مدينة الخيام.. امتداد لمحاولات إسرائيل تهجير الفلسطينيين

منذ 9 ساعات
مدينة الخيام.. امتداد لمحاولات إسرائيل تهجير الفلسطينيين

وتسعى إسرائيل إلى إقامة منطقة عازلة على أنقاض مدينة رفح لتوطين مئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين بعد تهجيرهم. وكشفت صحيفة هآرتس عن طبيعة المشروع الإسرائيلي ووصفته صراحة بأنه ترانسفير إجرامي. أدانت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) الخطة الإسرائيلية، مؤكدة أنها لا تمت للإنسانية بصلة.

بعد فشل محاولات سابقة لكسر شوكة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وبقاء حرب الإبادة الدائرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في الخلفية، تُمضي إسرائيل قُدمًا في خطة جديدة: بناء ما يُسمى “مدينة إنسانية” على أنقاض رفح جنوب قطاع غزة. وتُوصف هذه الخطوة بأنها محاولة سافرة لتهجير مئات الآلاف من المدنيين قسرًا وعزلهم بشكل ممنهج.

وتجسد هذه الخطة، التي كشفت عنها السلطات الإسرائيلية ووسائل الإعلام العبرية، جانباً آخر من الحرب المعقدة التي تشنها تل أبيب على غزة: ليس فقط القتل والتدمير، بل أيضاً إعادة تشكيل الوجود الفلسطيني نفسه من خلال مشاريع أشبه بـ”معسكرات الاعتقال المغلقة” التي يتم تسويقها تحت ستار “العمل الإنساني”.

فحوصات أمنية صارمة

خلال مؤتمر صحفي عُقد يوم الاثنين، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن الخطوط العريضة لخطة جديدة لإنشاء “مدينة خيام إنسانية” على أنقاض رفح. وتنص الخطة في البداية على إدخال 600 ألف فلسطيني إلى المدينة بعد خضوعهم لتفتيشات أمنية صارمة، ثم يُمنعون من المغادرة.

وأشار إلى أن بناء هذه المدينة المزعومة لن يبدأ إلا بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما يجري مناقشته حاليا في مفاوضات الدوحة.

صرحت هيئة الإذاعة الإسرائيلية الرسمية أن هذه الخطة جزء من خطة أوسع لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم. وأشارت إلى أنها ستُبنى بين محوري فيلادلفيا وموراج جنوب قطاع غزة، بدعوى فصل المدنيين عن أعضاء الفصائل الفلسطينية المسلحة.

وأشارت إلى أن المرحلة المقبلة ستتضمن جمع كل الفلسطينيين من غزة في المنطقة قبل وضع آليات لتشجيع ما أسمته “الهجرة الطوعية” للفلسطينيين هناك.

ورغم أن كاتس لم يكشف عن المساحة التي ستُبنى عليها المدينة، إلا أن المساحة الإجمالية لمدينة رفح تبلغ نحو 55 كيلومترا مربعا.

رغم أن مساحة غزة الإجمالية تبلغ 365 كيلومترًا مربعًا، إلا أنها تعتبر المكان الأكثر كثافة سكانية في العالم.

“الانتقال الإجرامي”

كشفت صحيفة هآرتس العبرية، الأربعاء، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ينوي المضي قدماً في خطة التطوير الحضري المزعومة، فيما نقلت عن مسؤولين عسكريين قولهم إن الجيش الإسرائيلي يفتقر إلى الموارد اللازمة لتنفيذها.

وصفت افتتاحية في صحيفة هآرتس الخطة بأنها “تهجير إجرامي”. وزعمت أن المدينة، التي تُسوّق على أنها “مدينة إنسانية”، ليست سوى “معسكر اعتقال” سيُرسل إليه الفلسطينيون من غزة، ولن يُسمح لهم بمغادرته إلا إذا “قرروا” الهجرة.

واعتبرت أن المشروع يمثل انحلالاً أخلاقياً خطيراً لإسرائيل، وأكدت أن محاولات إخفائه بأسماء كاذبة لن تغير من حقيقته، فهو في جوهره “معسكر اعتقال”.

وأضافت: “يبدو أن إسرائيل مقتنعة بأن الوصف الإنساني كافٍ لتبرير أي عمل. على سبيل المثال، تستخدم عبارة “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”، وهي عبارة لم تعد ذات صلة بما يفعله الجنود الإسرائيليون”.

وأضافت: “إنهم يحاولون الآن تصوير معسكر الاعتقال المخصص للترحيل على أنه معسكر الاعتقال الأكثر أخلاقية في العالم”.

“خطة الجنرالات” – الطرد من الشمال

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2024، وهو الذكرى السنوية الأولى للحرب، بدأ الجيش الإسرائيلي بتنفيذ خطة غير مُعلنة لإجلاء الفلسطينيين من شمال قطاع غزة، وتحديدًا من بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، ثم اتجه جنوبًا. واعتُبر هذا تنفيذًا عمليًا لما عُرف لاحقًا بـ”خطة الجنرالات”.

وتهدف الخطة التي نشرت على موقع “واي نت” في سبتمبر/أيلول 2024، إلى تحويل المناطق الواقعة شمال ما يسمى “ممر نتساريم” في جنوب قطاع غزة إلى منطقة عسكرية مغلقة وفرض حصار كامل عليها لإجبار الفصائل الفلسطينية على الاستسلام أو القتل، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”.

لكن مع مرور الوقت، انسحبت القوات الإسرائيلية من مواقع عديدة، وظهر فشلها في فرض سيطرتها. وقد أقرّ بذلك جيورا إيلاند، مهندس الخطة والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي. ففي أبريل/نيسان 2025، كتب: “بعد عام ونصف من الحرب، يمكن القول للأسف إن إسرائيل قد فشلت في هذا الصدد”.

خطة الفقاعة – تفاصيل القطاعات:

في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كشفت صحيفة هآرتس عن خطة عسكرية إسرائيلية جديدة لتقسيم قطاع غزة إلى أربع مناطق معزولة، مما يخلق “فقاعات جغرافية” يتم فصل الفلسطينيين فيها بحجة الأمن.

وفقًا لتقرير سابق لصحيفة وول ستريت جورنال، تهدف الخطة إلى تحديد مناطق يُسمح للفلسطينيين بالعيش فيها، شريطة ألا يكونوا تابعين لحماس. وهذا يُمثّل مشروع عزل جماعي داخل قطاع غزة نفسه.

لكن هذه الخطة فشلت في تحقيق أهدافها لأن المجموعات بقيت نشطة ورفض الفلسطينيون السماح بطردهم من أراضيهم.

مخطط غير إنساني

أكدت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، الخميس، أن خطة إسرائيل لبناء ما يسمى “مدينة إنسانية” على أنقاض مدينة رفح “لا علاقة لها بالإنسانية”.

وقالت مديرة العلاقات الخارجية والإعلام في الأونروا تمارا الرفاعي في بيان صحفي إن تسمية هذا المكان بـ”مدينة إنسانية” يعد “إهانة لمبدأ الإنسانية، حيث لا يوجد أي جانب إنساني وهذه المدينة (المزعومة) ليس لها أي صلة بالإنسانية”.

وأعربت عن اعتقادها بأن حشر 600 ألف فلسطيني في هذا المبنى في المرحلة الأولى، ثم حشر سكان غزة بالكامل (2,114,000 نسمة) في مساحة محصورة تحت مراقبة صارمة من قبل القوات الإسرائيلية، “سيحول غزة، التي كانت تعتبر في السابق أكبر سجن مفتوح في العالم، إلى أكثر سجن مفتوح اكتظاظا ومراقبا في العالم”.

ودان الرفاعي الخطة الإسرائيلية، محذرا من أنها “ستؤدي إلى إنشاء مخيمات ضخمة ومكتظة للفلسطينيين على الحدود مع مصر”.

وأضافت “لا يمكننا أن نبقى صامتين ونكون متواطئين في هذا النزوح القسري واسع النطاق”.

وقال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني يوم الأربعاء إن الخطة ستؤدي إلى إنشاء “مخيمات ضخمة مكتظة على الحدود مع مصر للفلسطينيين الذين عانوا من النزوح لأجيال”.

وأضاف: “إن السبيل الوحيد للمضي قدما هو وقف إطلاق النار الدائم الذي يشمل إطلاق سراح الرهائن (السجناء الإسرائيليين في غزة)، وضمان استمرار تسليم المساعدات الإنسانية بشكل آمن وكريم، والالتزام الصادق بحل الدولتين”.

توزيع المساعدات حسب العشائر

في محاولةٍ للالتفاف على المؤسسات الفلسطينية وخلق بدائل موالية لها داخل المجتمع، حاولت إسرائيل في الأشهر الأخيرة إشراك زعماء العشائر في قطاع غزة في توزيع المساعدات الإنسانية على الفلسطينيين في القطاع. ويأتي ذلك ضمن خطةٍ لتمزيق النسيج الاجتماعي وتحييد أي نفوذٍ للفصائل أو الهيئات الرسمية.

لكن هذا النهج قوبل برفض شعبي واسع النطاق، كما أن افتقار الفلسطينيين للثقة في القنوات التي لم تخضع لمعايير شفافة ومحايدة أدى إلى فشل الخطة على أرض الواقع.

في سبتمبر/أيلول 2024، اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والدفاع في الكنيست بأن “محاولة السماح للعشائر في قطاع غزة بتوزيع المساعدات باءت بالفشل”، معترفاً بذلك مرة أخرى بأن تل أبيب غير قادرة على خلق واقع بديل داخل قطاع غزة المحاصر.

كل هذه الخطط، من “المدينة الإنسانية” إلى توزيع المساعدات على العشائر إلى خطط التوطين والتقسيم، تظهر أن إسرائيل لا تشن حرب إبادة ضد غزة فحسب، بل تحاول أيضا فرض واقع ديمغرافي وسياسي جديد من شأنه أن يحرم قطاع غزة من هويته ووجوده.

ورغم القتل والتدمير والضغوط الإنسانية غير المسبوقة، فشلت إسرائيل في تنفيذ خططها خلال أشهر الإبادة الجماعية.

وكانت صحيفة هآرتس قد وصفت الحرب في وقت سابق بأنها “عبثية، بلا هدف ووحشية للغاية” ودعت إلى إنهائها الفوري “بأي ثمن”.

وبدعم أميركي ثابت، واصلت إسرائيل إبادة شعبها في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فقتلت أو جرحت أكثر من 195 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وفقد أكثر من 10 آلاف آخرين، بالإضافة إلى مئات الآلاف من النازحين والمجاعة التي أودت بحياة العديد من الأشخاص.


شارك