المهرجان القومي للمسرح يناقش أساليب الإخراج وآليات الإنتاج غير الحكومي

في إطار المحور الفكري للمهرجان القومي للمسرح المصري الثامن عشر، والذي يحمل هذا العام شعار “تحولات الوعي الجمالي في المسرح المصري”، عُقدت جلستان هامتان لمناقشة أساليب وآليات الإخراج المعاصرة في الإنتاجات المسرحية غير الحكومية. وقد شارك في الجلسات عدد كبير من المخرجين والباحثين والمسرحيين، وشهدت حضورًا جماهيريًا فاعلًا في المجلس الأعلى للثقافة.
الجلسة الأولى: الأساليب المعاصرة في الإخراج المسرحي
أدار الجلسة الأولى الدكتور محمد عبد الرحمن الشافعي، وشارك فيها كلٌّ من الدكتورة إنجي البستاوي، والدكتورة هبة الله سامي، والمخرج محمد الحضري. وركز النقاش على تحولات الإخراج المسرحي، ودور الارتجال، وتأثير الأساليب الحديثة وتحديات الإنتاج على تجارب المخرجين الشباب.
إنجي البستاوي: الارتجال والإبداع وجهان لعملة واحدة.
ناقشت الدكتورة إنجي البستاوي أساليب الإخراج المعاصرة، وأكدت على أهمية الارتجال كعنصر فاعل في عملية الإخراج. وقالت: “الارتجال والإبداع وجهان لعملة واحدة، والارتجال عنصرٌ مميزٌ جدًا في عملية الإخراج. يحظى الارتجال بشعبيةٍ كبيرةٍ بين المخرجين الشباب، ويلعب الارتجال الجماعي دورًا هامًا في إنتاج العديد من العروض المسرحية القائمة على نظرياتٍ مسرحيةٍ وأساليب تدريبٍ مختلفةٍ للممثلين، مثل أسلوب ستانيسلافسكي أو أسلوب أوغستو بوال”.
وأضافت: “يتمتع رواد التمثيل الذين ابتكروا العروض المسرحية من الصفر، وخاصةً يوجينيو باربا، بقدرة فريدة على تطوير العروض المسرحية من الصفر، وصياغة نص ارتجالي متين للمسرح. وينطبق هذا أيضًا على الممثل، وكيفية خلقه للشخصية التي يؤديها، وكيفية ارتجاله بما يتوافق مع تصميم الشخصية الدرامية”.
هبة الله سامي: ليس لدينا أزمة مسرح، بل أزمة ثقافة إنتاج وإخراج.
تحدثت الدكتورة هبة الله سامي عن الرؤى المنهجية للمخرجين الشباب للإخراج المسرحي في ظل ظروف إنتاجية مختلفة، وأكدت: “ليس لدينا أزمة مسرح، بل تكمن الأزمة الحقيقية في عدة جوانب: أولًا، في التغطية الإعلامية للفعاليات والمهرجانات المسرحية، وثانيًا، في ثقافة الإخراج الخاصة. في الحقيقة، ليست لدينا أزمة فكر أو رؤية، بل أزمة إنتاج. يواجه المخرج مهمة شاقة: عليه أولًا إيجاد منشأة إنتاجية تحقق رؤيته الإخراجية”.
وسلطت الضوء على نقطة مهمة تتعلق بالمخرجين الشباب: “لاحظتُ أنه على الرغم من التجارب والأفكار المهمة والملهمة للمخرجين الشباب في المسرحيات التي حَكَّمتُ فيها في العديد من المهرجانات، إلا أن القراءة أُهمِلت بشكل كبير، وهو أمرٌ يجب علينا أخذه في الاعتبار. ومع ذلك، ورغم التحديات، فإن هؤلاء الشباب قادرون على تقديم عروض مبهرة حتى في ظل ظروف إنتاجية صعبة”.
محمد الحضري: آخذ الجمهور في الاعتبار عندما أقدم عروضًا غريبة.
من جانبه، تحدث المخرج محمد الحضري عن تجاربه مع الغروتسك ونظرية إعادة بناء الواقع المعاش: “هذا النهج، التفكيكي، يخلق صورة مسرحية غريبة. هناك فرق جوهري بين الكوميديا الفنية والغروتسك. فالكوميديا الفنية تدور حول إضحاك الناس، بينما يمثل الغروتسك حالات عاطفية مختلفة”.
وتابع: “في العروض التي أُخرجها، أُراعي أنماط الاستقبال الاجتماعي والثقافي المختلفة، وأسأل نفسي دائمًا: كيف يُمكن لشخص عادي كوالدي أن يفهم ما أُقدمه؟ لذلك أسأل نفسي قبل أي عرض: ماذا أُقدم؟ وكيف أُقدمه؟ أسعد لحظات حياتي هي عندما يغادر الجميع العرض وقد استمتعوا به بما يُعكس رؤيتهم.”
الجلسة الثانية: آليات الإنتاج المسرحي غير الحكومي
أدارت الجلسة الثانية الفنانة منى سليمان، وشارك فيها المنتجة أروى قدورة، والمخرج سامي داود، والفنان رامي دسوقي. ناقش المشاركون التحديات التي تواجه الإنتاج المسرحي غير الحكومي، وقدموا نماذج من تجاربهم في تعزيز المسرح الحر والمستقل.
أروى قدورة: أعتمد على جيل جديد من فناني المسرح.
أوضحت المنتجة أروى قدورة، رئيسة مجلس إدارة مسرح الحسابر، أن هدفها الرئيسي بخبرتها المسرحية الممتدة لعشرين عامًا هو تنشئة جيل جديد من محترفي المسرح. وأضافت: “أسعى جاهدةً لمراعاة أذواق الجمهور في العروض المسرحية التي أشرف عليها. لذلك، أُولي أهمية كبيرة لجودة عروضي المسرحية، وغالبًا ما أستثمر معظم إيرادات المسرح في مسرحيات واعدة. ونظرًا لكثرة المسرحيات التي أنتجتها لجمهور غير محترف، أُطلق عليّ أيضًا لقب “منتجة هاوية”.”
وأضافت: “ما يهمني هو الإبداع الفريد الذي يُبدعه المبدعون والموهوبون، وخاصةً في المسرح الجديد، سواءً في الإخراج أو تصميم الديكور أو كتابة السيناريو. الهدف الرئيسي هو طرح أفكار جديدة تُؤثر في المجتمع، مثل مواضيع التنمر والصداقة وإعادة التدوير وسيطرة الألعاب الإلكترونية، بالإضافة إلى قضايا المرأة. من خلال المسرح، أريد تسليط الضوء على عدد من المواضيع المهمة، وفي الوقت نفسه إثارة اهتمام الجمهور”.
سامي داوود: هناك نوعان من الإنتاج: الربحي والتجريبي لدعم الشباب.
أوضح المخرج سامي داود أن هناك نوعين من العروض المسرحية غير الحكومية: الأول ربحي، والثاني يُوظّف جزءًا من هذه الأرباح لدعم تجارب الشباب. وأوضح: “يجب أن يشمل إنتاج أي عرض عدة عناصر، أهمها التمويل، والأماكن، والجمهور المستهدف. يسعى معظم المنتجين إلى الربح، بينما يتبع بعضهم نموذجًا مزدوجًا: فهم يحققون ربحًا من عروض معينة ويدعمون تجارب مسرحية أخرى للشباب”.
وتابع: “كان جزء كبير من عملي كمدير للعديد من المهرجانات الدولية يهدف إلى دعم ليس عرضًا واحدًا فقط، بل مشروعًا ثقافيًا شاملًا، بما في ذلك ورش العمل الفنية والإدارة الثقافية والتسويق والإضاءة، من خلال الدعم المالي والفني الشامل”.
رامي دسوقي: نحن لا نتبرع فقط، بل نشارك أيضًا في تطوير المشاريع الثقافية خارج المركز.
تحدث الفنان رامي دسوقي، المدير المالي للاتحاد الأوروبي للمعاهد الثقافية (EUNIC) في مصر، عن منح الإنتاج التي تقدمها المؤسسة: “في EUNIC، نسعى إلى كسر مركزية القاهرة والإسكندرية وإعادة توزيع المنح على المحافظات الأخرى. لسنا مجرد ممولين، بل شركاء في تنفيذ المشاريع. نعمل مع مؤسسات مثل المركز الثقافي الفرنسي لتوفير المساحة، ونعمل مع وزارة الثقافة لخلق مساحات إبداعية جديدة.”
وأضاف: “نتلقى أكثر من 700 طلب سنويًا، مما يجعل عملية الاختيار معقدة. ونحرص على أن يشمل الدعم ليس فقط المساعدة المالية، بل أيضًا التدريب وفرص السفر. ونحن ملتزمون بمنح الفنانين الشباب فرصة توسيع تجاربهم محليًا ودوليًا”.