هل تنقذ حرب إيران حكومة نتنياهو أم تعجّل بسقوطها ومتى ينتهي القتال؟

تُهدد التوترات العسكرية غير المسبوقة بين إسرائيل وإيران استقرار البلاد. ويُهدد تبادل إطلاق النار على مدن استراتيجية مهمة كطهران وتل أبيب المنطقة. ورغم الدعوات الدولية للتهدئة واستعداد بعض الدول للوساطة، لا توجد أي بوادر على انتهاء الحرب التي تدخل يومها الخامس، لا سيما مع تمسك الطرفين بمواقفهما وتصاعد حدة المواجهات.
في وقتٍ كانت إسرائيل تعاني فيه من أزمات داخلية هددت بتمزيق الائتلاف الحاكم، أثار قرار الحرب تساؤلاتٍ حول مصير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: هل ستُنقذ الحرب حكومته أم تُعجّل بسقوطه؟ هل كان قرار التصعيد مدفوعًا بمخاوف أمنية أم كان محاولةً للهروب من أزماته الداخلية؟
يقول الكاتب والباحث في الشؤون الإسرائيلية الدكتور خالد سعيد إن الصراع المستمر بين إسرائيل وإيران سيكون له تأثير على الشؤون الداخلية لإسرائيل، وبالطبع على تماسك الائتلاف الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي يعاني بالفعل من أزمات داخلية منذ حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي تتم الدعوة إلى إسقاطه.
وفي حديثه لموقع ايجي برس، صرّح سعيد بأنه على الرغم من التأثير المتوقع للحرب مع إيران على الحكومة الإسرائيلية، إلا أن هذه التأثيرات “غير واضحة في الوقت الحالي”. وأكد أن توحيد الجبهة الداخلية الإسرائيلية حول أهداف مشتركة، مثل هزيمة إيران، وتفكيك قاعدتها الصاروخية، وتدمير برنامجها النووي، يعزز تماسك الحكومة خلال هذه الفترة.
ويشير إلى أن هذا يمثل تحولاً في الأولويات، حيث تم دفع قضية إسقاط حكومة نتنياهو وحتى الحرب المستمرة منذ ما يقرب من 20 شهراً في قطاع غزة إلى الخلفية لصالح القتال ضد إيران، التي وجهت ضربات مؤلمة لإسرائيل، وأسفرت عن مقتل وجرح العشرات في عدة مدن، بما في ذلك حيفا وتل أبيب.
يشير سعيد إلى أن هذا التحول في الأولويات مدعوم بتأجيل محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي كان سيُضطر للإدلاء بشهادته في قضايا الفساد المرفوعة ضده. كما تم تعليق مسألة التجنيد العسكري لليهود المتشددين (الحريديم)، والتي كانت ستهدد استقرار الحكومة لو أقرّ الكنيست مشروع القانون.
عندما سُئل عما إذا كانت إسرائيل قادرة على تحقيق هدفها بتدمير البرنامج النووي لطهران، أجاب سعيد: “لا يُمكن قول ذلك في الوقت الحالي”، خاصةً في ظل استمرار مقاومة إيران وضرباتها الموجعة للاحتلال. علاوة على ذلك، تنتشر المنشآت النووية الإيرانية على نطاق واسع وتقع على الأراضي الإيرانية.
يقول الدكتور صلاح العواودة، الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، إنه من السابق لأوانه الحديث عن تأثير الحرب مع إيران على تماسك الحكومة الإسرائيلية أو الوضع السياسي الداخلي. ومع ذلك، يُشير إلى أنه إذا استمرت الحرب لعدة أشهر وبدأ الرأي العام الإسرائيلي يشعر بأن القرار خاطئ، فستتبع ذلك موجة من الاتهامات الداخلية.
في حديثٍ مع ايجي برس، صرّح العواودة بأنه إذا نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تحقيق أهدافه في الحرب مع إيران، فسيكون فوزه في الانتخابات المقبلة مضمونًا. وأضاف الخبير الإسرائيلي أنه لا يعتقد أن إسرائيل ستحقق هدفها المعلن بتدمير البرنامج النووي الإيراني، حتى لو شاركت الولايات المتحدة مباشرةً في الحرب.
وفي هذا السياق، يوضح الدكتور علي العور، أستاذ حل النزاعات الإقليمية والدولية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتخذ قرار شن الحرب على إيران في وقت كانت حكومته تمر بأزمة خطيرة وكان شبح الحرب الأهلية يلوح في إسرائيل.
في حديثه مع ايجي برس، أضاف العور أنه بالإضافة إلى حرب غزة التي يخوضها جيش الاحتلال دون جدوى منذ قرابة عشرين شهرًا، كان نتنياهو يبحث عن ذريعة أخرى لإنقاذ حكومته من الانهيار وحل الكنيست. وقد أقنع المسؤولين الحكوميين بأن امتلاك إيران لسلاح نووي سيهدد أمن إسرائيل، وأنه يجب منع ذلك. لذلك، كان قرار خوض الحرب خطوة “سياسية” بامتياز، وفقًا لأستاذ حل النزاعات الإقليمية والدولية.
فيما يتعلق بمصير حكومة نتنياهو، يرى العور أنه مهما طالت الحرب مع إيران ومهما حققت إسرائيل من انتصارات، سيختفي نتنياهو من المشهد السياسي. ويعود ذلك إلى حجم الدمار الذي ألحقته طهران بدولة الاحتلال، من قتلى وجرحى وأضرار في المنازل والمنشآت النفطية، كتلك الموجودة في حيفا.
يعتقد العور أن الحرب بين إسرائيل وإيران ستُغيّر الوضع في الشرق الأوسط، وتُثبت وجود دول في المنطقة قادرة على إلحاق الأذى بإسرائيل. كما أنها ستُشوّه مستقبل القضية الفلسطينية. ويعتقد أيضًا أن الضرر الذي يلحق بإسرائيل ومواطنيها، بالإضافة إلى استمرار الضربات العسكرية المتبادلة، سيُجبر تل أبيب على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لإنهاء القتال.
متى ستنتهي الحرب؟
يستمر القتال بين إسرائيل وإيران منذ خمسة أيام، ولا نهاية تلوح في الأفق. هذا رغم إعلان طهران أنها لا تسعى للحرب، وأنها مستعدة لإنهائها إذا اتخذت تل أبيب الخطوة الأولى، ورغم استعداد دول مثل تركيا وروسيا للتوسط بين الجانبين وحل الأزمة.
يعتقد علي الأعور، أستاذ حل النزاعات الإقليمية والدولية، أن نهاية الحرب مرهونة بقرار البيت الأبيض. لقد أدرك الإسرائيليون أنهم لا يستطيعون تدمير إيران بدون الولايات المتحدة، ولا يستطيعون تحقيق أهدافهم الحربية، رغم الدمار الهائل الذي أحدثته الضربات العسكرية الإسرائيلية في مناطق مختلفة من إيران، بما في ذلك العاصمة طهران.
جاء تصريح العور متوافقًا مع تصريح دانيال ليفي، رئيس المشروع الأمريكي للشرق الأوسط والمستشار السابق للحكومة الإسرائيلية، لشبكة CNN. وقال إن الولايات المتحدة “وحدها” قادرة على وضع حدٍّ نهائيٍّ لهذا الأمر في المستقبل القريب من خلال تحديد النتائج والاستنتاجات.
يعتقد العور أن الحرب لن تطول، بالنظر إلى الدمار الهائل والخسائر البشرية الهائلة من كلا الجانبين. ويتوقع أن تتجنب الولايات المتحدة التدخل المباشر في الحرب، وهو ما لا يتعارض مع دعم واشنطن لتل أبيب. ومع ذلك، سيدعو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الطرفين إلى طاولة المفاوضات، وهو الحل الوحيد لإنهاء الحرب الدائرة.
يشتبه الباحث السياسي الإسرائيلي صلاح العواودة في أن للحرب هدفًا غير معلن: محاولة الإطاحة بالنظام الإيراني. إلا أن هذا يتناقض مع حقيقة أخرى. فإيران دولة قائمة ذات نظام مغلق وصبر يكاد يكون استفزازيًا. وهي قادرة على خوض صراعات طويلة الأمد، على غرار حماس في قطاع غزة.
يشير العواودة إلى أن إيران تحسب تحركاتها بدقة، وليست مستعدة للهزيمة، مما يجعلها خصمًا لا يُقهر. ومع هذا التصعيد، تبدو المعركة اختبارًا مصيريًا لإيران وإسرائيل والمنطقة بأسرها، إذ لا تختبر أسلحة إيران فحسب، بل أيضًا صمودها، وفقًا لخبير العلوم السياسية الإسرائيلي.
في سياق مماثل، يُجادل الكاتب والباحث في الشؤون الإسرائيلية، خالد سعيد، باستحالة تحديد موعد نهائي للحرب. ويشير إلى أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان صرّح بأن بلاده مستعدة لإنهاء الحرب إذا بادرت إسرائيل.
أكد سعيد أن إسرائيل لن تُنهي حربها على إيران حتى تُحقق الأهداف التي أعلنتها في بداية القتال. لكن هذا لا يعني ضعف إيران، إذ استخدمت طهران أكثر من 370 صاروخًا باليستيًا ومئات الطائرات المُسيّرة خلال الهجمات، بعضها سقط على الأراضي الإسرائيلية وحقق أهدافه.