“من دودة القز إلى صناعة وطنية”.. أول مركز قومي للحرير في الوادي الجديد (صور)

الوادي الجديد – محمد الباريسي :
لطالما ارتبطت صناعة الحرير بالحرفية والفخامة في الوعي المصري. وتعود جذورها إلى العصر الفاطمي، حين ازدهرت صناعة المنسوجات الفاخرة في القاهرة والفسطاط، وكانت مصر مركزًا لتجارة الحرير في البحر الأبيض المتوسط.
مع ذلك، شهدت هذه الصناعة تراجعًا تدريجيًا في القرن العشرين نتيجةً لاعتمادها على الواردات ونقص الدعم لإنتاج دودة القز، مما أدى إلى انقراضها تقريبًا. ومع ذلك، ظلت آمال الانتعاش قائمةً، إذ سعت الدولة إلى تعظيم القيمة المضافة للموارد المحلية.
في السنوات الأخيرة، أطلقت وزارة الزراعة مشاريع تجريبية لإنتاج الحرير في بعض القرى الريفية، إلا أن تأثيرها كان محدودًا. ويمثل مشروع الوادي الجديد أول محاولة جادة لإحياء هذه الصناعة على المستوى الوطني بدعم سياساتي مُستهدف.
خطوة هامة نحو تطوير الصناعة الوطنية: توصلت وزارة التنمية المحلية والزراعة ومحافظة نويتال إلى اتفاق نهائي لافتتاح أول مركز وطني لإنتاج الحرير الطبيعي في مصر. وسيُصبح المركز، الواقع على مساحة 250 هكتارًا بمدينة الخارجة، المحور الرئيسي لمحافظة نويتال لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتوطين صناعة الحرير.
جاء هذا التطور عقب اجتماع عُقد أمس بمقر وزارة التنمية المحلية، بحضور الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية؛ واللواء محمد الزملوط، محافظ الوادي الجديد؛ والدكتور هشام الهلباوي، نائب الوزير للمشروعات القومية؛ والدكتور محمود سعد، رئيس قسم بحوث الحرير بمركز البحوث الزراعية؛ وعدد من قيادات الوزارة.
وتبلورت ملامح المشروع بعد أن كلف رئيس الوزراء مباشرة وزارة التنمية المحلية ووزارة الزراعة بوضع رؤية شاملة لإنشاء مركز لإنتاج الحرير الطبيعي يلبي أعلى المعايير الفنية ويمكن تكراره في محافظات أخرى، ضمن خطة أوسع لتحقيق الاكتفاء الذاتي من منتجات الحرير.
قال الزملوط: “تم تشكيل لجنة مشتركة لدراسة الجدوى الاقتصادية والبيئية وتحديد أفضل المواقع للمشروع. وقد وقع الاختيار على مدينة الخارجة لما تتميز به من موقع جغرافي مميز ومناخ جاف مناسب لتربية دودة القز، وفقًا للدكتور محمود سعد، أحد أبرز خبراء الحرير في مصر”.
كشفت خطة الإدارة التي نوقشت خلال الاجتماع عن طموح شامل لتحويل المركز إلى نموذج متكامل لصناعة الحرير الطبيعي. ويشمل المشروع ما يلي:
صوبات زراعية لتربية دودة القز وفق معايير بيئية صارمة.
مجمع لمعالجة وتجفيف وتخزين الشرانق بشكل آمن.
خط إنتاج حرير متكامل، من استخراج الخيوط إلى إنتاج القماش.
وتضمن محطات الري الحديثة والتضاريس استخدام المياه بكفاءة.
اسطبلات تربية مع أنظمة تهوية وإضاءة ذكية.
شبكة الطاقة والخدمات اللوجستية الداعمة.
أكد محافظ الوادي الجديد أن المشروع لا يقتصر على الإنتاج فحسب، بل يشمل أيضًا التدريب وتنمية المهارات، حيث سيتم توفير مساحات لورش عمل لتدريب الشباب على مختلف مراحل صناعة الحرير، وتأهيلهم لإنشاء منشأة إنتاج مستدامة في المحافظة.
وقال الدكتور ماجد المرسي وكيل وزارة الزراعة بالوادي الجديد إن المشروع يهدف إلى ثلاثة محاور رئيسية:
تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحرير الطبيعي لتقليل تكاليف الاستيراد.
توفير فرص العمل المباشرة وغير المباشرة داخل المحافظة وخاصة للشباب والنساء.
تحويل المشروع إلى نموذج قابل للتكرار في محافظات أخرى مثل المنيا وأسيوط وسوهاج.
أعربت وزيرة التنمية المحلية الدكتورة منال عوض عن تفاؤلها بنجاح المشروع، ووصفته بأنه “الجوهر الحقيقي للاستراتيجية الوطنية لتوطين صناعة الحرير”.
وأكد وزير التنمية المحلية أن المشروع يحظى بمتابعة حثيثة من رئيس الجمهورية لأنه جزء من خطط الدولة لتنمية الصعيد باستخدام الموارد المحلية.
وأضافت: “لقد حرصنا على التعاون الكامل مع وزارة الزراعة وجميع الهيئات الفنية ذات الصلة لوضع خطة مدروسة جيدًا من حيث الإطار الزمني وتكاليف التشغيل والاحتياجات المستقبلية لضمان بداية قوية ومدروسة”.
وأكد اللواء محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد، أن المحافظة ستقدم كافة التسهيلات اللازمة لإنجاح المشروع، من تخصيص الأراضي وتوصيل المياه والكهرباء، وتسهيل كافة الإجراءات الإدارية والميدانية للمقاولين والشركات المنفذة.
وقال الزملوط: “نرى في هذا المشروع بوابة جديدة للتنمية وسنعمل على خلق بيئة استثمارية حقيقية حول المركز تمكن من إقامة مشاريع تكميلية مثل المصانع الصغيرة وورش التطريز”.
أعلن نائب وزير الزراعة بالوادي الجديد أن خطوات التنفيذ ستبدأ الأسبوع المقبل. وسيزور وفد مشترك من الوزارتين موقع المشروع لتفقد الأرض المخصصة شخصيًا. وسيتم عرض المقترح النهائي على رئيس الوزراء في يوليو.
بمجرد اعتماد الخطة النهائية، سيبدأ العمل الفعلي في الموقع فورًا. وقد وُضع جدول زمني مفصل لمراحل التنفيذ، بما في ذلك البنية التحتية، وتركيب المعدات، والتشغيل التجريبي. ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج الكامل خلال 18 شهرًا من بدء العمليات.
في 2 سبتمبر 2023، وبعد انضمام المحافظة كعضو مؤسس، شاركت الوادي الجديد في حفل تأسيس رابطة مدن طريق الحرير السياحية بالصين، حيث أعلن اللواء دكتور محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد مشاركة المحافظة كعضو مؤسس في الرابطة الدولية لمدن طريق الحرير السياحية (ITASRC) والتي أطلقتها جمهورية الصين الشعبية بمشاركة 40 مدينة حول العالم من بينها الوادي الجديد.
خلال مشاركته في حفل تأسيس الاتحاد في الصين، صرّح الزملوط بأن الاتحاد يهدف إلى تعزيز السياحة وتبادل ونقل التكنولوجيا، وتنمية صناعة السياحة في المدن الأعضاء، وتنمية الموارد السياحية والثقافية، وحماية التراث الثقافي، وتعزيز هوية المدينة. كما يهدف إلى توسيع نطاق التدريب المهني والبحث الأكاديمي والعمل الميداني لتعزيز الأنشطة الثقافية والسياحية في هذه المدن.
وأشار إلى أن الفعالية تضمنت معرضاً للصور الفوتوغرافية لأهم المعالم والوجهات السياحية في المدن الأعضاء، شاركت فيه المحافظة بعرض أهم مقوماتها السياحية، بما يعكس تنوع الأنشطة السياحية، من سياحة أثرية وبيئية وصحية ورياضية.
ويعد المشروع الجديد في الوادي الجديد الأساس لتطوير سلسلة قيمة صناعية متكاملة، تبدأ بالزراعة وتستمر عبر الإنتاج حتى التصدير.
وبحسب وزارة التنمية المحلية، ستشمل المرحلة المقبلة من المشروع التعاون مع شركات متخصصة في صناعة المنسوجات الفاخرة. كما سيتم فتح قنوات تصدير إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية، وخاصةً الصين والهند.