رئيس مجلس النواب: إعادة التوازن في العلاقة الإيجارية يتوقف على التزام الحكومة بتوفير وحدات بديلة

منذ 4 ساعات
رئيس مجلس النواب: إعادة التوازن في العلاقة الإيجارية يتوقف على التزام الحكومة بتوفير وحدات بديلة

• الجبالي: نحن أمام تحدٍ جديد وفصل جديد سيتذكره المجلس.

صرح رئيس مجلس النواب، المستشار الدكتور حنفي الجبالي، بأن تطبيق أحكام قانون الإيجار القديم وضمان فاعليته على أرض الواقع لإعادة التوازن المنشود في علاقة الإيجار، لا يرتبط بنصه، بل يعتمد بالدرجة الأولى على التزام الحكومة بتوفير مساكن بديلة للمستأجرين أو من جُددت عقود إيجارهم، وخاصةً الفئات الأكثر ضعفًا. وأضاف: “لا يُعقل أن يُشرد مواطن أو يُطرد من منزله دون إيجاد بديل يحفظ كرامته ويضمن سلامته”.

نحن أمام تحدٍّ جديد وفصل جديد سيخلّده التاريخ لهذا المجلس، في استجابته لهذه الأزمة التي عجزت المجالس السابقة، بكل ما فيها من مزايا وعيوب، عن معالجتها، لما رافقها من صعوبات جمة، لم يكن لأحدٍ منا يدٌ في خلقها، بل فرضتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية الاستثنائية التي مرّت بها البلاد في حقبة تاريخية محدّدة. وهذا ما دفع سلطات الدولة، في سبيل تغليب المصلحة العامة، إلى الخروج عن جميع المبادئ الراسخة، كمنع المساس بالملكية الخاصة، ومبدأ الإرادة الكاملة في التعاقد. وعقود الإيجار بطبيعتها عقود رضائيّة ومحدّدة المدة، كما أضاف قبل مناقشة مشروع القانون في الجلسة العامة اليوم.

وتابع الجبالي: “استندت أحكام المحاكم آنذاك إلى هذه الظروف والمبررات، بل ذهبت إلى حدّ القول إنّ عدم تنفيذ المشروع آنذاك كان سيؤدي إلى تهجير آلاف العائلات، وتفتيت بنية المجتمع، وإثارة الكراهية والعداء بين أجزائه، وهو ما كان يستدعي تدخلاً تشريعياً لضمان أمن المجتمع”.

وفيما يتعلق باختلاف الأحكام على مر السنين، قال جباليس: “في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة، طوّرت المحكمة الدستورية أحكامها ومبادئها، وتدخلت للحدّ تدريجيًا من الامتداد القانوني، وصولًا إلى حصره في الجيل الأول فقط. ونلاحظ أن المحكمة الدستورية العليا دأبت على التأكيد في جميع أحكامها على أن قوانين الإيجار القديمة استثناءات، ولا تُمثّل حلاً دائمًا ونهائيًا للمشاكل الناجمة عن هذه الأزمة”.

قال: “مع قرار المحكمة الدستورية الأخير، ورغم أن النزاع يتعلق باستقرار القيمة الإيجارية، فقد أكد حكم المحكمة على طبيعة القوانين الاستثنائية المتعلقة بقانون الإيجارات وصلاحيتها المؤقتة بغض النظر عن مدتها. كما أكد على حق المشرع في التدخل وتنظيم تمديد الحق وتحديد القيمة الإيجارية، معتبرًا إياها من سمات جميع القوانين الاستثنائية التي يمكن للمشرع مراجعتها في أي وقت، لأنها لا تخرج عن نطاق اللوائح القانونية”.

وفيما يلي نص كلمة رئيس مجلس النواب:

زملائي الأعزاء أعضاء مجلس النواب…

ولا يخفى عليكم أهمية مشروع القانون المقدم اليوم، ليس فقط لأنه يمس شريحة واسعة من مواطني الدولة، من ملاك ومستأجرين، بل أيضاً لأننا الآن أمام تحد جديد، كما سيؤكد الجميع، واجهه هذا المجلس، بفضل الله وعونه، بعزيمة وثبات وحكمة.

اليوم، نواجه فصلاً جديداً سيُخلّد في ذاكرة هذا المجلس، إذ واجه هذه الأزمة التي عجزت المجالس السابقة، رغم كل مزاياها وعيوبها، عن مواجهتها لما رافقها من صعوبات جمة. لم تكن هذه الأزمة ذنبنا، بل نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية الاستثنائية التي مرّت بها البلاد في حقبة تاريخية معيّنة. ولإعلاء المصلحة العامة، اضطرت السلطات التنفيذية والتشريعية للدولة آنذاك إلى تجاوز جميع المبادئ التي أقرّتها الدساتير والقوانين المتعاقبة، كمنع المساس بالملكية الخاصة، ومبدأ الإرادة الكاملة في التعاقد. كما روعي في عقود الإيجار، كونها عقوداً رضائيّة ومحدّدة المدة، أن الدولة تدخلت في العلاقات التعاقدية، فجعلتها، خلافاً لطبيعتها، غير محددة المدة، وسمحت بتوارثها لغير المالك، من المستأجر الأصلي إلى زوجته وأولاده وأقاربه حتى الدرجة الثالثة، فيما يُعرف بالتجديد القانوني. كل هذا كان لتغليب مبادئ أخرى تقتضيها ظروف الوضع، وعلى رأسها التضامن الاجتماعي. وقد استندت أحكام المحاكم آنذاك إلى هذه الظروف والحيثيات، مؤكدةً أن عدم تدخل السلطة التشريعية آنذاك كان سيؤدي إلى تهجير آلاف العائلات، وتفتيت النسيج الاجتماعي، وإثارة الكراهية والعداء بين فئات الشعب. وبذلك تم إهمال مبدأ التضامن الاجتماعي الذي كان يتطلب التدخل التشريعي لحماية أمن المجتمع.

ومع تطور هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية، لاحظنا أن المحكمة الدستورية العليا قد طورت أحكامها ومبادئها في أحكامها المتتالية من عام 1995 إلى عام 2002، متدخلةً للحد من هذا التوسع التشريعي تدريجيًا، وصولًا إلى حصره في الجيل الأول. ونلاحظ أن المحكمة الدستورية العليا دأبت في جميع أحكامها على التأكيد على أن قوانين الإيجار القديمة استثناءات، ويجب اعتبارها دائمًا تشريعات مؤقتة، مهما كانت مدتها. فهي لا تمثل حلاً دائمًا ونهائيًا للمشاكل الناجمة عن هذه الأزمة، بل يجب مراجعتها دائمًا لتحقيق التوازن بين مصالح أطراف الإيجار، بحيث لا يميل توازنها إلى اتجاه يتعارض مع طبيعتها، إلا إذا غيرت الظروف التي أدت إلى وجودها ذلك.

ولو أن مجلس الشعب مارس سلطته آنذاك وتدخل لتقصير هذا التمديد قبل أن تصدر المحكمة الدستورية العليا أحكامها، لكان من الطبيعي أن نجد بعض القانونيين آنذاك يصفون هذا ـ كما نرى اليوم ـ بالتدخل غير الدستوري (أي أن التدخل دستوري من وجهة نظر المحكمة الدستورية العليا، ولكنه غير دستوري من وجهة نظر السلطة التشريعية، السلطة الأصلية).

في حكم المحكمة الدستورية العليا الأخير في الدعوى رقم 24 للسنة القضائية العشرين، بجلسة 9 نوفمبر 2024، ورغم أن موضوع النزاع يتعلق باستقرار القيمة الإيجارية، إلا أن المحكمة أكدت في حكمها طبيعة القوانين الاستثنائية في قانون الإيجارات، وأنها قوانين مؤقتة مهما كانت مدتها، وأقرت صراحةً بحق المشرع في التدخل وتنظيم (الامتداد القانوني لعقود الإيجار) و(تحديد القيمة الإيجارية)، معتبرةً إياها من خصائص جميع القوانين الاستثنائية التي يجوز للمشرع مراجعتها في أي وقت، بحيث لا يشكل أي منها حكمًا قطعيًا بلا قيد، ولا مستثنى من التنظيم القانوني.

وفي الختام، أوضحت تطور هذه القوانين الطارئة في ضوء الأحكام المتتالية للمحكمة الدستورية العليا.

أخيرًا، أودّ أن أناشد الحكومة وأؤكد أن تطبيق أحكام هذا المشروع وضمان فاعليته على أرض الواقع في إعادة التوازن المنشود بين طرفي عقد الإيجار لا يقتصر على نصوصه وأحكامه، بل يعتمد بالدرجة الأولى على التزام الحكومة بتوفير مساكن بديلة للمستأجرين أو المستأجرين الممتدين الخاضعين لأحكام هذا القانون، وخاصةً للفئات الأكثر ضعفًا. فلا يُعقل أن يُشرّد مواطن أو يُطرد من منزله دون إيجاد بديل آمن ومناسب يحترم كرامته الإنسانية ويضمن أمن المجتمع.


شارك