أيهما أفضل: مساعدة الفقراء أم نافلة الحج والعمرة؟ الإفتاء تجيب

وقد طرح سؤال على دار الإفتاء المصرية بشأن معاملة الفقراء والمحتاجين أو أداء فريضة الحج تطوعاً. وكان نص السؤال على النحو التالي: هل مساعدة الفقراء أهم من الحج التطوعي؟ أيهما أفضل للأغنياء: حج التطوع، وعمرة التطوع، أم مساعدة الفقراء والمساكين والبؤساء، وعلاج المرضى، وقضاء ديون الغارمين، ونحو ذلك من سبل تخفيف معاناة الناس، وتخفيف آلامهم، وقضاء حوائجهم، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المسلمون؟
أجاب الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أنه في هذا الزمان الذي يكثر فيه الفقر والبؤس والشقاء، وتكثر فيه الضائقة وتضعف اقتصاديات كثير من البلاد الإسلامية، فإن قضاء حوائج الفقراء والمساكين، وعلاج المرضى، وقضاء ديون الغارمين، وغير ذلك من سبل تخفيف معاناة الناس وقضاء حوائجهم، مقدم بلا شك على الحج والعمرة التطوعية. فهي أكثر مكافأة وأكثر عرضة للقبول من قبل الله تعالى.
وأضاف أن ذلك واضح من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وأجمع عليه علماء البلاد ومذاهبها الراسخة. وأكد أن من واجب المسلمين الأثرياء القيام بواجبهم المجتمعي وتخفيف معاناة المحتاجين، وأن هذا الواجب يأتي دائماً في المقام الأول على المشاركة التطوعية في الحج والعمرة.
وأوضح أن من قام بالواجب الكفائي كان له أجر أعظم من من قام بالواجب الفردي. لأنه يهدف إلى مغفرة خطايا الأمة بأكملها. بل ذهب جماعة من الفقهاء إلى أنه إذا احتاجت المساعدة في حالة المجاعة وكثرت المشقة على من أراد الحج الواجب فإنها تقدم على الحج. فيجب الاتفاق على وجوب التعزية في الحال، بخلاف الحج، فإنه متنازع فيه هل تجب على الفور أو على التأخير.
ولا يجوز للوسطاء إهمال المحتاجين بحجة الإكثار من أعمال العبادات والطاعات التطوعية. ولا يجوز ترك الواجبات من أجل أداء المندوبات، كما لا يجوز الإقدام على فرعيات العبادات التي فيها مصلحة شخصية وبذل الأوقات والمال فيها على حساب أداء المصالح العامة.
وأشار إلى أن من يرغب في التطوع للحج أو العمرة عليه أن يحرص على إنفاق ماله في نفقة الفقراء وقضاء حوائج المحتاجين وقضاء ديون الغارمين قبل إنفاقه في أعمال التطوع. وأكد أن قضاء حاجة المحتاج ومساعدة الفقراء أولى من التطوع في الحج أو العمرة، وأن المشارك فيهما يثاب على كليهما.
ماذا تعني قاعدة “العبادة المتعدية أفضل من العبادة المحدودة”؟
وفي هذا السياق، أشارت الفتوى إلى أن الشريعة الإسلامية تراعي ترتيب الأولويات. وقد قضى بأنه في حالة التعارض يجب تقديم المصلحة الانتقالية على المصلحة المحدودة، والمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، والمصلحة المباشرة على المصلحة المتوقعة، والمصلحة المؤكدة على المصلحة الوهمية.
وقد قرر الفقهاء في أصول الفقه أن “العبادة المتعدية أفضل من العبادة المحدودة”. ومن أنكر ذلك لم ينكر أن الاختلاف بين الطاعات إنما هو بحسب المصالح المترتبة عليها.
الأفضلية بين حج التطوع ومساعدة الفقراء والمساكين في أوقات الكوارث
وجاء في الفتوى: إذا كثرت الحقوق، واعتمد الناس على أموال الأغنياء في مواساة الفقراء ومساعدة المحتاجين، وكانت نفقات الحج والعمرة عظيمة بحيث تكفي الفقراء وتحسن معيشتهم، فإن أحب النفقات إلى الله في ذلك الوقت أنفعها للناس وأجدى في تحسين معيشتهم وتنشيط اقتصادهم.
وكما جاء في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – المرفوع إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يحب من الناس أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على مسلم، أو تفريج كربة عنه، أو قضاء دين عنه، أو طمأنينة عن جوع، ولأن أمشي مع أخي في حاجة خير لي من أن أحبس نفسي في هذا المسجد – يعني مسجد المدينة – شهرًا…» أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط. و”الصغير”
التحذير من إهمال حاجات الفقراء والمساكين في أوقات النكبات
وذكرت الفتوى أن النصوص الإسلامية مليئة بالتحذيرات من إهمال احتياجات الفقراء وعدم السعي لتلبيتها. وقد تم توضيح عقوبة البخيل في ماله أيضا:
وقد أخبرنا الله تعالى أن هذه العقبة الصعبة لا يمكن التغلب عليها إلا بإطعام الناس في أوقات المجاعة ورعاية المحتاجين. ثم قال تعالى: {فَلَمْ يَصْعَدْ الصِّرَاطَ الْعَظِيمَ}. وكيف يمكنك معرفة أي طريق هو شديد الانحدار؟ يتعلق الأمر بتحرير عبد، أو رعاية يتيم من أقرب الأقرباء، أو شخص محتاج في يوم المجاعة العظيمة. ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر والرحمة} [البلد: 11-17]
قال الله تعالى أن أحد أسباب دخول الناس في النار هو أنهم لا يعطون الفقراء الطعام. قال الله تعالى: “ما الذي أدخلك إلى النار؟” سيقولون لم نك من المصلين ولم نكن نطعم المسكين [المدثر: 42-44] وقال أيضاً: (إنه لم يكن يؤمن بالله عز وجل، ولا يأمر بطعام المساكين). [الحاقة: 33-34]
ومن صفات الله تعالى السيئة أنه لا يكرم اليتيم ولا يحث على إطعام المسكين. قال: لا، بل لا تكرمون اليتيم، ولا تحاضون على طعام المسكين. [الفجر: ١٧-١٨]