هل حلم ترامب بالسلام في أرض الحروب الأبدية قابل للتحقيق؟

منذ 3 ساعات
هل حلم ترامب بالسلام في أرض الحروب الأبدية قابل للتحقيق؟

في أعقاب هجوم أمريكي مفاجئ على منشآت نووية إيرانية، وردّ إيراني على قاعدة العديد الجوية الأمريكية التي تم إخلاؤها في قطر، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب النصر فورًا، مدعيًا أن الشرق الأوسط على أعتاب “سلام أبدي”. وفي منشور على منصته “تروث سوشيال”، كتب ترامب: “تهانينا للعالم، حان وقت السلام”. وأشار إلى أن رد إيران الصاروخي المحدود يعكس رغبة طهران في تجنب التصعيد.

بعد 48 ساعة فقط من الغارات الجوية الأمريكية، أعلن ترامب وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، واصفًا إياه بأنه “فعالٌ بالفعل”. ورغم أن وقف إطلاق النار في المنطقة غالبًا ما يكون هشًا وسهل الخرق، لا سيما بهجمات متبادلة بين إسرائيل وإيران بعد دخوله حيز التنفيذ، إلا أن ترامب بدا واثقًا من أنه أوقف دوامة الحرب. حتى أنه قال: “أعتقد أن وقف إطلاق النار غير محدد المدة… لن يتبادلا إطلاق النار مجددًا”.

1

النصر أم الوهم؟

وفقًا لتقريرٍ لشبكة CNN الأمريكية، يعتبر ترامب هذه العملية أعظم نجاح سياسي وعسكري في رئاسته، بل ربما في مسيرته المهنية بأكملها. ووفقًا للتقرير، كان الرئيس الجمهوري يراهن على قدرته على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية دون مواجهة معضلة عراقية جديدة. ورغم الكثير من الشكوك، يبدو أن رهانه قد أتى بثماره حتى الآن.

لكن الواقع أكثر تعقيدًا، وفقًا لشبكة CNN. اتهمت إسرائيل طهران بانتهاك وقف إطلاق النار بعد ساعات من دخوله حيز التنفيذ، بينما نفت إيران هذا الاتهام نفيًا قاطعًا. وشنت تل أبيب بعد ذلك عدة هجمات، توقفت بعد تدخل ترامب.

يُضاف إلى ذلك البرنامج النووي الإيراني، الذي يزعم ترامب وإسرائيل تدميره بالكامل. وبينما أعلن الرئيس الجمهوري أن الهجمات دمرت البرنامج النووي الإيراني، تشير التقديرات الأولية إلى أن منشآت مثل أصفهان ونطنز وفوردو تضررت بشدة، لكنها لم تُدمر بالكامل. والأسوأ بالنسبة للولايات المتحدة هو تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية: لا تزال طهران تمتلك 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي الكمية اللازمة تقريبًا لصنع سلاح نووي.

وفقًا لخبراء تحدثوا لشبكة CNN، ربما تكون إيران قد نقلت أسلحتها النووية إلى مواقع سرية قبل الهجوم. لذا، لا يزال التهديد قائمًا. صرّح جوزيف سيرينسيوني، خبير منع الانتشار النووي، بأن إيران قادرة، إن أرادت، على صنع قنبلة في أقل من أسبوع. وأضاف: “هذا هو مصدر القلق الأكبر. هل يحاولون تطوير سلاح قبل أن تكتشفه أمريكا أم تدمره إسرائيل؟”

3

ترامب: صانع سلام أم أداة فوضى؟

يريد ترامب أن يُصوّر نفسه للعالم كصانع سلام، سياسي تجرأ على استخدام العنف فقط لفرض السلام، لا لإشعال الحرب، وفقًا لشبكة CNN. لكن الواقع يُشير أيضًا إلى نمط مألوف في سلوكه: تجاهله التام لمؤسسات الدولة. فقد فشل في إبلاغ الكونغرس الأمريكي مسبقًا بالهجوم، واستبعد كبار الديمقراطيين من المشاورات، وحوّل العملية إلى استعراض سياسي بحت.

تجاهل الرئيس الأمريكي أيضًا تحذيرات استخباراتية لم تُقدّم أي دليل على أن إيران قررت صنع قنبلة نووية في الأسابيع التي سبقت الهجوم. زعم ترامب أن طهران كانت على بُعد “أسابيع فقط” من إنتاجها، رغم تصريحات مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية تولسي غابارد بأن إيران لا تُجهّز لصنع سلاح نووي. نفى ترامب ذلك، قائلاً إنها “مُخطئة”.

4

علاوة على ذلك، سخر ترامب من جهود حلفائه الأوروبيين للانخراط في مفاوضات السلام. وهذا مؤشر واضح على أن الولايات المتحدة، تحت قيادته، تنتهج نهجًا متشددًا وأحادي الجانب في السياسة الخارجية، متجاهلةً التحالفات التقليدية أو الدبلوماسية القائمة على التوافق.

إيران

رغم أن إيران أطلقت صواريخ على قاعدة العديد الجوية الأمريكية في قطر، إلا أن هذه الهجمات أُحبطت بسهولة. وفسّرت شبكة CNN ذلك على أنه مؤشر على تراجع قدراتها الهجومية، خاصة بعد سماحها للطائرات الإسرائيلية بدخول مجالها الجوي.

وأشارت الشبكة إلى أن تآكل “شبكة الإرهاب” التي بنتها طهران من خلال وكلائها في لبنان وقطاع غزة واليمن نتيجة للهجمات الإسرائيلية على مدى العامين الماضيين جعل إسرائيل، بحسب المراقبين، القوة الإقليمية المهيمنة في الشرق الأوسط.

إسرائيل

من جانبه، استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو البرنامج النووي الإيراني لشن هجمات على إيران رغم الضغوط الدولية. ولم يكن ذلك بسبب قدرات إيران النووية بقدر ما كان محاولةً لترسيخ سلطته، لا سيما في ضوء قضايا الفساد التي لاحقته وفشله في منع هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وذكرت شبكة “سي إن إن” أن مكافحة البرنامج الإيراني من الممكن أن تعطي نتنياهو دفعة سياسية جديدة، ولكنها على الأرجح ستكون قصيرة الأجل وغير دائمة.

قد تتغير العلاقة بين ترامب ونتنياهو. فالرئيس الأمريكي بارع في ممارسة النفوذ، وإذا قرر ذلك، فقد يطالب إسرائيل بالرد على الهجمات على البرنامج النووي الإيراني ودعم اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. لا سيما وأن المجاعة في قطاع غزة تضر بصورة إسرائيل عالميًا.

6

لعبة ترامب

سواءً كان ذلك انتصارًا استراتيجيًا أم حيلة سياسية، يُجهّز ترامب لكتابة قصته الخاصة لما يُسمى “حرب الأيام الاثني عشر”. يزعم أنه دمّر البرنامج النووي الإيراني بالكامل، رغم وجود أدلة تُثبت العكس، ومن المُرجّح ألا يجرؤ أحد في إدارته على مُناقضته.

ومع ذلك، إذا اتضح أن طهران لا تزال تمتلك مواد قادرة على صنع قنبلة نووية، فقد يُذكر احتفال ترامب اليوم غدًا كواحدة من أخطر لحظات الإهمال السياسي في التاريخ الحديث، وربما يُستشهد به كسبب لأزمة نووية أوسع نطاقًا، وفقًا لشبكة CNN. وتساءلت الشبكة عما إذا كان ترامب قد نجح حقًا في تحقيق “سلام دائم” في منطقة مزقتها الحرب، أم أن ما تشهده المنطقة حاليًا مجرد حلقة أخرى في سلسلة الفوضى التي يجيد خلقها.


شارك