تصدر غير المتخصصين.. مفتي يستعرض التحديات التي تواجه الخطاب الإفتائي

منذ 5 ساعات
تصدر غير المتخصصين.. مفتي يستعرض التحديات التي تواجه الخطاب الإفتائي

أكد فضيلة الأستاذ الدكتور نذير محمد عياد، مفتي الديار المصرية ورئيس الأمانة العامة لهيئات ومؤسسات الإفتاء في العالم، أن الخطاب الإفتائي يواجه تحديات متزايدة في عالمنا اليوم، ولا سبيل لمواجهتها إلا من خلال فهم دقيق للواقع، واستجابة عقلانية لمستجداته، وانضباط علمي راسخ قائم على المنهجية الصحيحة.

وأشار إلى أن الفتاوى لم تعد مجرد رد على واقعة أو سؤال، بل أصبحت عاملًا محوريًا في تنظيم ديناميكية المجتمع، وتعزيز الاستقرار، وبناء السلم الأهلي. وهذا يتطلب من المفتين ومؤسسات الفتوى تطوير أدواتهم وخطابهم لمواكبة متغيرات العصر وتعقيداته.

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها اليوم في ندوة “مختبر الفتوى” التي نظمتها هيئة الإفتاء في سنغافورة. وقد ضمت الندوة نخبة من المفتين والعلماء من جميع أنحاء العالم، ضمن مبادرة علمية رائدة تهدف إلى تبادل الخبرات بين هيئات ومؤسسات الفتوى، وتعزيز التقارب العلمي، وتطوير تطبيق الفتاوى بما يتناسب مع خصوصيات المجتمع وواقعه.

أكد سماحة المفتي أن المؤسسات الدينية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مدعوة إلى تعزيز آليات التعاون والتكامل العلمي في الفقه والفتاوى لمواجهة العنف والكراهية، والحد من نزعات التطرف والانعزالية التي تهدد بنية المجتمعات واستقرارها الداخلي. وأكد على أن وحدة المقاصد الدينية العليا يجب أن تكون المرجع المشترك لكل تفسير أو فتوى تصدرها الجهات المختصة. وفي هذا السياق، أشاد بسجل سنغافورة المتميز في الحفاظ على التوازن الاجتماعي والتعددية الدينية والثقافية، مما يعكس وعيًا حضاريًا ورؤية استشرافية للعالم وتحدياته المستقبلية.

وأضاف سماحة مفتي الجمهورية أن الأمانة العامة لهيئات ومؤسسات الإفتاء في العالم انتهجت خلال السنوات الأخيرة رؤية شاملة لتطوير الخطاب الإفتائي من خلال برامج التدريب والتأهيل، ومراكز الرصد والتحليل، ومراكز البحوث المتخصصة. وتنطلق هذه الرؤية من قناعة راسخة بأن صياغة الفتوى لا تقتصر على الجوانب النظرية، بل تتطلب دراسة متأنية للواقع، وتحليلاً معمقاً للمستجدات.

وأكد أن تجربة “مختبر الفتوى” تُمثل نقلة نوعية في هذا الاتجاه، إذ تُمكّن من تطوير خطاب ديني يتسم بالوعي والانفتاح، ويعالج المشكلات الحقيقية دون جمود أو جمود، ويواجه الأفكار المتطرفة بمناهج علمية سليمة، تستند إلى مبادئ الشريعة الإسلامية وقيم العقل والحداثة.

وأشار إلى أن المؤسسات الدينية اليوم ليست مجرد منصات للتعليم أو الفتاوى، بل هي مؤسسات استراتيجية تساعد على توجيه الوعي وتشكيل الرأي العام وتحقيق الأمن الروحي والاجتماعي.

كما أكد على طموح دار الإفتاء المصرية في التحول من مجرد مؤسسة سؤال وجواب إلى مؤسسة بحثية معرفية ذات حضور علمي وتأثير دولي واسع. ويتجلى ذلك في تعاونها البنّاء مع الدول الإسلامية، وخاصة سنغافورة، التي أثبتت أنها نموذج رائد في التنسيق والعمل المشترك لترسيخ ثقافة الاعتدال والتعايش.

في كلمته، تناول سماحة المفتي التحديات الرئيسية التي تواجه الخطاب الإفتائي الراهن، مشيرًا إلى أن أبرزها هيمنة عامة الناس دون مؤهلات شرعية كافية في هذا المجال، مما يشوه صورة الإسلام ويؤدي إلى فوضى في المجتمع. كما حذر من فوضى الفتاوى في الواقع الافتراضي، التي تُنشر دون مؤهلات علمية، وتُستخدم أحيانًا كأداة إفساد باسم الدين. كما حذر سماحته من فتاوى الجماعات العنيفة والمتطرفة التي تُشرع التكفير والعنف وتُبيح سفك الدماء بذرائع دينية واهية. كما أشار سماحته إلى خطورة التساهل والتطرف في الفتاوى، معتبرًا إياهما نهجين يُقوّضان الوظيفة الشرعية للفتوى. كما أكد على ضعف المؤهلات العلمية والروحية لدى بعض القائمين على إصدار الفتاوى، فضلًا عن غياب مرجعية مؤسسية موحدة في كثير من المجتمعات، مما فتح الباب أمام فوضى الفتاوى، وأفقد الناس الثقة في الخطاب الديني العقلاني. ويتطلب هذا مضاعفة الجهود لاستعادة مصداقية المؤسسات الرسمية وتكثيف برامج إعادة التأهيل والرقابة والرصد.

وفي الختام، أعرب سماحة المفتي عن تقديره العميق لجهود المؤسسات الدينية في سنغافورة، ولحفاوة الاستقبال والتنظيم. وأكد أن مثل هذه المبادرات تعكس وعيًا عميقًا بالدور المحوري للدين في بناء السلام العالمي، وتعزيز قيم الأخوة الإنسانية والتعاون بين الحضارات. وأكد أيضًا أن “مختبر الفتوى”، بأنشطته وبرامجه ومناقشاته العلمية، يمثل منصة علمية مرموقة، تُسهم في بناء كوادر علمية قادرة على فهم الواقع، وإصدار الفتاوى بمنهج وسطي وعقلاني، يجمع بين المرجعية الدينية الأصيلة وحداثة الواقع، ويحمل في مضمونه رسالة سلام وكرامة إنسانية.

تُؤكد مشاركة فضيلة المفتي في هذه الندوة الدور الريادي لدار الإفتاء المصرية في تعزيز الحضور العلمي وتنسيق الفتاوى بين مختلف الجهات المعنية بالشأن الديني، كما تُسهم بفعالية في بناء جسور التواصل الفكري بين المجتمعات الإسلامية حول العالم، وتعميق مفاهيم الاعتدال والتسامح، وعرض تجربة مصر الرائدة في الفتوى ومكافحة التطرف. وهذا يُكمل رؤية الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء حول العالم في إرساء خطاب ديني سليم يخدم حاضر الأمة ومستقبلها، ويسهم في بناء عالم أكثر أمنًا وتفاهمًا وسلامًا.


شارك