نتنياهو يصطدم بالجيش بسبب “المدينة الإنسانية” في غزة.. ما هو سبب الخلاف؟

منذ 4 ساعات
نتنياهو يصطدم بالجيش بسبب “المدينة الإنسانية” في غزة.. ما هو سبب الخلاف؟

في اجتماعٍ للمجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر مساء الأحد، تصاعدت حدة التوتر بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولين عسكريين. وكُشف النقاب في وقتٍ سابق عن خطةٍ لبناء ما يُسمى “مدينةً إنسانية” في منطقة رفح جنوب قطاع غزة. وتهدف الخطة في البداية إلى إيواء ما يصل إلى 600 ألف فلسطيني من مناطق القتال في قطاع غزة. وكان وزير الدفاع يسرائيل كاتس قد كشف عن المشروع الأسبوع الماضي.

وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، رفض نتنياهو الخطة التي اقترحها الجيش ووزارة الدفاع لتطبيق هذا المشروع على أرض الواقع، واصفًا إياها بـ”غير الواقعية”. ودعا إلى خطة بديلة “أسرع وأكثر مرونة وأقل تكلفة”.

وقال مصدر حكومي حضر الاجتماع إن نتنياهو صرخ في وجه رئيس الأركان إيال زامير: “طلبت خطة واقعية!”.

ويأتي هذا الاجتماع الطارئ بعد أن أعرب الجيش الإسرائيلي عن معارضته للمشروع، مشيرًا ليس فقط إلى تكلفته المرتفعة وفترة التنفيذ الطويلة التي قد تستغرق أشهرًا، بل أيضًا إلى المخاوف الأمنية.

يعتقد الجيش الإسرائيلي أن بناء ما يُسمى “مدينة الخيام” الكبيرة سيُقوّض جهود إطلاق سراح أسرى حماس. ويخشى أن يُفسّر المشروع على أنه إشارة إلى استعداد إسرائيل للدخول في اتفاق جزئي قد يُؤدي إلى استئناف القتال بعد وقف إطلاق نار محتمل. وتطالب حماس بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جميع المدن الرئيسية في قطاع غزة تمهيدًا لانسحاب كامل للقوات، وهو شرط أساسي للتوصل إلى اتفاق نهائي مع إسرائيل.

وفقًا لتقديرات عسكرية، سيستغرق تنفيذ خطة إنشاء هذه “المدينة الإنسانية” عدة أشهر، وربما عامًا. رفض نتنياهو وعدد من الوزراء هذا المقترح، ودعوا إلى إطار زمني أقصر.

يعتقد الجيش الإسرائيلي أن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق مع حماس بشأن إطلاق سراح أسرى إسرائيليين، بعد تسريبات عن وجود خلاف بين نتنياهو ورئيس الأركان زامير بشأن استمرار الحرب في قطاع غزة.

ويعتقد زامير، الذي عينه نتنياهو مؤخرا رئيسا لهيئة الأركان، أن استمرار الحرب وتدمير حماس يتعارضان مع هدف إطلاق سراح أسرى غزة.

الخلاف بين المواقف السياسية والأمنية

في مقابلة مع بي بي سي، تحدث الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي، موريس هيرش، عن عمق الخلاف بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل حول مشروع إنشاء “مدينة إنسانية” جنوب قطاع غزة. وقال إن هذا الخلاف “طبيعي في الأنظمة الديمقراطية”، وإن لكل طرف وجهة نظره الخاصة.

وأوضح هيرش أن الحكومة تنظر إلى “المدينة الإنسانية” باعتبارها حلاً عمليًا من شأنه تمكين إجلاء المدنيين الفلسطينيين من مناطق القتال في قطاع غزة إلى منطقة مركزية حيث تتوفر المياه والغذاء والبنية الأساسية، وحيث يمكن توزيع المساعدات بشكل مباشر ودون تدخل من حماس.

وأضاف: “هذه هي الطريقة الأفضل لمحاربة حماس وتقليل الأضرار الجانبية للمدنيين”.

وأكد أن وجود المدنيين في مناطق القتال يعيق العمليات العسكرية، مشيرا إلى أن إبعادهم مؤقتا عن هذه المناطق من شأنه أن يمكّن من مهاجمة البنية التحتية لحماس بشكل أكثر فعالية دون تعريض المدنيين للخطر، على حد تعبيره.

وفيما يتعلق بمعارضة الجيش لمخططات تنفيذ هذا المشروع، قال هيرش إن هذا الموقف ينبع من تفضيل الجيش توزيع المساعدات في عدة مواقع بدلاً من تركيز عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين في منطقة واحدة، وهو ما يراه خطراً أمنياً محتملاً.

وفي الوقت نفسه، أعرب هيرش عن قلقه من أن تتمكن حماس من استغلال “المدينة الإنسانية” لإخفاء أعضائها بين السكان المدنيين، وهو ما من شأنه أن يعقد الجهود الرامية إلى السيطرة على المنطقة من منظور عسكري.

وعندما سُئل عن سبب معارضة بعض القادة العسكريين الإسرائيليين، مثل الجنرال زامير، للخطة على الرغم من علاقاتهم الوثيقة مع نتنياهو، قال هيرش إن هذا “ليس تعبيرا عن تحول في الولاءات السياسية، بل هو اختلاف طبيعي في الرأي في تقييم الوضع على الأرض”.

تكاليف عالية

من ناحية أخرى، وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن خطة بناء “المدينة الإنسانية” تواجه معارضة شديدة من مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة المالية، الذين حذروا من عواقب اقتصادية “كارثية” في حال تنفيذ المشروع دون مصادر تمويل واضحة.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، قدّرت الوزارة أن بناء وصيانة “المدينة الإنسانية” سيكلف السلطات الإسرائيلية 15 مليار شيكل (حوالي 4.5 مليار دولار) هذا العام والعام المقبل. وتشير التقديرات إلى أن تكاليف المشروع لن تُعوّض على المدى القريب، إذ إنه ليس مشروعًا مؤقتًا، بل من المتوقع أن يستمر لسنوات.

وقد قدرت الهيئات الحكومية الإسرائيلية المشاركة في المشروع – مكتب رئيس الوزراء، ووزارة الدفاع، ووزارة المالية – تكلفة بناء البنية التحتية لـ”المدينة الإنسانية” وحدها بأكثر من 10 مليارات شيكل (2.9 مليار دولار)، في حين أن تكاليف الصيانة السنوية للمشروع بأكمله ستصل إلى مبلغ مماثل بسبب التضخم والنمو السكاني المتوقع.

ووصف مسؤول حكومي إسرائيلي الخطة بأنها “تعادل بناء مدينة إسرائيلية جديدة بالكامل، مع كل البنية التحتية الضرورية: المياه والكهرباء والصرف الصحي والإضاءة والطرق والمدارس ورياض الأطفال والمستشفيات”، مشيرا إلى أن ما يقرب من نصف السكان المخطط لهم سيكونون من الأطفال.

الدعم السياسي

وعلى الرغم من الاعتراضات الاقتصادية والعسكرية، يحظى مشروع المدينة الإنسانية بالدعم السياسي من وزير الدفاع يسرائيل كاتس ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين ينظران إلى المشروع باعتباره “ضرورة أمنية وإنسانية”، حتى لو كان مكلفا.

لكن هذا ليس مجرد نزاع على المال أو الوقت، بل يكشف عن انقسام عميق داخل القيادة الإسرائيلية: بين اعتبارات الأمن القومي، والضغط الاقتصادي، والأهداف السياسية لرئيس الوزراء، الذي يبدو، رغم كل التحذيرات، عازمًا على المضي قدمًا في المشروع.


شارك