هل تحوّلت خطة المساعدات في غزة من مشروع إنساني إلى أداة لتهجير وإذلال الفلسطينيين؟

فشلت الخطة الأميركية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات.
وأشار المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب إلى أن الخطة الأميركية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في قطاع غزة فشلت فشلاً ذريعاً منذ اليوم الأول. وأشار إلى أن الجهات المنظمة لم تأخذ بعين الاعتبار الوضع الإنساني الكارثي الذي يعيشه سكان قطاع غزة، ولم تدرك حجم المعاناة الناجمة عن الجوع ونقص الغذاء.
وأوضح الرقب أن هذه الآلية التي تعتمد على استيعاب نحو 1.3 مليون فلسطيني في مركزين توزيع فقط، ستؤدي بشكل واضح إلى الفوضى والازدحام، خاصة وأن آلاف المواطنين سيعانون من الجوع لأسابيع. وأضاف: “ما حدث في الساعات الأولى أمر طبيعي في ظل هذه الظروف. حاول الناس طلب المساعدة بكل الوسائل. وهذا ما دفع الطواقم الأمريكية إلى عبور الحواجز والفرار. ثم لجأت الطواقم الإسرائيلية إلى إطلاق النار الجوي لتفريق الحشود”.
محاولة ممنهجة لإذلال الشعب الفلسطيني
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس أن ما حدث ليس سوى “محاولة ممنهجة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لإذلال الشعب الفلسطيني”، مشيرا إلى أن الفلسطينيين ردوا على هذا الإذلال بالقوة والكرامة. وانتقد مؤسسة إغاثة غزة، المسؤولة عن توزيع المساعدات، قائلاً: “رغم الأحداث، أعلنت المؤسسة أنها ستواصل التوزيع في اليوم التالي مع توسيع دوائر توزيعها. وبذلك، تجاهلت بوضوح الدروس المستفادة من فشل اليوم الأول”.
وعندما سئل عما إذا كانت خطة إسرائيل تهدف إلى طرد الفلسطينيين من أراضيهم، قال إن معلومات تم تداولها بالفعل في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن خطة أوسع لعزل سكان غزة في مناطق معينة من رفح بعد أخذ بصمات الأصابع والفحص اللاحق، تمهيدا لنقلهم القسري من قطاع غزة. وأضاف: “ما نشهده اليوم ليس فقط فشل خطة المساعدات، بل محاولة ممنهجة للسيطرة على المصدر الوحيد للغذاء لدى السكان، تمهيدا لإفراغ قطاع غزة من سكانه”.
مصير المساعدات والمسارات البديلة
وحول إمكانية وجود طريقة بديلة لتوزيع المساعدات تحل محل الخطة التي أثبتت فشلها اليوم، أكد الرقب أن البديل المنطقي والفعال كان أن نعهد بهذه المساعدات لمؤسسات دولية موثوقة مثل الأونروا التي تمتلك بنية تحتية قوية وخبرة واسعة في توزيع المساعدات في قطاع غزة. وأضاف: “لو كانت النية إنسانية بحق، لما تم تجاهل الأونروا، ولكن تم تهميشها عمدا لصالح خطة الإذلال والتهجير”.
وأشار الخبير السياسي إلى أن استمرار هذه الآلية الفاشلة سيؤدي إلى مزيد من الفوضى والمعاناة. وأكد أن “حل الأزمة الإنسانية في غزة لا يقتصر على توزيع المساعدات، بل يتمثل في توفير كميات هائلة من السلع الغذائية والتجارية لخفض الأسعار وتمكين المواطنين من شراء احتياجاتهم بأسعار معقولة، كما كانوا يفعلون في السابق”.
سياسة نتنياهو “التجويع والإساءة والترحيل”
ووصف الدكتور إحسان الخطيب، عضو الحزب الجمهوري وأستاذ العلوم السياسية في جامعة موراي ستيت، فشل خطة المساعدات الأميركية لغزة بأنه نتيجة مباشرة لسلوك الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، واتهمها باتباع سياسة “التجويع والاضطهاد والترحيل” ضد الفلسطينيين.
مصادر محلية: آلية توزيع المساعدات الإسرائيلية الأميركية فشلت في اليوم الأول، وهرب عناصر المنظمة الأميركية، تزامناً مع إطلاق قوات الاحتلال النار على المكان. pic.twitter.com/nkTLIPobW9
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) ٢٧ مايو ٢٠٢٥
وعندما سُئل عما إذا كانت آلية توزيع المساعدات الجديدة قد فشلت وما إذا كانت تُستخدم كغطاء لخطة طرد الفلسطينيين، قال الخطيب: “هناك نوايا حسنة في كل دولة في العالم، باستثناء حكومة نتنياهو”. وأشار إلى أن الحكومة الأميركية تنظر إلى غزة باعتبارها كارثة إنسانية بالنسبة للفلسطينيين وحتى لإسرائيل. لكن نفوذ جماعات المصالح، أو ما يسمى بـ”اللوبي الإسرائيلي”، لا يزال قويا في واشنطن، مما دفع بعض السياسيين، وأبرزهم دونالد ترامب، إلى تجنب المواجهة مع الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة، لأنها تمثل مصدرا لتمويل الحملات الانتخابية والدعم السياسي في الكونجرس.
وأوضح الخبير السياسي: “طالبت واشنطن حكومة الاحتلال بالسماح بتدفق المساعدات إلى قطاع غزة، وكان الرد الإسرائيلي عبارة عن خطة توزيع فاشلة ومحدودة تشهد على خبث سياسي متعمد”. وأضاف: “ما يحدث هنا مشروع فاشل بكل المقاييس. إنه يعكس سياسة واضحة تهدف إلى حرمان غزة من أبسط مقومات الحياة. على سبيل المثال، تم بالفعل حجب أكثر من 30 ألف شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية عن قطاع غزة”.
إسرائيل تسعى إلى إبادة الفلسطينيين
وتابع الخطيب: “منذ البداية، أطلقت إسرائيل على سكان غزة اسم “العماليق”، وهو مصطلح ديني من العهد القديم يدعو إلى إبادتهم. والآن، يُترجم هذا الخطاب الديني إلى سياسة صريحة للإبادة الجماعية أو الترحيل”.
ووصف الخطيب المشهد بأنه “فضيحة أخلاقية وانحدار أخلاقي غير مسبوق للدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي فشلت في مواجهة جرائم إسرائيل رغم هيمنتها على النظام الدولي منذ سقوط الاتحاد السوفييتي”.
يعيش سكان قطاع غزة كارثة إنسانية منذ أكثر من عام ونصف. وهذا جزء من سياسة نتنياهو وحكومته المتطرفة التي تهدف إلى تدمير الفلسطينيين وإجبارهم على ترك أرضهم سواء طوعا أو بالقوة. ويأتي ذلك في ظل الموقف المخزي للمجتمع الدولي تجاه معاناة هؤلاء المدنيين العزل الذين يعيشون على أمل أن تنتهي الحرب قريبا قبل أن يقعوا في قبضة أسلحة القوة المحتلة.