سانا.
وشكر الوزير الفرق من تركيا والأردن والعراق ولبنان وقطر، وكذلك كافة الفرق التطوعية التي لعبت دورا هاما في تقديم الدعم اللوجستي، وكذلك الوزارات والمؤسسات الحكومية التي عملت معا بتناغم ومسؤولية.
** التعاون المشترك
وفي يونيو/حزيران 2024، أعلنت الحكومة الإسبانية التزامها بالحفاظ على اتفاقية عام 1992 مع المغرب للحد من انتشار الحرائق.
وقال الخبير المغربي إن هناك تعاونا نشطا ومتناميا بين دول البحر الأبيض المتوسط في مجال الوقاية من الحرائق.
وأوضح أن هذا التعاون يتم على عدة مستويات، منها “تبادل المعلومات والخبرات، والمساعدة المتبادلة في حالات الطوارئ، ومشاريع وبرامج التعاون الإقليمي، والتدريب المشترك”.
وأشار إلى مشاركة المغرب في مكافحة الحرائق في البرتغال، حيث أرسل الجيش ثلاث طائرات للمساعدة في جهود مكافحة الحرائق في سبتمبر/أيلول 2024 بناء على طلب لشبونة.
** المشاريع الإقليمية
أشار بن راميل إلى آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي، التي تُسهّل تنسيق المساعدات بين الدول الأعضاء والدول المشاركة في حالات الكوارث، بما في ذلك حرائق الغابات. وقد فُعّلت هذه الآلية عدة مرات لدعم اليونان وإيطاليا وإسبانيا.
وأشار إلى أن هناك العديد من المشاريع والبرامج الرامية إلى تحسين التعاون الإقليمي في مجال إدارة مخاطر الحرائق، مثل مشروع MED COOPFIRE الذي يهدف إلى تطوير استراتيجية تعاون فعالة لإدارة مخاطر الحرائق في دول البحر الأبيض المتوسط.
وأوضح أن المنظمات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تلعب دوراً في تسهيل التعاون من خلال مبادرات مثل سيلفا ميديتيرانيا، لجنة الأمم المتحدة للغابات المتوسطية.
وتنظم بعض الدول أيضًا تمارين مشتركة لمكافحة الحرائق بهدف تحسين التنسيق والتعاون في مجال الحرائق العابرة للحدود، وفقًا للخبير المغربي.
خلال موجات الحرائق التي شهدتها اليونان في السنوات الأخيرة، قدمت العديد من دول البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الدول خارج الاتحاد الأوروبي، المساعدة من خلال إرسال طائرات إطفاء وفرق إطفاء.
وقال بنرمل “هناك تبادل مستمر للمعلومات والتحذيرات بين مراكز إدارة الكوارث في مختلف البلدان”.
وأوضح أن من المعروف على نطاق واسع في منطقة البحر الأبيض المتوسط أن حرائق الغابات تشكل تحدياً مشتركاً، الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود والتعاون الوثيق، بالإضافة إلى الاستثمار في الوقاية والكشف المبكر.
وأشار الخبير المغربي إلى أن إسبانيا واليونان وإيطاليا، بالإضافة إلى فرق مكافحة الحرائق البرية المتخصصة، تعتمد في كثير من الأحيان على أساطيل كبيرة من الطائرات المائية والمروحيات، وتمتلك أنظمة حديثة للإنذار المبكر.
وفيما يتعلق بفرنسا، أشار إلى التركيز القوي على الوقاية والغابات، فضلاً عن خدمات الإطفاء المدنية والعسكرية القوية في البلاد.