بسبب إسرائيل.. كيف تدفع هارفارد ثمن دعم طلابها لغزة؟

منذ 20 ساعات
بسبب إسرائيل.. كيف تدفع هارفارد ثمن دعم طلابها لغزة؟

بقلم: سلمى سمير

تصاعدت العلاقات بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجامعة هارفارد إلى مستوى غير مسبوق بعد أن أعلن الرئيس الجمهوري عن نيته منع هارفارد، إحدى أعرق وأشهر الجامعات الأميركية والعالمية، من قبول طلاب دوليين في برامجها الأكاديمية. ويمثل هذا القرار، الذي اتخذ في أعقاب تحقيق مستمر في الجامعة من قبل وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، تصعيدًا كبيرًا في التوترات المحيطة بسياسات الهجرة والتعليم العالي التي تنتهجها الإدارة، ويعرض آلاف الطلاب الذين يدرسون حاليًا في المؤسسة للخطر.

1

خلفية الأزمة

تأسست جامعة هارفارد عام 1636، وهي واحدة من أعرق الجامعات في الولايات المتحدة. وفي السنوات الأخيرة، استقطبت الجامعة عددًا كبيرًا من الطلاب الدوليين، الذين يشكلون نسبة كبيرة من مجموع طلابها. وبحسب إحصائيات الجامعة للعام الدراسي 2024-2025، بلغ عدد الطلاب الدوليين حوالي 6800 طالب، وهو ما يعادل حوالي 27% من إجمالي عدد الطلاب. وأفاد بيان للجامعة أن هؤلاء الطلبة قدموا مساهمة نوعية على المستويين الأكاديمي والبحثي وساهموا في إثراء التنوع الثقافي في الحرم الجامعي.

ولكن هذه الصورة، التي اعتبرت لفترة طويلة مصدر قوة لسمعة الجامعة، واجهت فجأة قراراً حكومياً حاسماً يقيد قبول الطلاب الدوليين. أبلغت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، تحت إشراف كريستي نويم، إدارة الجامعة في خطاب رسمي أن تسجيل الطلاب الدوليين معلق حتى اكتمال تحقيق الأمن القومي الذي تجريه الوزارة. وكانت قد شهدت الجامعة في وقت سابق مظاهرات ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي وصفته إدارة ترامب بأنه “معاد للسامية”.

2

وتعتقد إدارة ترامب أن المظاهرات الداعمة لقطاع غزة، والتنديد بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في قطاع غزة، والتي جرت أيضاً في حرم جامعة هارفارد والعديد من الجامعات الأميركية، سبب كافٍ لخفض التمويل للجامعات، وفحص سجلات جميع الطلاب، وحتى مراجعة قانونية تصاريح إقامتهم.

وطلبت الوزارة في خطابها من الجامعة تقديم معلومات مفصلة عن الطلاب الدوليين خلال 72 ساعة لاستعادة اعتمادها في تأشيرات الطلاب وبرامج التبادل الأكاديمي قبل بدء العام الدراسي الجديد. وقد أدى هذا التحرك المفاجئ إلى وضع الطلاب الحاليين في وضع حرج، حيث أعلنت الوزارة أن الطلاب الدوليين الموجودين حاليًا في الحرم الجامعي سيتعين عليهم إما الانتقال إلى مؤسسة أخرى أو فقدان وضعهم القانوني في الولايات المتحدة، مما قد يعرضهم للطرد أو الترحيل.

3

تصعيد ترامب في التصريحات

ويأتي هذا القرار في أعقاب سلسلة من التصريحات الهجومية التي أدلى بها الرئيس ترامب ضد جامعة هارفارد. وعلى وجه الخصوص، وصف الجامعة بأنها “مزحة” وقال إنها لم تعد مكانا مناسبا للتعليم. ودعا إلى وقف تمويل الدولة للجامعة بمليارات الدولارات، وهدد بتحويل هذه الأموال إلى مؤسسات تعليمية تقنية أو مهنية أخرى.

واتهم ترامب جامعة هارفارد مرارا وتكرارا بالتسامح مع “العنف” و”معاداة السامية” في الحرم الجامعي، كما اتهم الجامعة بالتعاون مع منظمات أجنبية. وأدى ذلك إلى ردود فعل قوية من جانب الجامعة، التي رفضت هذه الاتهامات وأكدت التزامها بسياسات واضحة لمكافحة جميع أشكال التمييز أو العنف.

4

ولم يقتصر ترامب على الهجمات على الجامعة، بل حاول أيضًا السيطرة على نسبة الطلاب الأجانب المقبولين في الجامعة. ودعا إلى وضع حد أقصى لنسبة الطلاب الدوليين، حيث أن النسبة الحالية البالغة 31 في المائة مرتفعة للغاية، واقترح تحديد النسبة عند 15 في المائة. وأوضح أن هدفه هو ضمان أن الطلاب الدوليين المقبولين يحبون أمريكا ولا يشكلون “تهديدًا أمنيًا أو اجتماعيًا”، وأعرب عن قلقه من أن بعض الطلاب قد يتورطون في الاضطرابات أو العنف.

وطالب ترامب جامعة هارفارد بنشر قوائم بطلابها الدوليين، وتساءل عن خلفياتهم وملاءمتهم، وأثار مخاوف بشأن التجسس المحتمل أو النفوذ الأجنبي غير المرغوب فيه.

ولكن الوضع لم ينته بعد. أمرت وزارة الخارجية الأمريكية السفارات والقنصليات الأمريكية في جميع أنحاء العالم بتعليق المقابلات الخاصة بتأشيرة الطلاب، مما أدى إلى مزيد من القيود على دخول الطلاب الدوليين إلى الولايات المتحدة.

5

إجابات هارفارد

وفي بيان رسمي، وصفت جامعة هارفارد القرار بأنه “ضربة انتقامية” ألحقت أضرارا جسيمة بالمؤسسة على عدة جبهات. وأكدت الجامعة التزامها الكامل بتوفير بيئة تعليمية آمنة ومتنوعة تجذب الطلاب من جميع أنحاء العالم، مؤكدة أن الطلاب الدوليين يشكلون عنصرا أساسيا في قوتها الأكاديمية وعلاقاتها البحثية.

وأشار البيان إلى أن مثل هذه الإجراءات غير قانونية وتتعارض مع الاستقلال الأكاديمي للجامعة. وتخوض إدارة جامعة هارفارد معركة قانونية لحماية حقها في قبول الطلاب والباحثين الدوليين من أكثر من 140 دولة.

6

ورأت الجامعة أن القرار لم يكن هجوما على الجامعة نفسها فحسب، بل كان يهدف أيضا إلى إرسال إشارة سلبية إلى المجتمع الأكاديمي الدولي وتقويض مكانة الولايات المتحدة كوجهة تعليمية مفضلة في جميع أنحاء العالم.

كما رفعت جامعة هارفارد دعاوى قضائية ضد وزارة الأمن الداخلي الأمريكية لإلغاء تعليق قبول الطلاب الدوليين، بحجة أن ذلك ينتهك القانون الفيدرالي والحقوق الدستورية للجامعة وطلابها.

تأثير القرار على الطلاب الدوليين

وأثار القرار المفاجئ الذي اتخذته الولايات المتحدة حالة من الخوف والقلق بين الطلاب الدوليين الذين يعتمدون على الدراسة في الجامعات الأمريكية لتحقيق أهدافهم الأكاديمية والمهنية. وقال مسؤولون في الجامعة إنهم على اتصال وثيق مع الطلاب لتزويدهم بالدعم القانوني والنفسي للمساعدة في التخفيف من صدمة فقدان إقامتهم المحتملة. وقد يضطرهم هذا إلى مغادرة البلاد والبحث عن بدائل تعليمية في أماكن أخرى.

ويرى خبراء في مجال التعليم أن هذا الإجراء يشكل ضربة قاسية لسمعة النظام التعليمي الأميركي، بحسب مجلة “فورين بوليسي” الأميركية. ويعاني قطاع التعليم بالفعل من آثار قرارات ترامب. وقد أدى ذلك إلى انخفاض كبير في عدد الطلاب الدوليين وتسبب في خسائر مالية هائلة للجامعات والمؤسسات التعليمية بلغت عشرات المليارات.

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن وجود الطلاب الدوليين لا يساهم في التنوع الثقافي فحسب، بل يمثل أيضًا مصدرًا رئيسيًا للدخل بسبب الرسوم الدراسية المرتفعة التي يدفعونها، مما يساعد الجامعات في تمويل برامجها البحثية والأكاديمية.

7

ليس الأول

إن قرارات ترامب ضد الطلاب ليست غير مسبوقة. خلال فترة ولايته الأولى في عام 2017، فرض ترامب حظراً على السفر على مواطني العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، مما أدى إلى منع آلاف الطلاب الأجانب من دخول الولايات المتحدة وتسبب في اضطرابات واسعة النطاق في قطاع التعليم العالي.

ويزداد الوضع تعقيدا بالنسبة للطلاب الدوليين بسبب الخطاب المتزايد لبعض المشرعين الجمهوريين. وانتقدوا بشدة الطلاب الأجانب بسبب احتجاجاتهم ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وهذا ما جعلهم هدفًا للحملات السياسية المتزايدة، وفقًا لشبكة CNBC.

8

وبحسب وكالة فرانس برس، من المتوقع أن تقوم الحكومة الأميركية بمراجعة عقود التمويل الحكومية التي تقدر قيمتها بنحو 255.6 مليون دولار، والتزامات المنح متعددة السنوات بقيمة إجمالية تبلغ 8.7 مليار دولار.

وجاءت هذه المراجعة في أعقاب سحب ملايين الدولارات من جامعة كولومبيا، التي كانت مسرحاً لاحتجاجات طلابية كبرى ضد العدوان على غزة. وأدى ذلك إلى اعتقالات عديدة ومداهمة قوات الأمن للحرم الجامعي واشتباكات بين الشرطة والطلاب.


شارك