من جمال عبدالناصر إلى عبدالفتاح السيسي.. مواقف جمعت سميحة أيوب برؤساء مصر

منذ 2 أيام
من جمال عبدالناصر إلى عبدالفتاح السيسي.. مواقف جمعت سميحة أيوب برؤساء مصر

توفيت الفنانة المخضرمة سميحة أيوب صباح اليوم في منزلها بالزمالك عن عمر ناهز 93 عامًا. استذكرت أيوب مسيرة فنية حافلة بالأحداث والفعاليات، كرست معظمها للمسرح، فاستحقت عن جدارة لقب “سيدة المسرح العربي”.

على مدار مسيرتها الفنية التي امتدت لأكثر من سبعين عامًا، نالت محبة الجماهير من مختلف الأجيال، والتقت برؤساء مصر، من جمال عبد الناصر إلى عبد الفتاح السيسي. وعكست تفاعلاتها مشاعر الحب والإعجاب والتقدير الرسمي.

* عبد الناصر… تكريم في يوم العلم

قالت سميحة أيوب في مذكراتها المنشورة في كتاب لأيمن الحكيم بعنوان “سميحة أيوب أسطورة المسرح العربي”: “أقول إن عبد الناصر كان القائد الذي أدرك قيمة الفنان المصري والفن المصري والإبداع المصري على أفضل وجه، وعرف كيف يوظفهما ويجعلهما رأس حربة في نضالاتنا الوطنية والقومية، بل كان للفن المصري دور مؤثر وفعال”.

وتابعت: “على سبيل المثال، أتذكر زمن العدوان الثلاثي. كنا نعرض مسرحية توفيق الحكيم “إيزيس”، لكن قائد الفرقة، أحمد حمروش، قرر إشراك المسرح في المعركة. وسرعان ما أُنتجت مسرحيات وطنية لتُعرض في هذه الأجواء، وتقرر فتح المسرح للجمهور مجانًا. ولأن الليل كان مظلمًا في القاهرة بسبب الغارات الجوية، فتح المسرح أبوابه بين الساعة الثانية والخامسة ظهرًا. وكان للفن المصري بجميع أشكاله دور فعال في المعركة: الأغاني والأناشيد والمسرحيات والأفلام. وهذا ما رفع معنويات الشعب وعزز صموده في القتال”.

وتتابع ذكرياتها عن عهد عبد الناصر: “بعد النضال من أجل التأميم والعدوان الثلاثي، حقق عبد الناصر شعبية أسطورية. كان يتمتع بكاريزما شخصية وعظمة استثنائية جعلت مجرد لقائه بمثابة وسام في حد ذاته”.

وتابعت: “لذلك، كانت فرحتي غامرة عندما تلقيت إخطارًا من مكتب رئيس الجمهورية بأن اسمي كان من بين المكرمين في الحفل الكبير الذي أقيم في قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة، بحضور الرئيس عبد الناصر. وخلال هذا الحفل، مُنح عدد من العلماء والأدباء والفنانين وسام الجمهورية للعلوم والفنون تقديرًا لجهودهم وإنجازاتهم”.

وأضافت: “لم يكن شعوري عند تلقي الخبر السعيد سوى السكينة والنشوة والسعادة والحذر والهدوء والدهشة العميقة. في صباح الرابع عشر من ديسمبر عام ١٩٦٤، انقلبت حالتي إلى توتر وخوف وترقب لما ينتظرني. جاء دوري، ونُودي باسمي. صعدت إلى المنصة لأستلم الوسام من الرئيس. بعد لحظات، سلمت عليه، فسلمني إياه. لم ينطق إلا بكلمة واحدة، فاستقبلته بابتسامة كأنها “مبروك”. كان عبد الناصر، بقامته المهيبة ورؤيته العميقة وحضوره المتألق. غمرتني لحظات السعادة تلك واحتضنت الوسام بفخر. مع أن الأوسمة وقيمتها كانت لا قيمة لها عندي، إلا أن قيمتها المعنوية لا تُقدر بثمن. الشعور يزول ويزول، لكن قيمته الأدبية ثابتة وأبدية.”

السادات.. أحسنت يا سميحة

في فصل آخر من الكتاب، تقول أيوب: “في أغسطس 1975، عُيّنتُ مديرةً للمسرح القومي. كان قراري الأول أن أكون أول امرأة تتولى هذا المنصب، حتى لا يدّعي أحدٌ توليه. بالصدفة، كان الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان قادمًا إلى مصر في زيارة رسمية، وتلقيتُ دعوةً رسميةً لحضور عشاءٍ أقامه الرئيس السادات والسيدة جيهان للسيد ديستان وزوجته. بعد العشاء، جاءني أحدهم وأخبرني أن الرئيس السادات طلب مني أن أحييه مع سعد أرداش. قدّمني السادات بفخرٍ إلى ديستان وقال: “هذا نجم المسرح المصري الذي يلعب دورًا هامًا في توعية شعبنا”. ووعد بإرسال وزير ثقافته، ميشيل غي، لحضور العرض. وبالفعل، حضر، ودوّن رأيه في دفتر المسرح، ورتّب لنا قضاء الليلة في باريس”.

تابعت: “الحقيقة أن علاقتي بالسادات كانت جيدة؛ كان يُقدّرني ويُحبني كثيرًا. أتذكر أنه قال لي ذات مرة: “سميحة، أريد منك معروفًا”. قلت له: “في خدمتك”. قال: “أريدك أن تذهبي إلى الفنانة زينب صدقي وتشرحي لها أنني لم أُدرج اسمها في قائمة المعاشات التي كنت أنوي دفعها للفنانين الكبار لأنني قيل لي إنها توفيت ولم أكن أعرف بوجودها”. كان ذلك في أواخر حياتها. قالت له: “لا يا سيدي. معذرةً، هذا غير مقبول لديها. أقول لك إن الرئيس يُبلغك أنه اكتشف أن اسمك قد حُذف سهوًا”. ضحك الرئيس وقال لي: “أحسنتِ يا سميحة”، وأمر بإعادة اسمها فورًا، قائلًا: “أحسنتِ في إقناعك”.

*مبروك.. المدير يطلبك

وتابعت: “مرة أخرى، كانت مسرحية “مجنون ليلى” سبب أزمة استدعت تدخل الرئيس مبارك لحلها! وقد انتهت أعمال ترميم وتوسعة وتجديد المسرح القومي، وكان علينا اختيار عرض يليق بمناسبته لافتتاح هذا المسرح العريق. اخترتُ “مجنون ليلى” افتتاحًا، ليس فقط لأنها مسرحية ناجحة ومعبرة بفضل الورداني، بل أيضًا لموضوعها، فهي عمل مسرحي قومي، وبالتالي فهي مصرية وليست دينية. كما أنها من الأعمال الثمينة التي تُنصف تاريخ وعصر “المسرح القومي”. إلا أن الأستاذ كرم مطاوع أصر على اختيار مسرحية “إيزيس”، من تأليف وإخراج توفيق الحكيم، افتتاحًا.

أشارت إلى أن “وزير الثقافة بدأ يُعبّر عن رأيه، وأنا أيضًا اقتنعت برأيي ودافعت عنه”. انتشر الخلاف علنًا. هاجمني كرم مطاوع في الصحف، مستخدمًا اسم توفيق الحكيم، واتهمني بالوقوف حائلًا أمام تكريم كاتبنا الكبير في سنه. كان غضبه صادقًا. والحقيقة أن علاقتي بتوفيق الحكيم كانت أوثق وأعمق، ولا تُنكر، فهو، كما كان يُخبرني دائمًا، يعتبرني ابنته الكبرى. كنتُ من أمثل معظم أعماله على المسرح – أهل الكهف، السلطان الحائر، الصفقة، عودة الشباب، هل أتزوج، المزمار، وغيرها. فوجئتُ بعنوان رئيسي في الصحف يقول: “الرئيس مبارك يدعو إلى إنهاء الخلاف بين سميحة أيوب وكرم مطاوع”. لم أتوقع أن يتدخل الرئيس لفضّ الخلاف. كان حبي وتقديري لتوفيق الحكيم أقوى أسباب استقالتي. كنت أعلم أن الرجل يمر بأوقات عصيبة، وإن أصابه مكروه، سيتهمونني بالتسبب في وفاته. “داعش!” قررتُ المبادرة، وزرتُ توفيق الحكيم في منزله لأبلغه أن مسرحيته ستعرض على المسرح القومي. استقبلنا توفيق الحكيم بفرح، واستعاد نشاطه، وقام من فراش المرض، واستعادت ذاكرته، وراح وجهه، بجماله البهي، يروي ذكرياته الوفيرة. وانتهت الأزمة بسلام.

تابعت: حضر الرئيس مبارك والسيدة سوزان حفل الافتتاح، ولأنني لست من النوع الذي يتنافس على صورة أو جائزة، ولا يُفترض بي أن أُصوّر أو أشجع أي مسؤول مهما كان منصبه، فبمجرد أن استقبلتُ الرئيس، وحييتُ الضيوف، وتأكدتُ من راحتهم، وبدأ العرض، صعدتُ إلى مكتبي في المسرح وجلستُ لأمارس عملي المعتاد. ثم تقدّم أحدهم وقال لي: “الرئيس يسأل عنكِ”. عندما انتهى العرض، لاحظ مبارك غيابي وسألني تلقائيًا: “سيدتي سميحة، أين مديركِ أم ماذا؟!”. نزلتُ إلى الطابق السفلي، وسلمتُ عليه، فهنأني قائلًا: “أوافق على المغادرة حتى أُلقي عليكِ التحية، وأشكركِ، وأهنئكِ”. أدق وصف يُمكنني وصفه لمبارك هو أنه رجل طيب.

سيسي… شكرا يا مصر العزيزة

خلال مشاركتها في عرض فني احتفالي بعيد الشرطة 2024، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي تحية مباشرة للفنانة الكبيرة سميحة أيوب، قائلاً: “أنا سعيد للغاية بالمشاركين في العرض واسمحوا لي أن أرحب.. بالفنانة الكبيرة سميحة أيوب”.

ردّت سميحة أيوب على الرئيس أمام الحضور بكلمات مؤثرة: “كلنا سعداء، وتمنيت رؤيتك شخصيًا، وقد استجاب الله لي. شكرًا لك يا سيادة الرئيس. شكرًا لك يا مصر العزيزة. شعبك يحبك يا سيادة الرئيس، ويشكرك على الأمن الذي نعيش فيه، ويشعر الشعب بكل النجاحات وكل شيء آخر. شكرًا لك يا سيادة الرئيس.”


شارك