بعد 4 أيام.. من صاحب الكفة الراجحة بين إيران وإسرائيل؟

تدخل المواجهات المباشرة غير المسبوقة بين إيران وإسرائيل يومها الرابع. وقد أدرك الطرفان سيناريو كان يُحذَّر منه منذ بداية حرب غزة. ففي إيران، نجحت إسرائيل في الإطاحة بقادة الخطوط الأمامية ومباغتهم في اجتماع سري، مما يعكس تفوقها الاستخباراتي. بدورها، تجاوزت إيران ترددها السابق في شن هجمات مباشرة على قلب الدولة اليهودية بترسانتها الصاروخية. ومع ذلك، يبقى السؤال: من يملك اليد العليا في هذه المواجهات حتى الآن؟
من له اليد العليا؟
قد يظن البعض أن إسرائيل ستنتصر بفضل تفوقها العسكري غير المسبوق، لكن الوقائع على الأرض تُشير إلى تفسيرات أخرى. أوضح الدكتور هاني سليمان، المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإيرانية، لموقع ايجي برس أن إسرائيل امتلكت تفوقًا عدديًا لأنها استغلت عنصر المفاجأة، وربما انتصرت في المعركة ضد إيران بـ”ضربة قاضية” مبكرة. وقد تمثّل هذا في عنصر المفاجأة، الذي تجلّى من خلال هجمات على منشآت نووية داخل حدود معينة، وعلى عدد من القادة الإيرانيين.
لم يقتصر عنصر المفاجأة الإسرائيلي لإيران على الضربة الاستباقية، بل شمل قدراتها الحيوية والعسكرية، كالهجوم المُستهدف على بعض العلماء النوويين الذين أشرفوا على البرنامج النووي الإيراني. وقال سليمان إن هذه الصدمة كانت ذات أثر نفسي بالغ، مؤكدةً مدى الاختراق الاستخباراتي والأمني والعسكري الذي تعرض له النظام الإيراني، وكشفت عن هشاشة مؤسساته.
وأضاف سليمان أنه في المقابل، هناك جهود إيرانية للسيطرة على الوضع من خلال العمل على تحقيق نوع من “توازن الضرر المتبادل”. وفي هذا السياق، نفذت إيران عمليات عديدة حققت بعض النجاح، ما بعث برسالة ردع غير مسبوقة في ظل المواجهة المستمرة بين الجانبين.
لذلك، يجادل سليمان بأن إسرائيل حققت تفوقًا كميًا ونظريًا. وفي الوقت نفسه، يُشير إلى أنه لا يمكن قياس المعادلة بهذه المعايير وحدها، فرغم أن إسرائيل تكبدت خسائر أقل عدديًا، إلا أن صغر موقعها الجغرافي ومحدودية مساحتها يجعلانها عاجزة عن استيعاب خسائر غير مسبوقة، حتى وإن كانت صغيرة.
وأوضح سليمان أن المشكلة تكمن في أن تكثيف الهجمات الإسرائيلية على إيران أو التدخل الأمريكي المباشر سيؤدي إلى أزمة خطيرة ستقوض قدرة النظام الإيراني على التصرف. وأكد أن حل المشكلة يعتمد على قدرة إيران:
تحمل الهجمات الإسرائيلية.
تكثيف الاستهداف وتنويع الوجهات، بما في ذلك المرافق الرئيسية مثل مركز ماسال وغيرها.
قال الرئيس إن القدرة على إلحاق الخسائر والموت بالإسرائيليين ستمكّن إيران من مواصلة المواجهة. إن القدرة على تعزيز ترسانتها الصاروخية والعسكرية في مواجهة الدعم الأمريكي العلني لإسرائيل أمرٌ بالغ الأهمية لتحقيق هذا التحول.
أكد سليمان أن المنطقة تواجه مشهدًا متغيرًا ومتطورًا لا يمكن حسمه لصالح طرف واحد. وقال إنه رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها إيران، فإن عنصر الاستمرارية والقدرة على الرد قد يُغير الوضع تبعًا للتطورات. وهناك احتمال أن يُغير التدخل الأمريكي المشهد بأكمله.
قال الخبير في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمد عبادي، لموقع ايجي برس إن المشكلة الرئيسية هنا تكمن في محدودية قوتها وقدراتها. وقد غلبت هذه القدرات حتى الآن على إسرائيل، التي تمتلك منظومة دفاعية متطورة، وطائرات مسيرة، وشبكة استخبارات مفتوحة مكّنتها من اختراق إيران. ولذلك، تُلحق إسرائيل ضررًا بإيران يفوق قدرة القوى الكبرى.
في الوقت نفسه، صرّح العبادي بأن هذا لا يمنع إيران من الرد المناسب، حتى لو لم يُلحق ضررًا كافيًا بإسرائيل. إلا أن الهجوم استهدف بنى تحتية عسكرية رسمية، مثل وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة، ومجمعات صناعية عسكرية، ومراكز أبحاث مرتبطة بالبرنامج النووي، ومنشآت طاقة في حيفا. لذا، يُعدّ ردًا مناسبًا، ولكنه يبقى ضمن “حدود القوة والقدرة”.
أشار عبادي إلى أن برامج إيران النووية والصاروخية، بالإضافة إلى أكثر من 20 جنرالًا من قادة النظام الإيراني ونخبته، قد تضررت بشدة. هذا يعني أن نقاط القوة، أو بالأحرى نقاط الربح والخسارة، كانت حتى الآن في صف إسرائيل.
يرى الخبير الاستراتيجي بسام شكري، الذي تحدث حصريًا مع ايجي برس، أنه بالنظر إلى الخسائر التي تكبدها كلا الجانبين، لا يوجد رابح في الحرب الدائرة حتى الآن. ويضيف أن الحكومة الأمريكية متورطة بشكل مباشر في هذه الحرب، مدفوعةً برغبتها في كسر شوكة إيران لاستغلال ذلك في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، الذي لن تعود إليه إيران في حالة الحرب.
في الوقت نفسه، يعتقد شكري أن إيران تتبع استراتيجيتها الخاصة في الحرب الدائرة. ففي اليومين الأولين، استخدمت طهران أسلحتها القديمة، ثم فاجأت إسرائيل في منتصف اليوم الثالث بنشر صواريخ استراتيجية بعيدة المدى تفوق سرعة الصوت.
ماذا حققت إيران؟
هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها العالم مواجهةً مباشرة بين إسرائيل وطهران، دون إطلاق رصاصة واحدة. وهذا يُضيف زخمًا إضافيًا إلى الاشتباكات الأخيرة بين إسرائيل وطهران، لا سيما أن طهران نجحت في إيقاع خسائر بشرية، بالإضافة إلى هجمات مباشرة على مبانٍ في عدة مدن رئيسية. ولكن، هل تُعتبر هذه الهجمات الإيرانية خطيرة؟ وهل الأهداف التي استهدفتها إيران استراتيجية حقًا؟
في هذا السياق، أكد سليمان أن الهجمات الإيرانية الأخيرة، رغم ضراوتها، لا تُعتبر “انتصارًا”، بل وجهت ضربات موجعة لإسرائيل، كما تُظهر الأرقام: أكثر من 14 قتيلًا، وأكثر من 350 جريحًا، و18 مفقودًا، وأكثر من 105 مبانٍ مُدمرة بالكامل. وأكد أن الهجمات الإيرانية كانت واسعة النطاق، وشملت مدنًا ومناطق عديدة، ولم تقتصر على منطقة محددة.
عند سؤاله عما إذا كانت إيران قد نجحت في تقويض كبرياء إسرائيل من خلال الهجمات الأخيرة، أجاب سليمان بأن طهران نجحت إلى حد كبير في تصدير التوترات داخل إسرائيل، بل وخلق نوع من الحركة الاجتماعية المناهضة لإسرائيل. ويقول إن أولى علامات الاستياء بدأت تظهر في الشارع الإسرائيلي نتيجة الخسائر. وإذا استمر هذا الوضع، فسيكون في صالح إيران.
أوضح سليمان أن الخوف الذي أثارته إيران في إسرائيل يعود إلى قدرتها المُثبتة على مهاجمة تل أبيب واللد ومدن رئيسية أخرى، بالإضافة إلى حيفا والجليل وبات يام ومناطق أخرى عديدة. وأشار إلى أن حجم الأضرار والهجمات متفاوت ومتنوع، وهو ما يُمثل مصدر قلق كبير لإسرائيل.
السيناريوهات المحتملة
رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدها كلا الطرفين في الصراع حتى الآن، لا تزال سيناريوهات الحرب القادمة مفتوحة. ويرى العبادي سيناريوهين محتملين بنفس القدر:
أولاً، سيتم تدمير البرنامج النووي بالكامل، يليه برنامج الصواريخ. عندها، سيُعرض على إيران عرضٌ: اتفاقٌ تفاوضي، يليه اتفاقٌ نووي. حينها، ستتراجع إيران سنواتٍ إلى الوراء، بعد أن فقدت برنامجين – آخر أصولها. ونظرًا للضغط الشديد – الخوف من التدخل الأمريكي في هذه الحرب والخوف من مزيدٍ من التخريب الإسرائيلي للقدرات الإيرانية، مما سيُغرق الشعب الإيراني في الفوضى وانقلابٍ على النظام – يُمكن توقيع الاتفاقيات.
ثانيًا، يجب أن تتحلى إيران بالصبر والقدرة على الرد بقوة مماثلة، مما يُلحق خسائر فادحة بإسرائيل. عندها، يستطيع نتنياهو جرّ ترامب إلى الحرب، وسيستمر تدمير قدراته حتى إسقاط النظام الإيراني.
ويرى الدكتور سليمان أن السيناريوهات القادمة ستنحصر في ثلاثة سيناريوهات:
أولاً، ستستمر الحرب والمواجهات لفترة أطول. وهذا يعتمد على أي طرف يتمتع بصبر أكبر وقدرات عسكرية أكبر، وأي طرف يستسلم مبكراً. وهذا يعتمد على القدرات العسكرية وتدخل الأطراف الخارجية.
ثانيًا، التدخل الأمريكي، حيث تتدخل واشنطن وتصبح عنصرًا أساسيًا في المعادلة. قد يحدث هذا إذا هاجمت طهران قواعد أمريكية في المنطقة. سيؤدي ذلك إلى اختلال التوازن تمامًا، ويحول الهدف من مجرد مهاجمة المنشآت الحيوية وتقويض القدرات العسكرية الإيرانية لإجبارها على الموافقة على الاتفاق النووي، إلى إسقاط النظام الإيراني نفسه.
السيناريو الثالث يتوخى خفض التصعيد عبر الوساطة، ويدعو الأطراف الإقليمية والدولية، بما فيها الدول الأوروبية وروسيا، إلى تهدئة الوضع. وقد تجلى ذلك في تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي أعلن أن إيران ستوقف عملياتها حالما توقف إسرائيل هجماتها وعدوانها. وأكد سليمان في هذا السياق أن هذا الأمر مرتبط بقدرة طهران على إلحاق خسائر فادحة بإسرائيل حتى تُجبر على الجلوس على طاولة المفاوضات.