ليبيا على صفيح ساخن.. هل وصلت حكومة الدبيبة لأضعف نقطة؟

شهدت العاصمة الليبية طرابلس تصعيدًا خطيرًا في التوترات السياسية، بعد أن خرج مئات المتظاهرين إلى الشوارع في “جمعة الوداع” في 30 مايو/أيار 2025، مطالبين باستقالة رئيس حكومة الوفاق الوطني، عبد الحميد الدبيبة، ووضع حد لما وصفوه بزحف الميليشيات وانعدام الأمن في البلاد. أغلق المتظاهرون الطرق الرئيسية وأشعلوا النار في الإطارات، وامتدت الاحتجاجات إلى مدن أخرى غرب البلاد.
تأتي هذه التطورات على خلفية الاشتباكات الدامية التي شهدتها طرابلس عقب اغتيال عبد الغني الككلي، الملقب بـ”غنيوة”. كان الككلي رئيس جهاز حفظ الاستقرار (جماعة مسلحة معروفة مقربة من المجلس الرئاسي) وأحد أبرز قادة الميليشيات في حكومة الدبيبة. أثارت الاضطرابات موجة من الغضب الشعبي، حيث اتُهمت الحكومة مباشرةً بإثارة الفوضى وإعادة عسكرة المشهد السياسي في العاصمة.
في غضون ذلك، تسارعت الجهود الإقليمية والدولية لاحتواء الأزمة. وعقد وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر اجتماعًا طارئًا بالقاهرة يوم السبت، حيث أكدوا دعمهم لوحدة ليبيا وسيادتها، ورفضهم أي تدخل خارجي من شأنه تأجيج الصراع الداخلي. كما دعوا إلى التعجيل بإيجاد حل سياسي ليبي-ليبي شامل، يُفضي إلى توحيد المؤسسات وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة.
تأتي هذه التطورات في وقت حاسم، وتطرح السؤال التالي: هل وصلت حكومة الدبيبة إلى أضعف مراحلها في تاريخها، أم أن الأزمة مؤقتة؟ في هذا السياق، نستعرض إجابة هذا السؤال وآفاقنا المستقبلية، وفقًا لتقرير نشرته مجلة “نيوزلاين” الأمريكية.
اغتيال غنيوة: الشرارة التي أشعلت الأزمة
وصف التقرير مقتل عبد الغني الككلي، قائد جهاز تثبيت الاستقرار، في 12 مايو/أيار 2025، خلال اجتماع رسمي بمقر اللواء 444، بأنه أخطر حادثة منذ سنوات، أثرت على توازن القوى في العاصمة. كانت العملية سريعة، وأعقبتها مباشرة سيطرة القوات الموالية لحكومة الدبيبة على قواعد الككلي. وفسّر البعض هذه الخطوة على أنها محاولة لتشديد الإجراءات الأمنية.
لكن الأحداث سرعان ما أثبتت فشلها بالنسبة للحكومة: اندلعت اشتباكات عنيفة بين الميليشيات، وتصاعد الغضب العام في مواجهة الاتهامات المباشرة بأن دبيبة كان يحرض على الصراع المسلح ويعيد التوازن بالولاءات داخل العاصمة بالعنف.
هشاشة المنظومة الأمنية في طرابلس
وجد التقرير أنه منذ توليه رئاسة حكومة الوفاق الوطني عام ٢٠٢١، اعتمد عبد الحميد دبيبة على تحالفات وثيقة مع جماعات مسلحة. وقد لعبت هذه الجماعات دورًا حاسمًا في فرض سيطرته على طرابلس، ومثل غنيوة، كانت طرفًا رئيسيًا في الحفاظ على توازن القوى في العاصمة.
إلا أن هذا النموذج الحكومي، القائم على توازن القوى بين الميليشيات، أثبت هشاشته. فبعد اغتيال غنيمة، رفضت بعض الفصائل الانصياع لأوامر الحكومة. واندلعت اشتباكات استخدمت فيها طائرات مُسيّرة بدائية، كاشفةً عن ضعف سيطرة الحكومة على الأمن الداخلي.
الاحتجاجات والانتقادات الداخلية
أشار التقرير إلى أن الاحتجاجات التي أعقبت الأحداث الدامية سلّطت الضوء على حجم أزمة الحكومة. وطالبت المظاهرات، التي دعت إليها مجموعات شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي، باستقالة حكومة الدبيبة، وإنهاء الميليشيات، وإعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية.
لم تقتصر المظاهرات على طرابلس، بل امتدت إلى الزاوية ومصراتة ومدن أخرى. وهي تعكس خيبة أمل عامة تجاه حكومة لا تفي بوعودها بتوفير الأمن أو تحسين الظروف المعيشية، وتُتهم مرارًا بالفساد وسوء الإدارة.
خطاب الدبيبة: مناورة بين محاربة الميليشيات وتعبئة الهوية
يحاول عبد الحميد دبيبة احتواء الأزمة باستراتيجية مزدوجة: من ناحية، يقدم نفسه كمقاتل ضد الميليشيات الخارجة عن القانون، ومن ناحية أخرى، يستخدم انتمائه الإقليمي لحشد الدعم في مسقط رأسه مصراتة، مما يشير ضمناً إلى أن هذه هجمات سياسية ضد مجموعة محددة.
يعكس هذا التوجه عمق الأزمة السياسية في ليبيا. ولا تزال الانقسامات الجهوية والعسكرية تلقي بظلالها على بناء دولة مدنية، ويصعب فصل أداء الحكومة عن السياق المعقد للنفوذ القبلي والجهوي.
تعيش حكومة الدبيبة أخطر لحظاتها.
تشير المعطيات الحالية إلى أن حكومة الدبيبة تمر بأخطر لحظاتها منذ تأسيسها. فالانهيار الواضح لتحالفاتها الأمنية، وفقدان السيطرة على الشارع، وتراجع شرعيتها الشعبية، يشير إلى أنها وصلت إلى نقطة حرجة يصعب تجاوزها دون تغييرات جذرية.
رغم أن البلاد لا تزال تحظى باعتراف دولي رسمي، إلا أن هذا الاعتراف أصبح مرهونًا بقدرتها على الحفاظ على الأمن وتمهيد الطريق لحل سياسي حقيقي. إذا استمرت الأزمة دون إصلاحات أمنية ومؤسسية، فقد يصبح سيناريو الانهيار الجزئي أو الانتقال السياسي أكثر واقعية.