كيف تحول مقهى على شاطئ غزة لمقبرة جماعية لكل من فيه؟

هذه بيان أبو سلطان، زميلتي، التي تتحدث الإنجليزية بطلاقة، وعملت مع العديد من وكالات الأنباء. جثتها ملطخة بالدماء. وهذا زميلي، المصور الصحفي أبو شمالة، الذي فقد ساقه. وهذا صاحب المقهى، الذي كان دائمًا يقدم لنا المشروبات بحفاوة بالغة – جثة هامدة. وهذه أم مقتولة تحمل ابنتها التي فجر القصف العنيف رأسها. هل تصدقونني إذا قلت: “حتى جثث الحيوانات، مثل القطط التي كانت هناك. والله، رأيتها”.
هكذا وصف وديع أبو السعود اللحظات الأولى لهجوم جيش الاحتلال الإسرائيلي على مقهى “البقعة” على شاطئ غزة. قُتل ما يقارب عشرين شخصًا وجُرح العشرات، معظمهم في حالة حرجة. ووفقًا لمصادر طبية، من المتوقع ارتفاع عدد القتلى.
وأضاف: “كنا كصحفيين نجتمع في هذا المقهى لأنه كان مزودًا بالإنترنت، مما سمح لنا بإرسال موادنا الصحفية إلى مواقع عملنا. ومع ذلك، فهو ليس مخصصًا للصحفيين. نذهب دائمًا إلى المقهى مع زوجاتنا وأطفالنا. ثم خرجت لإجراء مكالمة هاتفية، وعندها سقط الصاروخ”.
“لم أستطع الكلام”، أضاف أبو السعود، بالكاد يتنفس من شدة الخوف. “سقطتُ أرضًا من شدة الخوف وفقدت الوعي لعدة دقائق. حملني الشباب لأتمكن من النهوض مجددًا. لم أرَ الصاروخ ولم أسمع صوته. لم أرَ سوى الجحيم الذي اندلع بعد الانفجار، وصراخ النساء اللواتي التهمتهن النيران، وأشلاء الجثث تتطاير أمام عينيّ”.
أكد أبو السعود أن الهجوم جاء دون سابق إنذار. وأشار إلى أن الصاروخ كان على الأرجح صاروخ استطلاع من طراز X-16، إذ كانت شظاياه كبيرة جدًا. استهدف الصاروخ مركز المقهى، فلم يكن أحدٌ في الداخل بمأمن. لو لم أغادر المقهى لأجري مكالمة هاتفية، لكنتُ في عداد الموتى.
1
وأصدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بيانا قال فيه إن “عدد الصحفيين الذين قتلوا في هذه الحرب ارتفع إلى 228 نتيجة هذه الاعتداءات”.
شادي عزام، وهو نازح يعيش قرب ميناء غزة حيث وقعت الحادثة، أكد أنه فرّ إلى هناك ونصب خيمته بعد تلقيه أوامر إخلاء من الشمال. وزعم: “أوامر الإخلاء وجهت النازحين إلى الغرب، والآن يتعرض الجزء الغربي من قطاع غزة للقصف والهجوم. فأين نذهب إذن؟ حتى اتباع أوامر الجيش الإسرائيلي لا يحمي من الموت في غزة”.
وقال النازح موسى إنه ركض على الفور نحو مكان الانفجار لإنقاذ الضحايا، “لكن ما شاهدناه فاق أي إجراءات إنقاذ كان من الممكن أن نتخذها”.
وتابع: “كان الهجوم مروعًا… ولماذا في البحر؟ كان هؤلاء أناسًا أبرياء يحاولون التخفيف من وطأة الحرب… لكنهم أرادوا أن يتنفسوا هواء بحر قطاع غزة. انسحبوا دون سابق إنذار. حتى أنني رأيت الجرحى، الذين نجوا من الموت بأم أعينهم، ممددين في فناء المستشفى وقاعة الاستقبال. كان معظم الضحايا من النساء والأطفال. لا أستطيع أن أنسى المشهد الذي رأيته… لا أستطيع”.
يقول أحمد كفالة: “أصبح سقوط مئة شهيد يوميًا في غزة خبرًا عاديًا. بالأمس كان في نقاط توزيع المساعدات، واليوم على الشاطئ. لم يطيقوا رؤية الناس يضحكون ويمرحون على الشاطئ. بين لحظة وأخرى، تحولت أصوات الضحك والفرح إلى صراخ، ثم ساد الصمت إلى الأبد… بين لحظة وأخرى”.
وأفادت مصادر طبية في غزة أن عدد الشهداء ارتفع إلى أكثر من 80 شهيداً، اليوم الاثنين، منهم 57 في مدينة غزة ومحافظة الشمال.
وقالت مصادر محلية إن 13 مواطنا استشهدوا عندما أطلق جيش الاحتلال النار على متظاهرين قرب مركز توزيع مساعدات تابع لمؤسسة غزة الإنسانية غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة.