في إحداها قُتل ثلاثة أرباع الحجاج .. أحداثٌ أوقفت مناسك الحج

بي بي سي
وضعت المملكة العربية السعودية شروطًا جديدة للحج هذا العام، بهدف تنظيم الوصول إلى مكة المكرمة والحد من الحوادث بين الحشود الضخمة التي تتوافد لأداء المناسك.
أودى الازدحام والحر الشديد بحياة أكثر من 1300 حاج العام الماضي. وأعلنت السعودية أن معظمهم لم يكن بحوزتهم تصاريح لأداء فريضة الحج، ما اضطرهم للسير لمسافات طويلة في الحر الشديد، حيث تجاوزت درجات الحرارة أحيانًا 50 درجة مئوية.
أعلنت السلطات السعودية عن قواعد جديدة لحج هذا العام على أمل السيطرة على الحشود، وتقليل الاختناقات المرورية، وتجنب الحوادث والأزمات.
تشمل هذه الشروط أيضًا كبار السن والنساء، وهم الأكثر عرضة للخطر أثناء أداء مناسك الحج. الحد الأدنى للعمر ١٨ عامًا، والحد الأقصى ٦٥ عامًا. يجب على من هم دون سن ١٨ عامًا أن يكونوا برفقة أحد الوالدين أو ولي أمر. كما تم تخفيض عدد كبار السن المسموح لهم هذا العام.
تشترط المملكة العربية السعودية على الحجاج الحصول على شهادة طبية تثبت لياقتهم البدنية والعقلية لأداء جميع مناسك الحج. يجب على النساء دون سن الخامسة والأربعين أن يرافقهن محرم (ولي أمر) يقدم إثباتًا على صلتهن الشرعية (عقد زواج أو شهادة ميلاد). يجوز للنساء فوق سن الخامسة والأربعين أداء الحج دون محرم، شريطة الانضمام إلى مجموعة منظمة وتقديم شهادة براءة ذمة من محرمهن.
هذا العام، لا يُمكن للحجاج إتمام مناسك الحج إلا بالتسجيل حصريًا عبر بوابة الحج والعمرة الإلكترونية “نُسُك”، المنصة الرسمية لوزارة الحج والعمرة. وسيُمنع من لا يحمل تصريحًا رسميًا من الدخول ويُرحّل.
تُلزم المملكة الحجاج الراغبين في أداء فريضة الحج بتلقي لقاح المكورات السحائية الرباعي (ACYW135) قبل عشرة أيام على الأقل من وصولهم. وتتوفر لقاحات أخرى، مثل لقاحات الحمى الصفراء وشلل الأطفال والإنفلونزا، حسب كل بلد والوضع الصحي.
للحد من حوادث الحجاج على الطرق وفي المشاعر المقدسة، صدرت توجيهات هامة، منها منع النوم أو الاستلقاء في الممرات والأماكن غير المخصصة لذلك داخل المشاعر المقدسة، وضرورة استخدام المظلة للوقاية من الشمس.
خلال موسم الحج، تحدث أزمات ووفيات متكررة بسبب الازدحام. وقد حدثت أزمة كبرى عام ٢٠٢٠ عندما علّقت المملكة العربية السعودية الحج بسبب تفشي فيروس كورونا. وقد وثّق المؤرخون حالات عديدة عُلّق فيها الطواف حول الكعبة والشعيرة نفسها كليًا أو جزئيًا بسبب ظروف مختلفة، كالصراعات الطائفية والمعارك والأوبئة والفيضانات.
إغلاق صحن الكعبة
وفي عام 2020، قررت السلطات السعودية قصر أداء الركن الخامس من أركان الإسلام على عدد محدود من السعوديين والمقيمين من مختلف الجنسيات في البلاد، ومنع دخول الحجاج من الخارج، خوفاً من انتشار الوباء بين الحجاج.
وكإجراء احترازي، قررت السعودية أيضاً إغلاق صحن المطاف حول الكعبة المشرفة، وتكثيف جهود التنظيف والتعقيم في المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة.
أعلنت السلطات السعودية أن السياج المحيط بالكعبة المشرفة سيبقى في مكانه لمنع الزوار من لمس الكعبة والحجر الأسود. كما أعلنت عن تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، ومنع التجمعات، وتقسيم الحجاج إلى مجموعات. وسيكون ارتداء الكمامات إلزاميًا خلال جميع مناسك الحج.
بالحجارة المصنوعة من الطين المحروق
ومن أولى هذه الأحداث التي حفظتها كتب التاريخ الإسلامي، بل وذكرت في القرآن الكريم، حادثة أبرهة التي وقعت سنة 570-571م، عندما هاجم ملك الحبشة، الذي كان يحكم اليمن آنذاك، مكة لهدم الكعبة وإجبار الحجاج على زيارة كنيس بناه لهذا الغرض في اليمن.
ولأن الفيل الأفريقي العملاق كان أحد أدواته في هذا الهجوم، خاف أهل مكة والحجاج، وفرّوا إلى المناطق الجبلية المجاورة. وانقطع الطواف حتى “جاءت الطيور ورموا جيش إبراهيم بحجارتها”، وفقًا للروايات الإسلامية.
ويذكر المؤرخون أيضاً أنه في عام 693م، في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، هاجم واليه على مكة الحجاج بن يوسف الثقفي خصمه عبد الله بن الزبير في مكة، فحاصر المدينة وقصفها بالمجانيق للقضاء على ابن الزبير الذي تمرد ولجأ إلى الكعبة وأعلن نفسه خليفة للمسلمين.
وأدى الهجوم إلى تدمير أجزاء من الكعبة، وتعطيل مناسك الطواف والصلاة والعمرة، قبل إعادة بناء الكعبة وتوسعة المسجد الحرام نفسه في عبد الملك.
الحجر الأسود في القطيف
ربما كان هجوم القرامطة على الكعبة عام 930م من أكثر الحوادث دموية في تاريخ الكعبة. هاجموا الحجاج في المسجد الحرام بمكة، مدّعين أن الطواف من بدع الجاهلية وعبادة الأصنام.
تشير التقارير إلى أن نحو 30 ألف حاج قُتلوا في هذا الهجوم، الذي وقع خلال موسم الحج ذلك العام. نقل القرامطة الحجر الأسود إلى مدينتهم هجر (القطيف حاليًا)، التي كانت مركز دعوهم وعاصمة دولتهم.
وتشير التقارير إلى أن موسم الحج انقطع نحو عشر سنوات، ولم يصعد أحد جبل عرفات، وبقي الحجر الأسود في مكانه سنوات طويلة قبل أن يتم استبداله بعشرات الآلاف من الدنانير الذهبية وإعادته إلى مكانه الحالي في الكعبة.
كما أرسل الخليفة العباسي المعتز بن المتوكل جيشاً إلى مكة في موسم الحج لمنع الأمير إسماعيل بن يوسف من ارتكاب أفعاله المشينة بحق مكة وأهلها، مما أدى إلى ما عرف بـ “مذبحة سهل عرفات”.
تروي كتب التاريخ معركةً كبرى في جبل عرفات هُزم فيها العباسيون. نهب جيش إسماعيل بن يوسف المدينة وأحرقها بعد أن هاجم أتباعه الحجاج، فقتلوا العشرات. وأُلغي الحج لاحقًا.
تعليق: في الماضي، تم إيقاف الحج أكثر من عشرين مرة بسبب الأوبئة أو الاضطرابات السياسية والاقتصادية والأمنية.
أوبئة القرن التاسع عشر
يقول فواز بن علي الدهاس، مدير عام مركز تاريخ مكة المكرمة التابع لمركز الملك عبد العزيز الثقافي، إن موسم الحج قد توقف أكثر من عشرين مرة في الماضي بسبب الأوبئة أو الاضطرابات السياسية والاقتصادية والأمنية، ما أدى إلى إلغاء الحج أو تقليص أعداد الحجاج.
وأضاف الدهاس في حديث لبي بي سي عربي أن أشهر الأوبئة التي ضربت المشاعر المقدسة هو ما يسمى بـ”داء المشعري” الذي ظهر في القرن الرابع الميلادي وذكره ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية”.
وأضاف: “وانتشر الوباء في مكة سنة 357 أو 358 م، فمات جميع الحجاج، ومات عدد كبير من الإبل التي جاء بها الحجاج، حسب رواية ابن كثير”.
وأشار الدهاس إلى أنه خلال الفترة من 390 إلى 419م، «تسببت موجات البرد المتتالية في تلك السنوات في موجات من التضخم الباهظ، مما أثر على مناسك الحج بسبب نقص الغذاء، مما أثر على مزارع النخيل وإنتاج التمور، التي كانت آنذاك غذاء للزوار ومورداً اقتصادياً أساسياً».
واعتبر الدهاس أن القرن التاسع عشر الميلادي من أخطر العصور في تاريخ الحج بسبب الأوبئة الكثيرة التي انتشرت فيه لسنوات طويلة.
ويقول: “ومنذ حوالي سنة 1252هـ إلى سنة 1310هـ انتشرت الأوبئة في سنوات مختلفة، ومنها الكوليرا التي اشتدت خطورتها”.
وأضاف الدهاس أن بعض المؤرخين ذكروا أن وباءً انتشر بين الحجاج الهنود الوافدين إلى مكة، فانتشر بينهم، وتسبب في وفاة ثلاثة أرباع الحجاج آنذاك. كما انتشرت الأوبئة بين عامي 1837 و1892، مما أدى إلى وفاة عدد كبير من الحجاج.
المهدي في صحن الكعبة
في عام ١٩٧٩، اقتحم نحو مئتي رجل بقيادة جهيمان العتيبي ومحمد القحطاني، عضوي الجماعة السلفية لحماية الرسول، المسجد الحرام في مكة فجرًا واحتلوه بالقوة. وأعلن العتيبي أن صهره القحطاني هو “المهدي المنتظر”.
أغلق العتيبي أبواب المسجد الحرام، تاركًا المصلين محاصرين داخله. استمر الحصار أسبوعين، عُلِّقت خلالهما طواف الكعبة والصلاة. تمكنت السلطات السعودية أخيرًا من كسر الحصار وإنهائه. قُتل عدد من رجال الأمن والحجاج والمهاجمين، وأُلقي القبض على من تبقى من المصلين، وقُدِّموا للمحاكمة لاحقًا.
في عام ٢٠١٧، عُلِّقَ الطواف حول الكعبة لبضع ساعات قبل أن يُستأنف. وكان السبب في ذلك هو الزحام المحيط بالكعبة، مما تسبب في ازدحام مروري شديد وتوقف الطواف لبعض الوقت.
ومنذ ذلك الحين، وقعت بعض الحوادث البسيطة وبعض أعمال الإصلاح والترميم، والتي على الرغم من أنها لم تؤثر بشكل كبير على أداء الطقوس، إلا أنها أدت إلى العديد من الوفيات والإصابات.
قررت السلطات السعودية قصر أداء فريضة الحج هذا العام على المواطنين والمقيمين لمنع انتشار فيروس كورونا، خاصة مع الارتفاع الكبير في الإصابات في المملكة مقارنة بالدول المجاورة.