بداية جديدة وأمل جديد.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة

حددت وزارة الأوقاف موضوع عظة الجمعة القادمة 27 يونيو 2025، “بداية جديدة وأمل جديد”.
وأوضحت الوزارة أن الهدف المقصود من هذه الخطبة الموجهة للعامة هو: (أهمية بث الأمل في نفوس الناس مع بداية العام الهجري الجديد).
يُذكر أن وزارة الأوقاف أطلقت على خطبة الجمعة الماضية عنوان “الأوطان ليست غبارًا”، مؤكدةً أن هدفها هو التأكيد على أهمية العقل والوطن، والتحذير من الأفكار المتطرفة التي تُفسد العقل وتُدمر الأوطان. كما أكدت أن حب الوطن من صميم التدين، وأن الحفاظ على المال والهوية والاقتصاد من أعظم مكارم الأخلاق.
نص خطبة الجمعة الماضية:
الحمد لله رب العالمين، الذي هدا العقول بعجائب حكمته، ووسع الخلق بجلال بركاته، وأنشأ الكون بعظمة تجلياته، وأنزل الهدى على أنبيائه ورسله. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الواحد الأحد الصمد. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صفوة خلقه وحبيبه، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. والآن:
الوطن حكايةٌ تُروى عبر الأجيال، وروحٌ تسكن كل زاويةٍ وعلى كل درب. الوطن شعبٌ عريق، وحضارةٌ شامخة، ومؤسساتٌ تُحرك البناء، وانتصاراتٌ سُجِّلت بدماء أبطال، وعباقرةٌ صنعوا مجدهم، وعلماءٌ ومخترعون ومبدعون وقفوا على أعتاب المعرفة وأبهروا العقول، ومحاربون صنعوا المجد. الوطن يسكن فينا كما نسكنه.
أيها الناس، من يختزل هذا الكلّ الخالد الساحر إلى “حفنة تراب” فقد ارتكب عصيانًا وطنيًا وحرّف مفهومًا عظيمًا. وقد عبّر سيد الزهاد إبراهيم بن أدهم (رحمه الله) عن قيمة وطنه بقوله: “ما لقيت فيما تركت من بعدي أشدّ من فراق وطني”.
أيها السادة، هذه الرسالة لمن قست قلوبهم على وطنهم. أليس في القرآن والسنة آيات وأحاديث تؤكد على أهمية الوطن؟ ألم يؤكد القرآن على قيمة الوطن في عشرات الآيات؟ ألم يربط الله تعالى بين الخروج من الوطن والانتحار حين قال: {وَلَوْ أَنَّا كَلِمْنَاهُمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوْ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ}؟ ألم يجعل الله تعالى الخروج من الوطن عقوبة لمن عصاه حين قال: {وَلَوْلاَ أَمْرَهُمْ اللَّهُ بِالْهَجْرِ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا}.
أيها الناس، هل تدركون أن الوطن ليس جمادًا بلا مشاعر، بل هو كائن حيّ يتنفس؟ ألم يخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعثته استقبله حجر؟ ألم يحن إليه جذع الشجرة وبكى شوقًا حتى وقع بين يديه المباركتين؟ ألم تطفو الحصى في كفه المباركة؟ ألم تشتكي إليه الحيوانات؟ كل هذا يدل على أن الكائنات الحية واعية تشعر.
يا عباد الله، تأملوا! الوطن يحزن ويفرح، يرضى ويغضب. إنه قيم وأخلاق، عادات وتقاليد، ولاء وانتماء، إخلاص ووفاء، حضارة وثقافة، وجمال يأسر القلب. إنه حنين إلى الماضي، حنين إلى القبور، وإحساس يسكن كل ذرة فيه. تأملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم عن جبل أحد: “أحد جبل يحبنا ونحبه”. فكيف بوطن بأكمله؟
أيها الأحباب، ضرب لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حب الوطن. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفر فنظر إلى أسوار المدينة، أنزل راحلته، وإذا ركب دابة حركها حبًا لها”. وعلق الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله على هذا الحديث في فتح الباري قائلاً: “هذا الحديث يدل على جواز حب الوطن والشوق إليه”. وعبّر الإمام ابن الجوزي رحمه الله عن هذا الحب الفطري بقوله: “كان العرب إذا سافروا، يحملون معهم من تراب بلادهم ما يداوون به مرضهم”.
أيها النبلاء… احترموا وطنكم، فالوطنية ليست شعاراتٍ عابرة، بل هي عملٌ جادٌّ وإتقانٌ في كلِّ موقع. الموظف الأمين، والعامل الماهر، والطالب المجتهد، والمعلم المخلص، والطبيب الدقيق، والتاجر الأمين، كلُّهم يبنون وطنهم بإخلاصهم، وبالحفاظ على هويته الثقافية والدينية، ولغته السامية والإبداعية، ومؤسساته العامة.
ولتظل بركات مصر معنا محفوظة، محمية، منتصرة، ببركة الدعوات الصالحة من أهل الجنة الكرام.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
أيها الناس، إن حب الوطن يتجلى في أفعالنا، وفي حرصنا على كل ما يخص هذا الوطن. وأولى هذه المظاهر وأكثرها وضوحًا حماية الممتلكات العامة التي نملكها جميعًا. ومن الأمثلة على ذلك حماية وسائل النقل العام، بما فيها القطارات، فهي شريان الحياة الذي يربط أجزاء الوطن. فهل يُعقل رميها بالحجارة؟ وكيف يُعقل إتلاف قطار والعبث بمرافقه التي يستفيد منها الركاب؟ وهل يُعقل إيذاء إنسان أو التسبب في وفاته؟ إن من يفعل ذلك لا يدرك أنه يعيق تقدم وطنه، ويؤخر مسيرة التنمية، ويؤثر سلبًا على آلاف المواطنين الذين يعتمدون على هذه الوسيلة الحيوية من وسائل النقل.