الشرع: نحن وإسرائيل لدينا أعداء مشتركون.. وصحيفة يهودية: التطرف جعله قادرًا على حماية سوريا

“نحن لا نبدأ من الصفر. نحن نبدأ من القاع، من الأعماق”، هكذا بدأ الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع الأربعاء الماضي في مقابلة حصرية مع مجلة “أميركان جورنال” المتخصصة في الشؤون اليهودية.
في مقاله، وصف الكاتب جوناثان باث الرئيس الشرع بأنه شخص يتصرف بقناعة هادئة: “إنه يتحدث بهدوء تام… وكل كلمة يلقيها بتأنٍ كبير… لا يوجد انتصار ولا تأكيد في نبرته، فقط الإلحاح والتصميم”.
وفي تصريحاته للصحيفة، تطرق الشرع إلى عدة مواضيع، منها الوضع الاقتصادي والأمني في سورية، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، بالإضافة إلى الأطراف المتورطة في الأزمة السورية وأدوارها المؤثرة.
ووصف الكاتب جوناثان باث الوضع في سوريا الذي خلفته عائلة الأسد – من الرئيس السابق حافظ الأسد إلى ابنه المخلوع بشار – بأنه “مزيج من الولاء والصمت، والاستقرار والقمع، والتعايش مع الكراهية”. وأكد أن الشريعة الإسلامية “لديها رؤية واضحة بشأن الإرث الذي يرثه”.
وقال الشرع “لقد ورثنا أكثر من مجرد آثار النظام السابق”. لقد ورثنا الصدمة والتعب وانعدام الثقة، لكننا ورثنا أيضًا الأمل. إنه هشٌّ بالتأكيد، ولكنه حقيقي. وأكد أنه سيكون من “غير الصادق” الحديث عن بداية جديدة.
وأوضح الشرع أن الماضي، بسياسات نظام آل الأسد، “لا يزال حاضراً في أعين كل مواطن سوري وكل عائلة سورية، وفي كل شارع”، مضيفاً: “واجبي الآن هو ضمان عدم تكرار مثل هذا الأمر، ولو بشكل أخف. بل يجب علينا خلق شيء جديد كلياً”.
ويرى باث أن الخطوات التي اتخذها الشرع في بداية حكمه كانت رمزية، وإن كانت حذرة إلى حد كبير. وأفرج عن السجناء السياسيين، وبدأ حواراً مع جماعات المعارضة في سوريا، ووعد بإصلاحات أمنية لأجهزة الأمن سيئة السمعة في البلاد.
ويقول الكاتب في مقاله إن رؤية الشرع “تتضمن مجتمعاً نابضاً بالحياة ومتعدد الثقافات يتمتع بالتعددية، كما يدعم عودة جميع مواطنيه، بمن فيهم اليهود والمسيحيون والدروز وغيرهم ممن صودرت ممتلكاتهم في عهد الأسد”.
وأكد باث أن الرئيس السوري المؤقت يدرك أهمية الشراكة مع الولايات المتحدة. ويهدف المشروع إلى توفير التكنولوجيا والمعدات الجنائية اللازمة للكشف عن المقابر الجماعية والكشف عن مصير المفقودين أو القتلى خلال حكم بشار الأسد. وسيتم ذلك من خلال إنشاء قواعد بيانات للحمض النووي والتعاون مع مسؤولي النظام السوري السابق بشأن الانتهاكات.
حول موضوع التعددية، يقول الشرع: “إذا كنتُ أدّعي الحوار لنفسي، فإن سوريا لم تتعلم شيئًا من الماضي. ندعو الجميع إلى طاولة الحوار: العلمانيين، والمؤمنين، والعشائريين، والأكاديميين، وسكان الأرياف، وجميع قطاعات الدولة. لا شك أن من واجبنا الاستماع إليهم أكثر من إعطائهم الأوامر”.
لكن الشرع تساءل عن مدى ثقة هذه المجموعات بالحكومة: “هل سيتمكنون من استعادة الثقة؟ هل سيصدقون وعود حكومة خرجت من رماد الديكتاتورية (نظام عائلة الأسد)؟” يوضح الرئيس المؤقت: “أنا لا أطلب الثقة… بل الصبر والنظرة الناقدة. أنا أؤيد ذلك… حينها فقط ستُستعاد الثقة”.
وفيما يتعلق باحتياجات السوريين، أكد الرئيس المؤقت أن مواطني بلاده يحتاجون إلى “الكرامة من خلال العمل والسلام من خلال تحديد الأهداف”.
ويوضح باث أن مطالب الشرع للمجتمع الدولي ليست سياسية بقدر ما هي اقتصادية. ويطالبون بإعادة إعمار المدن التي دمرتها الحرب لأكثر من عشر سنوات، وتوفير حياة طبيعية تمكن السوريين من العمل بسلام وكسب لقمة العيش وتربية أبنائهم من خلال خلق فرص عمل في الزراعة والصناعة والبناء والخدمات العامة.
وفي هذا السياق، يقول الشرع: “لم يعد الأمر يتعلق بالأيديولوجيا… بل بإعطاء المواطنين سبباً للعيش والبقاء… سبباً للإيمان من جديد”، من خلال شركات الاستثمار الإقليمية، ومنح الشركات الصغيرة العائدة إلى سوريا، وتوفير التدريب المهني.
وأكد الشرع أن “سوريا المستقرة لا تبنى بالخطابات والشعارات، بل بالأفعال في الأسواق والصفوف الدراسية والمزارع وورش العمل”. وأشار إلى أن حكومته ستعمل على “إعادة بناء سلاسل التوريد وجعل البلاد مركزًا للتجارة والأعمال مرة أخرى”.
ويضيف: “وراء هذا المنظور الاقتصادي تكمن رؤية أعمق. فبعد جيل من الخسارة، سئم المواطنون الصراع. إنهم يتوقون للسلام، ليس فقط لغياب الحرب، بل للفرصة: فكل شاب لديه وظيفة يكون أقل عرضة للتطرف، وكل طفل في المدرسة هو صوت المستقبل”.
العلاقات الإسرائيلية السورية: “أعداء مشتركون”
وبعد أن اختتم جوناثان باث رؤيته الاقتصادية للحرب، ينتقل إلى نقطة أكثر حساسية وإثارة للاهتمام: العلاقة المستقبلية بين سوريا وإسرائيل. ويصف المؤلف هذه القضية بأنها “قضية تشغل المنطقة منذ عام 1948 وتزداد حدة مع كل غارة جوية، أو كل عملية سرية، أو كل اتهام لإسرائيل بشن حرب بالوكالة”.
وفي هذا الصدد، ووفقاً للشريعة الإسلامية، فإن عصر “القصف المتبادل الذي لا ينتهي” يجب أن ينتهي؛ وأوضح أن أي بلد لا يمكن أن يزدهر “عندما تكون السماء مليئة بالخوف”، مضيفا: “الحقيقة هي أننا (سوريا وإسرائيل) لدينا أعداء مشتركون ويمكننا أن نلعب دورا هاما في الأمن الإقليمي”.
وأعرب الرئيس السوري عن رغبته في العودة إلى “روح اتفاق فصل القوات لعام 1974″، ليس فقط كخط لوقف إطلاق النار، بل أيضاً كأساس لضبط النفس المتبادل وحماية المدنيين من الجانبين، وخاصة الطائفة الدرزية في جنوب سوريا ومرتفعات الجولان.
يقول الشرع: “إن الدروز السوريين ليسوا قطع شطرنج”. إنهم مواطنون عريقيون ومخلصون تاريخيًا. يستحقون الحماية القانونية الكاملة، وسلامتهم أمرٌ لا يقبل المساومة.
وبحسب باث، امتنع الرئيس السوري عن اقتراح تطبيع فوري للعلاقات مع إسرائيل، لكنه أعرب عن انفتاحه على محادثات مستقبلية “على أساس القانون الدولي والسيادة”. يعلق الشرع قائلاً: “يجب أن يقوم السلام على الاحترام المتبادل، لا على الخوف. سنعمل حيثما وُجد الصدق ومسار واضح للتعايش، ولن نقبل بأقل من ذلك”.
“ترامب وسيط نزيه يفهم معنى القوة والنفوذ.”
وخلال اللقاء في قصر الشعب بدمشق، طرح الشرع مبادرة دبلوماسية وصفها باث بـ”الشجاعة”، وهي رغبته في لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وفي كلمته، وصف الشرع الرئيس الأمريكي ترامب بأنه رجل سلام، قائلاً: “لقد أطلق علينا العدو النار بنفسه. هو (ترامب) يفهم القوة والتأثير والنتائج. سوريا بحاجة إلى وسيط نزيه قادر على إعادة إطلاق الحوار”.
وتابع الشرع: “إذا كان هناك احتمال لتحالف يضمن استقرار المنطقة وأمن الولايات المتحدة وحلفائها، فأنا مستعدٌّ بالتأكيد لإجراء هذا الحوار. هو (ترامب) الرجل الوحيد القادر على إصلاح هذه المنطقة وجمع شملنا، لبنةً لبنة”.
ويرى جوناثان باث أن استعداد الشرع للقاء ترامب “مذهل”. وليس فقط بسبب انفتاحها، بل أيضاً بسبب الرسالة التي مفادها أن “سوريا الجديدة لا تخشى اتخاذ خطوات غير تقليدية من أجل السلام والاعتراف”.
الجهات الفاعلة والتأثيرات الخارجية على سوريا
ويشير باث إلى أنه في حين يعترف الرئيس الشرع بأن القوى الخارجية مثل روسيا والصين والولايات المتحدة وإيران وتركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة سوف تستمر في التأثير على التنمية في سوريا، فإنه يصر على أن سيادة بلاده تبدأ بإجماع داخلي.
يؤكد الشرع: “لن نكون بيدقًا ولا حصانًا. بل سنكون دولةً تحكمها الشرعية، لا مجرد سيطرة. نريد من أمريكا أن تعمل معنا لمكافحة الفساد، وتحسين الحوكمة، وبناء مؤسسات قائمة على النزاهة والشفافية”.
وبحسب الكاتب جوناثان باث، فإن العديد من السوريين لا يرون الشرع “ثورياً”، بل “مرمماً” قادراً على إعادة بناء دولة منهكة من الحرب ذات هوية محطمة. ويرى باث أن وجود شارة كرجل الساعة يعود إلى طبيعته، التي يصفها بـ”رفضه لعب دور الرجل القوي، على الرغم من حياته المتطرفة السابقة”.
ويؤكد الشرع أنه لم يكن يسعى إلى منصبه الحالي رئيساً لسوريا. يوضح قائلاً: “قبلتُ المنصب لأن على البلاد أن تطوي صفحة الماضي. أُفضّل كتابة هذا التاريخ مع الآخرين على أن أراه يُمزّق نفسه من جديد. ليس أمامنا خيار سوى النجاح. علينا أن نجعل سوريا عظيمة من جديد”.
“التطرف مكنه من الدفاع عن سوريا.”
ويعتقد باث أن ماضي الرئيس السوري المؤقت “العنيف والمتطرف” علمه التغيير والنمو. يوضح قائلاً: “لقد تعلم من تجاربه. رؤيته الشاملة تمنحه الوضوح اللازم لرسم ملامح المستقبل. ماضيه المتطرف مكّنه من الدفاع عن سوريا من الداخل ضد داعش ومن يسعون لعرقلة تقدمها (الهش). لقد تطور الشرع من ثوري إلى رئيس دولة. أعتقد أنه قادر على رسم ملامح المستقبل الحقيقي لبلاده والتأثير فيه”.
اختتم جوناثان باث مقالته مشيدًا ببساطة الرئيس السوري وتواضعه: “عندما غادرتُ القصر (قصر الشعب في دمشق)، نظرتُ إليه. لم تكن له صورٌ على الجدران، ولا أعلام، ولا شعارات. كان ببساطة رجلًا أراد توحيد بلاده في أمةٍ متساوية. ورغم كل الشدائد، ظلّ ثابتًا لا يتزعزع في عزمه ومثابرته”.
يُلخّص باث حديثه قائلاً: “إنه رجلٌ يسعى لبناء مستقبلٍ لشعبه وللمنطقة، وضمان خروج بلاده من دائرة النسيان وتبوؤ مكانتها المستحقة على الساحة الدولية. والزمن وحده كفيلٌ بإثبات ذلك”.