توثيق أم تشويش؟ عدسات الهواتف تهدد صفاء رحلة الحج

في عصر أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، حتى الرحلة الأكثر قدسية وروحانية – الحج – ليست بمنأى عن تأثيرها.
وأصبح من الشائع أن ينشر الحجاج صورا لأنفسهم أمام الكعبة، أو مقاطع فيديو للصلاة على جبل عرفات، أو مقاطع فيديو للوجبات في الفنادق، وقد أثارت جميعها تفاعلا كبيرا من متابعيهم.
ولكن هل هذا التوثيق وسيلة لنقل التجربة ونشر البركات؟ أم أنه يهدد خصوصية اللحظة وحرمة المكان؟
من “لبيك اللهم لبيك” إلى “مباشر من الكعبة”: مع بدء مناسك الحج، تمتلئ منصات التواصل الاجتماعي بالصور والفيديوهات من قلب المسجد الحرام. بعضها يصور الطواف، والبعض الآخر يبث لقطات مباشرة من عرفات أو مزدلفة.
تحدثت الشروق مع عدد من الحجاج المصريين، وتباينت آراؤهم حول هذا التوجه. رأى البعض أن توثيق هذه اللحظات نابع من حبهم لمشاركة هذه التجربة النادرة مع أحبائهم وطلب دعائهم. بينما فضّل آخرون الاستغناء عن الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي خلال موسم الحج، إيمانًا منهم بأن السكينة الروحية تتطلب التركيز والخلوة مع الله.
وأكدت مجموعة ثالثة أنها ترسل فقط عدد قليل من الصور لأطفالها ولكنها لا تنشرها علناً لحماية خصوصية وقدسية الرحلة.
من جهة أخرى، أبدى بعض الحجاج غضبهم من استخدام هواتف الآخرين بشكل مستمر، وحتى تصويرهم دون تصريح، داخل الحرم المكي، وهو ما اعتبروه انتهاكاً للخصوصية.
الرأي الديني: الإخلاص أولاً
وعلق الشيخ رزق رجب عبد الموجود عبد الحافظ، إمام وخطيب وزارة الأوقاف المصرية وأحد خطباء الوزارة المرافقين لمهمة جمعيات الحج، على هذه الظاهرة قائلاً إن إخفاء العبادة أقرب إلى القبول عند الله.
وأوضح: “قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكر فيه السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، فعلى الحاج أن يخفي صلاته، ولا يشغل نفسه بالتصوير أو التوثيق، بل يستمتع باللحظة مع الله في هذا المقام الرفيع”.
وأضاف الشيخ رزق: “النية الصادقة أساس القبول. يقول الله تعالى: ﴿واعبدوا الله وأخلصوا له الدين﴾. التقاط الصور ونشر التفاصيل على مواقع التواصل الاجتماعي قد يفتح باب النفاق ويصرف الأنظار عن الهدف الحقيقي من الرحلة”.
روحانية اللحظة: لا توثق
الحج هو رحلة العمر التي يقوم بها الإنسان مرات قليلة فقط في حياته.
في عالم مليء بالتفاعلات والإشعارات، تظل اللحظات الأكثر قدسية هي تلك التي لا نراها من خلال عدسة الهاتف، بل نشهدها من خلال دموع التبجيل.
ربما يكون توثيق الرحلة أمرًا جميلًا، لكن تجربتها بصدق وروحانية أعمق وأكثر ديمومة.