المفتي يوضح حكم وقوف النائم والمغمى عليه بعرفة

تقدم سائل بسؤال إلى لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية: ما حكم الوقوف بعرفة نائمًا أو فاقدًا للوعي؟ سمعتُ أنه لا بد من يقظة الحاج أثناء الحج حتى يصحّ النسك. فهل هذا صحيح، فلا يصحّ الوقوف بعرفة لمن كان نائمًا أو فاقدًا للوعي بعد الإحرام؟
أجاب سماحة الدكتور نذير عياد مفتي الجمهورية على هذا السؤال ووضح الرأي الشرعي في هذه المسألة.
صرّح سماحة المفتي بأنّ الوقوف بعرفة هو أهمّ أركان الحج، ويتحقق بوقوف الحاج في أيّ مكان من عرفات في الوقت المحدّد، يقظًا كان أم نائمًا أم غائبًا، ولا يُلزمه فدية ولا نحوها.
وأضاف عياد في فتوى صدرت عبر بوابة دار الإفتاء المصرية: “آراء الفقهاء في الحكم على حال النائم أو المغمى عليه في عرفات”.
“الوقوف على جبل عرفات يكون بحضور الحاج في أي مكان من جبل عرفات، وهو واجب باتفاق العلماء، كما في “المجموع” للإمام النووي (8/105، ط دار الفكر).”
ودليل ذلك ما ثبت في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (عرفة كلها موقف) رواه مسلم.
أوضح المفتي أن الحج يصح بالحضور يوم عرفة. ونقلاً عن عروة بن المدرس الطائي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد صلاتنا وقام معنا حتى نفر منا، وقد وقف بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى حجته». رواه الترمذي في السنن، وقال: «حديث حسن صحيح».
هذا ينطبق على من كان واعيًا. أما من كان فاقد الوعي، كالنائم أو المغمى عليه، فقد اختلف العلماء في كفايته. فذهب الحنفية والحنابلة إلى أن أصل الوقوف للحاج متحققٌ في كل حال إذا كان بعرفة في الوقت المحدد، ولم يفرقوا بين الوعي والغيبوبة والنائم في عرفة. وعلى كل حال، فإن وقوفه صحيحٌ وكفى، إذ أدى القدر المشروط في مكانه.
قال الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في “بدائع الصنائع” (2/127): [وأما مقدار الوقوف الواجب فهو وجوده بعرفة في أي وقت من ذلك الوقت… سواء أكان عالماً أم لا، نائماً أم مستيقظاً، مدركاً أم غائباً، قائماً أم ماراً، ماشياً أم جالساً على دابة أم محمولاً؛ فإنه يكون قد أدى القدر الواجب وهو وجوده هناك]. انتهى.
قال الإمام علاء الدين المرداوي الحنبلي في “الإنصاف” (29-30 نيسان): [وكذلك لا يصح قيام السكران والمغمى عليه، وقيل: يصح] انتهى.
ذهب المالكية – وهو المشهور – إلى أنه يكفي أن يكون الحاج محرمًا قبل صعوده إلى عرفات، ثم ينام أو يغشى عليه بعد ظهيرة يوم عرفة، ويستمر الإغماء إلى غروب الشمس أو طلوع الفجر. وكذلك يكفي أن ينام أو يغشى عليه قبل الظهر، ويقف معه صاحبه في موضع الإحرام. فالإغماء لا ينقض الإحرام، وهو من أغراض الإحرام.
قال الإمام أبو عبد الله الحطاب المالكي في “مواهب الجليل” (3/95، ت: دار الفكر): [وإذا أغمي عليه قبل الزوال وقد أحرم بالحج وقد أقام معه أصحابه، فإنه عند ابن القاسم أجزأه. قال صاند: لأن الإغماء لا ينقض الإحرام، وهو داخل في نية الإحرام. وأشار بقوله: “قبل الزوال” إلى أنه لو كان الإغماء بعد الزوال لكان أجزأه، وهكذا. ويجب على أصحابه المبيت معه بعض الليل، فإن رحلوا معه قبل الغروب لم يجزئه عند مالك. قال في الطراز: وهو ظاهر، وهو مذهب مالك، وهو قول المدونة، وهو آخر الحديث المشهور.
فرق الشافعية، وهم الراجح، والحنابلة، وهم الأصح، بين النوم والإغماء. فمن وقف على عرفات نائمًا، صحّ قيامه وكفى، ولو استمرّ نائمًا إلى نهاية القيام. وأما من أغمي عليه، فلا يجزئه قيامه، ولو استمرّ إغماؤه عليه طوال القيام. فإن أفاق كفاه، وإلا فلا. فالمغمى عليه ليس من العابدين، والنائم من العابدين.
قال الخطيب الشربيني في “مغني المحتاج” (2/262، ط دار الكتب العلمية): [يشترط أن يكون محرمًا، فإن أحرم قيامًا كاملًا، لم يغمى عليه، بطل قيامه لعدم عبادته، ولذلك لو أغمي عليه طوال النهار بطل صومه، وإن أفاق لحظة كفى، كالصيام… (ولا بأس بالنوم)، وإن شغل الزمان كله، كالصيام]. انتهى.
قال الإمام محيي الدين النووي في المجموع (8/94): [إذا قام أو جلس أو مر بعرفة قائماً فقد حج… وإذا قام مغمياً عليه لم يحج، وإذا قام نائماً فقد حج؛ لأن المغمى عليه ليس من أهل العبادات، والنائم من أهل العبادات]. انتهى.
وقال أيضا في روضة الطالبين (3/95): [الراجح من أقوال الجمهور أنه لا يصح من أغمي عليه القيام] انتهى.
قال الإمام علاء الدين المرداوي الحنبلي في الإنصاف (29-30 أبريل): [من كان بعرفة في هذه المدة عاقلاً فقد تمام حجه، ومن فاته فقد فسد حجه]. ولا يصح قيام المريض وإن كان عاقلاً، ولا أعلم خلافاً في ذلك. وكذلك لا يصح قيام السكران أو المغمى عليه على الصحيح من المذهب. وقد صرح بذلك ووافقه عليه أكثر الصحابة، وثبت في “المغني” و”الشرح”.. ويدخل في كلام المؤلف، أعني في قوله: (والعاقل) من كان نائماً أو غافلاً، وهذا هو الصحيح من المذهب.. وأظهر أنها تصح في النوم لا في الغيبوبة.] انتهى.
قال العلامة ابن النجار الحنبلي في “منتهى الإرادة” (2/157، طبعة مؤسسة الرسالة): “ومن وقف في عرفة لحظة وهو مستحق للحج، ولو ماراً أو نائماً أو جاهلاً أنها عرفة، صح حجه”. انتهى.
الفتوى المختارة في إحياء النائم أو الغائب عن الوعي، حسب العادة. وقد أكد سماحة المفتي أن الفتوى المختارة موافقة للمذهب السائد لدى الحنفية والمالكية والحنابلة، وهي: أن إحياء النائم أو الغائب عن الوعي جائز وكفى ما دام محرمًا المدة المحددة، وذلك تيسيرًا للأمر ودفعًا للحرج. وأوضح الفقهاء والمنظرون أن المكلف له أن يتبع من أجازه من المجتهدين. وقد نص على ذلك عندهم في القاعدة الشرعية: (من أصابه ما اختلف فيه فعليه أن يتبع من أذن له) كما في “الفصول في الأصول” للإمام أبي بكر الجصاص (4/284، ط أوقاف الكويت)، و”شرح تنقيح الفصول” للإمام شهاب الدين القرافي (ص 432-433، ط المطبعة الفنية المتحدة)، و”حاشية الشرواني على تحفة المحتاج” (1/119، ط المكتبة التجارية).
اقرأ أيضاً:
هل يجوز أن يشترك شخصان في جزء من الأضحية؟ يقرر ذلك أمين الفتوى.
أفضل دعاء يوم عرفة.. أمين الفتوى: هذا الدعاء قرأه النبي ﷺ وردده الأنبياء (فيديو)