“تاوروس”.. لماذا تُقلق روسيا؟ وهل تدفعها نحو تصعيد عسكري مع ألمانيا؟
في حين تعتمد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الوساطة بين موسكو وكييف، تتحرك الدول الأوروبية في الاتجاه المعاكس. أعلنت ألمانيا عن نيتها تزويد أوكرانيا بصواريخ توروس بعيدة المدى، مما يهدد بتصعيد مباشر مع روسيا.
وفي بيان مفاجئ صدر يوم الأربعاء، قالت وزارة الدفاع الألمانية إن أوكرانيا قد تتمكن قريبا من استخدام أسلحة بعيدة المدى يتم إنتاجها بالاشتراك مع ألمانيا.
وقال المستشار فريدريش ميرز، خلال استقباله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في برلين: “سيكون هذا تعاونًا صناعيًا، ويمكن أن يتم في أوكرانيا أو هنا في ألمانيا”.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تصريح له بهذا الشأن إن التورط المباشر لألمانيا في الحرب أصبح واضحا بالفعل، وأكد أن البلاد تتجه “نحو الانهيار”، حسبما ذكرت وكالة رويترز.
وأكد أندريه كارتابولوف، رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي، أن موسكو سترد بحزم إذا زودت ألمانيا كييف بصواريخ توروس بعيدة المدى. فلماذا يشكل الصاروخ مصدر قلق لروسيا؟ ما مدى احتمالية المواجهة المباشرة مع ألمانيا؟
لتقييم مدى التهديد الذي تشعر به موسكو من استحواذ كييف على صاروخ توروس الألماني، يجب علينا أولاً أن نكون واضحين بشأن قدراته. ماذا انت؟
الثور يخترق الخطوط الحمراء
صاروخ توروس هو صاروخ كروز أرض-جو تم إنتاجه كجزء من شراكة عسكرية صناعية بين ألمانيا والسويد. ويبلغ مداه أكثر من 500 كيلومتر، ويتمتع بقدرة اختراق عالية.
وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة جورج تاون، فإن الصاروخ مزود بنظام توجيه يجمع بين الملاحة عبر الأقمار الصناعية ومطابقة الصور الرقمية لتكييف مساره مع التضاريس المحيطة. بالإضافة إلى ذلك، تم تزويدها برادار ارتفاع يسمح لها بالتحليق على ارتفاعات منخفضة وبالتالي تجنب إشارات الدفاع الأرضي للعدو.
ويشير المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، وهو مركز أبحاث متخصص في الدفاع والأمن، إلى أن هذا النوع من الصواريخ يمثل تغييراً نوعياً في العمليات الهجومية الأوكرانية. قدرتها على مهاجمة مواقع استراتيجية مثل مستودعات الذخيرة ومراكز القيادة في عمق روسيا دون تعريض منصات الإطلاق لتهديد الدفاعات الأرضية الروسية.
تغيير مسار الحرب
وبحسب تحليلات خبراء مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن صواريخ توروس يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في تقويض قدرات الدعم اللوجستي الروسية من خلال مهاجمة وتدمير خطوط السكك الحديدية والجسور ومراكز القيادة التي تربط الجبهتين الشرقية والجنوبية.
ويعتقد الخبراء أنه بفضل دقة الصاروخ الألماني، يمكن لأوكرانيا تنفيذ “ضربات جراحية” من شأنها تعطيل القوات الروسية دون الحاجة إلى هجمات ضخمة.
بدوره، يعتقد المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن أن إدخال صاروخ توروس إلى ساحة المعركة الأوكرانية سيختبر قدرة موسكو على التعامل مع تهديد استراتيجي جديد. ومن شأن هذا أن يضطر البلاد إلى نقل أنظمتها الدفاعية من الجبهة إلى الخلف، مما قد يؤدي إلى إضعاف قواتها البرية وترك قواتها المسلحة دون حماية.
روسيا: الرد النووي على صاروخ توروس
ويدرك المسؤولون الروس أهمية حصول أوكرانيا على هذا النوع من الصواريخ، لأنه قد يخفف الضغط على قواتها في الخطوط الأمامية وينقل القتال إلى عمق المناطق الداخلية الروسية.
وبناء على ذلك، وردا على مؤشرات تسليم صواريخ توروس إلى أوكرانيا، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتن مرارا وتكرارا من أن مهاجمة الداخل الروسي بأسلحة غربية بعيدة المدى من شأنه أن يفتح الباب أمام استخدام الأسلحة النووية.
ومع ذلك، ذكر معهد دراسة الحرب الأميركي أن التهديدات الروسية باستخدام الأسلحة النووية تهدف في المقام الأول إلى ردع الدول الغربية التي تدعم أوكرانيا عن تجاوز “الخطوط الحمراء”. ومع ذلك، فقد أشار البعض إلى أن تكرار هذه التهديدات أضعف مصداقيتها، خاصة بعد أن استخدمت أوكرانيا في السابق صواريخ ستورم شادو البريطانية.
احتمال التصعيد المباشر بين موسكو وبرلين
ورغم التهديدات الروسية العلنية، يعتقد معهد كارنيغي أوروبا أن موسكو من المرجح أن تتجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع ألمانيا، وتعتمد بدلا من ذلك على الاستجابات الدبلوماسية أو الهجمات الإلكترونية ضد المصالح الاقتصادية وشركات الدفاع.
وفي الوقت نفسه، يزعم المعهد أن تسليم صواريخ توروس إلى أوكرانيا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم النقاش داخل حلف شمال الأطلسي حول الفرق بين “الدعم” و”المشاركة المباشرة”، خاصة إذا تم تسليم هذه الصواريخ إلى كييف كجزء من برنامج إنتاج مشترك، كما أوضح مسؤولون في الحكومة الألمانية.
وفي هذا السياق، توضح مجلة بوليتيكو أن احتمال المواجهة المباشرة يضع روسيا في خطر الاضطرار إلى استدعاء المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي. وهذا ينص على أن الهجوم على دولة عضو يتطلب ردا عسكريا مشتركا من جميع الأعضاء.