ترامب يهاجم محاكمة نتنياهو.. هل يحصل رئيس الوزراء الإسرائيلي على عفو عام؟

في ظل تداعيات الضربة العسكرية الإسرائيلية الأميركية المشتركة ضد إيران، أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب موجة من الجدل السياسي والقانوني في إسرائيل عندما دعا علناً إلى إسقاط محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو العفو عنه فوراً، واصفاً إياه بأنه “بطل حرب” يستحق التكريم وليس الملاحقة القضائية.
وفي سياق متصل، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي طلبا رسميا إلى المحكمة المركزية في القدس لتأجيل محاكمته التي تعقد ثلاث مرات أسبوعيا لمدة أسبوعين، مشيرا إلى تورطه في “قضايا سياسية وأمنية حساسة”، وخاصة القضية الإيرانية والوضع في قطاع غزة.
لكن المحكمة رفضت طلبه مرتين، واعتبرت أسباب تأجيل الجلسات “غير كافية”، وأصرت على استمرار المحاكمة دون تغيير الجدول الزمني المقرر سابقا.
العفو الرئاسي في إسرائيل: قواعد صارمة وحدود سياسية
أثارت دعوة ترامب تساؤلات قانونية حول إمكانية إصدار عفو رئاسي لرئيس وزراء في منصبه. فبموجب القانون الإسرائيلي، لا يجوز للرئيس إصدار عفو إلا بناءً على طلب مباشر من الشخص المعني وبعد التشاور مع النائب العام ووزارة العدل. علاوة على ذلك، لا يُمنح العفو عادةً إذا ثبت أن القضية تُشكل “فسادًا أخلاقيًا” وتمنع الشخص من تولي منصب عام.
وفي تصريح نادر، أعرب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ عن انفتاحه على فكرة التسوية الشاملة، مشيرا إلى أن أكثر من 90% من القضايا الجنائية في إسرائيل تنتهي بالتسوية.
ودعا هيرتزوج إلى “حوار مسؤول” بين السلطات القضائية والسياسية للوصول إلى توافق، لكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة احترام استقلال القضاء وسيادة القانون.
بين التأييد والمعارضة: انقسام حاد في إسرائيل
وأثارت تصريحات ترامب صدمة في الأوساط السياسية، وانقسمت ردود الفعل في إسرائيل: فمن ناحية، اعتبروها تعبيرا عن “شعور شعبي عميق” بضرورة إنهاء العملية، ومن ناحية أخرى، اتهموا ترامب بالتدخل الصارخ في شؤون دولة ذات سيادة.
داخل الحكومة، أيد العديد من الوزراء طلب ترامب فورًا. صرّح وزير الثقافة والرياضة، ميكي زوهار، بأن “الوقت قد حان لإنهاء الظلم الذي لحق بنتنياهو”، ووصف المحاكمة بأنها “حملة شعواء شخصية بلا أساس قانوني”.
وأشار وزير الخارجية جدعون ساعر إلى أن المحاكمة استمرت أكثر من خمس سنوات وأن استمرارها يخدم منطق “الملاحقة القانونية” وليس العدالة.
كما أعرب سيمحا روثمان، رئيس اللجنة الدستورية في الكنيست، عن رأيه بأن المحاكمة تعكس صورةً مشوهةً للقضاء الإسرائيلي. ووصف الادعاءات بأنها “مُفبركة وغير واقعية”. وفي الوقت نفسه، أكد أن الرئيس الأمريكي لا يملك صلاحية التدخل في النظام القضائي لدولة أخرى، ودعا إلى حل “يتناسب مع دولة ذات مؤسسات مستقلة”.
مع ذلك، قوبلت هذه التصريحات بمعارضة شديدة. ووصف زعيم المعارضة السابق يائير لابيد تدخل ترامب بأنه “غير مقبول بتاتًا” ويمثل اعتداءً على سيادة القضاء الإسرائيلي.
اعتبرت النائبة نعمة لازمي تصريحات ترامب “دليلاً جديداً على أن نتنياهو لم يعد يثق بمؤسسات بلاده”. وتعتقد أن طلب الدعم من زعيم أجنبي هو في حد ذاته “إدانة سياسية وأخلاقية”.
تجدر الإشارة إلى أن قاضي المحكمة العليا المتقاعد أهارون باراك انضم إلى النقاش، معلنًا دعمه لأي خطوة من شأنها إنهاء محاكمة نتنياهو، سواءً كانت عفوًا أم تسوية. وقال إنه لا يفهم سبب تعثر هذه المبادرات.
وبحسب تقارير صحفية، عرض باراك التوسط بين الطرفين للتوصل إلى اتفاق. إلا أن محامي نتنياهو رفضوا عرضه، بحجة أن نتنياهو اشترط انسحابه من الساحة السياسية وإسقاط التهم الموجهة إليه.
هل نحن أمام صفقة شاملة بين السياسة والقضاء؟
تعكس هذه التطورات معركةً مزدوجة يخوضها نتنياهو: في المحكمة وداخل المؤسسة السياسية. يواجه اتهاماتٍ بالفساد تتعلق بالهدايا والرشاوى، ولكنه يُنظر إليه أيضًا على أنه مهندس الهجوم على إيران وشريكٌ رئيسي في خطة أمريكية شاملة لإنهاء حرب غزة وتوسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم.
وفي هذا السياق، يرى المحللون أن تصريحات ترامب لم تكن مجرد تعبير عن الدعم العاطفي لصديق، بل كانت جزءاً من محاولة استراتيجية لإزالة العائق القانوني من طريق نتنياهو، وتمهيد الطريق لمزيد من تطوير خطة سلام إقليمية من شأنها إنهاء الحرب مقابل اتفاق شامل مع حماس، وإشراك الدول العربية في إدارة قطاع غزة، وفتح الباب أمام تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية.
كشفت صحيفة “إسرائيل اليوم” عن وجود خطة لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وإطلاق سراح الأسرى، وتطبيع العلاقات مع دول مختلفة، بينها السعودية وسوريا.
بحسب مراقبين، يُدرك ترامب جيدًا أن تشبث نتنياهو بحكومته سيمنعه من إنهاء الحرب في غزة أو توقيع اتفاقية تطبيع مع السعودية، في ظل إمكانية تحقيق حل الدولتين مع الفلسطينيين. ويعود هذا العائق بشكل كبير إلى خوف نتنياهو من انهيار الحكومة وفقدان حصانته البرلمانية. ويعتقد أن العفو عن نتنياهو سيمنحه نفوذًا سياسيًا محليًا يُمكّنه من تعزيز أجندة الرئيس الأمريكي الإقليمية.
مع ذلك، قد يُصرّ نتنياهو على براءته ويُواصل المحاكمة حتى صدور الحكم النهائي. فهو لا يزال يعتقد أنه قادر على دحض التهم الموجهة إليه، بينما يعتقد آخرون أن اتهامات الفساد الموجهة إليه ستؤدي حتماً إلى سجنه.
ملخص المشهد: عدالة متأخرة أم تسوية كبرى؟
في مواجهة ضغوط متزايدة من مصادر محلية وحلفائها الرئيسيين، مثل ترامب، يجد نتنياهو نفسه أمام مفترق طرق. فهل سيواصل معركته القانونية حتى نهايتها، أم سيسعى إلى حل سياسي تحت ستار العفو؟
وفي الحالتين، يبدو أن أحداث اليوم تتجاوز مصير رجل واحد وتمس مستقبل النظام الديمقراطي في إسرائيل، ومستقبل اتفاقيات التطبيع، والحلول السياسية والاستراتيجية المعقدة.