منزل الطفولة الذي هدمته الأيام.. انهيار عقار نور الشريف يعيد حكاية الاسم والحرمان في قلب السيدة زينب

في مشهد مؤلم، اهتز حي السيدة زينب التاريخي، الأربعاء، بانهيار مبنى سكني قديم، ما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة خمسة آخرين. لكن هذا المبنى كان مختلفًا عن أي منزل تاريخي آخر في القاهرة. عرفه سكان الحي بأنه “بيت طفولة الفنان نور الشريف”، أيقونة الفن المصري والعربي. أعادت المأساة إلى الأذهان ذكرى شاب عاش بين جدرانها، وبدايات أحلامه، وتفاصيل معاناته الإنسانية.
كان المبنى المنهار، الذي شُيّد عام ١٩٥١، يتألف من طابق أرضي وأربعة طوابق علوية. ومع مرور الوقت، أصبح شاهدًا صامتًا على طفولة محمد جابر، الذي عُرف لاحقًا باسم “نور الشريف”.
لم يكن هذا الاسم مجرد مجد فني، بل كان قصة حقيقية كانت جزءًا من طفولته، مليئة بالأسئلة والحرمان، وفي الوقت نفسه، الدفء الشعبي.
“لا تسألني عن والدي، فأنا لا أعرف عنه شيئًا.”
في كتاب سيد الرني “قصة نور الشريف: بين الحرمان والحب والسينما والسياسة والمؤامرات”، يروي نور الشريف نفسه فصولًا من طفولته في حي الخليفة المجاور، قائلًا: “وُلدتُ في 28 أبريل 1946. لا تسألوني عن والدي، فأنا لا أعرف عنه سوى اسمه جابر محمد. شاء القدر أن يرحل عن هذه الحياة مبكرًا”.
نشأ نور مع عمه إسماعيل، الذي كان يناديه “نور” – وهو اسم اختاره له جده. يصف نور عائلته بأنها مثالٌ للتضحية والفروسية، رغم الفقر والظروف القاسية. لكن طفولته البريئة تعرضت لصدمتها الأولى حين التحق بالمدرسة الابتدائية وسمع اسمه الحقيقي للمرة الأولى: محمد جابر.
الدرس الأول في الحياة هو الطابور في المدرسة.
تتذكر نور الشريف لحظة اكتشافها بمرارة: “نادى المعلم اسم محمد جابر، ولم أُجبه لأني كنت أعرف أني نور إسماعيل. عندما واجهني المعلم، بكيت… وشعرت بصدمة وجودية: من أنا؟ ولماذا لم يخبرني أحد باسمي الحقيقي؟”
هزت هذه اللحظة الصغير، فسأل نفسه كل الأسئلة التي يطرحها الكبار على أنفسهم دفعة واحدة: أين أبي؟ لماذا لا أعيش مع أمي؟ لماذا أُدرج اسمي محمدًا في الجريدة ونورًا في البيت؟
عناق العمة… ووجه الحقيقة
عندما عاد إلى المنزل، احتضنته عمته وأخبرته بالحقيقة كاملة: لقد توفي والده عندما كان لا يزال طفلاً صغيراً، وقرر عمه إسماعيل تربيته مع أخته، وضحى بحياته من أجل ذلك.
وقال: “قالت لي عمتي إن جدي اختار لي اسم نور، وأنه لا حرج في أن يكون للإنسان اسم رسمي وشعبي، وأن إسماعيل كما هو هو والدي لأنه لم يدخر لي شيئا”.
لم تكن هذه القصة مجرد تربية عائلية، بل كانت الدرس الأول في الحب والتضحية والهوية والغياب، وهي قيم استعادها نور الشريف مراراً وتكراراً طوال مسيرته الفنية.
انهيار المكان وبقاء الذاكرة
ورغم أن انهيار المبنى كان مأساة إنسانية، فإنه ألقى الضوء أيضاً على الجانب الإنساني غير المعروف للفنان المتوفى.
في هذا المنزل، الذي أصبح الآن كومة أنقاض، كان صوت طفل يُسمع لعقود. كان الجميع يُناديه “نور”، بينما سُجِّل في سجلات مدرسته باسم “محمد جابر”.
حتى اليوم، ورغم أن المبنى لم يعد موجودًا، إلا أن ذكراه لا تزال باقية. لا تزال القصة حية في قلوب مُحبي نور الشريف، ليس فقط كنجم سينمائي، بل أيضًا كابنٍ لطبقة عاملة في القاهرة، حوّل الألم والحرمان إلى منصةٍ للشهرة.