صفقة ترامب بالشرق الأوسط.. هل يُعاد تشكيل الإقليم على حساب غزة وسوريا؟

الوكالات
وذكرت مجلة “ناشيونال إنترست” في تقرير نشرته يوم 19 مايو/أيار أن البيت الأبيض يريد تحقيق انتصارات سريعة في السياسة الخارجية بفوائد ملموسة، حتى لو كان ذلك يعني تجاوز إسرائيل وتفويض سياسة الشرق الأوسط إلى دول مثل تركيا والمملكة العربية السعودية، بحسب التقرير.
وذكرت المجلة الأميركية أن إدارة ترامب تخطط لترحيل مئات الآلاف من الفلسطينيين من قطاع غزة، ضمن محاولتها إحياء نسخة معدلة من خطة “من السلام إلى الازدهار”. ولكن إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لنقل الفلسطينيين إلى سوريا يحمل مخاطر كبيرة، وخاصة زعزعة استقرار الحكومة السورية واحتمال تجدد الحرب الأهلية ــ وهو السيناريو الذي تسعى واشنطن إلى تجنبه، والذي يعكس أيضاً علامات تصعيد النزاع السياسي بين واشنطن وتل أبيب.
وأشارت إلى أن البيت الأبيض لم يخف رغبته في إجلاء الفلسطينيين من غزة. ولم يكن هذا سوى خطوة أولى نحو إعادة إعمار قطاع غزة، دون أي التزام فوري بعودة اللاجئين. وتأتي هذه الخطوة تماشيا مع الخطط المبكرة لإدارة ترامب، والتي كانت تهدف إلى خلق علاقة أكثر تكاملا بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية على أساس إطار قانوني واقتصادي موحد، لكنها سعت إلى تجنب إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وأوضحت المجلة أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة، وتمهيد الطريق أمام ترامب للفوز بجائزة نوبل للسلام. وتنبع هذه الرؤية من تصورات السياسيين الإسرائيليين اليمينيين الذين حاولوا التوفيق بين الحقائق على الأرض ومخاوف قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي.
وتابعت: “نظرا للاختلافات الجوهرية بين المواقف الإسرائيلية والفلسطينية بشأن مستقبل السلام والأمن في المنطقة، تتقاطع المصالح الأميركية والإسرائيلية في محاولة إيجاد حل لواحدة من أكثر المشاكل تعقيدا”. وفي هذا السياق، كشفت تقارير أن الحكومة الإسرائيلية تحاول إقناع عدد من الدول الأفريقية، بما في ذلك جنوب السودان والصومال، بقبول اللاجئين الفلسطينيين.
وفي يناير/كانون الثاني من العام الماضي، قدم المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف اقتراحا أكثر جدية بشأن إمكانية نقل القوات إلى إندونيسيا، لكن جاكرتا رفضت العرض رفضا قاطعا، ولم تذكر خطة تفاوض واضحة ولا استراتيجية إعلامية فعالة. وفي منتصف مارس/آذار، سرت شائعات أيضاً حول احتمال وجود اتصالات بين البيت الأبيض وسوريا عبر وسطاء، لكن الحكومة السورية نفت هذه المزاعم على الفور.
حولت إسرائيل 30% من قطاع غزة إلى منطقة عازلة، وتعتزم وزارة الدفاع الإسرائيلية الحفاظ عليها حتى في حال التوصل إلى اتفاق سلام. إضافة إلى ممر نتساريم الذي يعزل مدينة غزة في الشمال، أنشأت القوات الإسرائيلية الآن ممر موراج الذي يفصل رفح عن خان يونس في الجنوب.
وبحسب صحيفة “ناشيونال إنترست”، فإن معظم قطاع غزة دمر بالفعل، وحتى لو كانت تكاليف إعادة الإعمار في متناول تحالف الشركاء، فإن أحداً لا يرغب في إعادة بناء قطاع غزة في ظل الظروف الحالية.
وتتزايد الانتقادات الموجهة للحكومة الإسرائيلية بسبب عدم وجود خطة لديها لما يسمى “اليوم التالي للحرب”. لكن هذا ليس صحيحا، إذ إن حكومة الاحتلال أظهرت منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي قدرا هائلا من التخطيط، بحسب المجلة الأميركية.
وأشارت إلى أنه من المفيد النظر إلى الساحة السورية، بدلاً من التركيز فقط على غزة، لفهم كيف تحاول إسرائيل تهيئة الظروف لحل شامل. وأعلن جيش الاحتلال نيته البقاء إلى أجل غير مسمى في جبل الشيخ وفي المنطقة الأمنية الموسعة حول القنيطرة.
وفي لفتة رمزية، سمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارات غير مسبوقة لزعماء دينيين دروز من سوريا إلى إسرائيل، كما قدم الرعاية الطبية للدروز السوريين في المستشفيات الإسرائيلية. وحاول نتنياهو أيضًا كسب ود الأكراد السوريين من خلال تقديم الدعم لهم مع تزايد مطالبهم باللامركزية والحكم الذاتي داخل سوريا.
وأشارت المجلة إلى وجود تقارب بين واشنطن وتل أبيب. ويرجع هذا، من ناحية، إلى المخاوف بشأن النظام الجديد في دمشق، ولكن من ناحية أخرى، أيضا إلى الرغبة في رؤية تقدم ملموس على عدة جبهات من جانب الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع. ويعتقد أن إسرائيل تمتلك نقاط ضغط عديدة تستطيع من خلالها ممارسة نفوذها على دمشق. لكن الصحيفة أشارت إلى أن النهج الأميركي الأحادي تجاه النظام الجديد في سوريا من شأنه بالتأكيد أن يقوض هذه الضغوط.
الصفقة الكبيرة
ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية تبقي على احتمال التوصل إلى اتفاق مع الشرع مفتوحا. وبحسب موقع “ناشيونال إنترست”، فإن تصريحات سياسيين رفيعي المستوى والأنشطة الإعلامية في سوريا تظهر أن إسرائيل تريد إرسال إشارة للأطراف الإقليمية بأنها تمتلك نفوذاً إذا لزم الأمر.
وأشارت الصحيفة إلى أن المقترحات تتضمن انسحابا عسكريا من أجزاء من جنوب سوريا، وتخفيف الاتصال المباشر مع الأقليات الدينية والعرقية، والاتفاق مع تركيا، والسماح من واشنطن باستعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل مقابل قبول سوريا لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة.
ومن الجدير بالذكر أن سوريا استضافت في السابق عدداً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين. تقول وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) إنها تدعم حالياً 438 ألف فلسطيني في سوريا.
ولا تزال سوريا تعاني من آثار الحرب المدمرة، وهناك نقص حاد في أماكن إيواء اللاجئين، خاصة وأن الدول الأوروبية أصبحت أقل استعداداً لقبول السوريين، وتزايدت الضغوط عليهم للعودة إلى بلادهم. وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن الشركاء الإقليميين مثل المملكة العربية السعودية، التي قدمت الدعم المالي والدبلوماسي للحكومة الانتقالية في دمشق، سيواجهون انتقادات واسعة النطاق من السكان، وهو ما قد يجبرهم على التراجع عن أفعالهم أو إدانتهم ومعارضة النظام السوري.
وأشارت إلى أن هذا الوضع من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم التوترات داخل المجتمع السوري مع تنافس مكوناته المختلفة على الموارد المحدودة والتمثيل في مؤسسات الحكومة الجديدة. العامل الوحيد الذي يمكن أن يحتوي احتمال التصعيد هو التدخل التركي القوي، والذي يتجلى في الدعم المالي المباشر والخطاب الإعلامي الإيجابي الذي يهدئ المخاوف ويعزز الاستقرار.
وتختتم الصحيفة الأميركية مقالها بالتساؤل عما إذا كان البيت الأبيض يدرك أن طرد أعداد كبيرة من الفلسطينيين قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في مناطق أخرى، وأن واشنطن قد تضطر إلى التدخل لاحتواء آثار الصراعات الإقليمية المحتملة. ويبدو أن كبار المسؤولين الأميركيين يعولون على إمكانية التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وتركيا من شأنه أن يخفف من حدة الموقف ويسمح للولايات المتحدة بالانسحاب من تعقيدات الصراع السوري.
ولكن لا يمكن لأي من الجانبين أن يكون مستعدا حقا للسيناريو الأسوأ، وخاصة احتمال اندلاع موجة جديدة من الحرب الأهلية في سوريا. إذا قرر الرئيس دونالد ترامب ربط السياسة الأميركية بأجندة إسرائيل الطموحة في الشرق الأوسط، فقد يفعل ذلك على حساب الواقعية السياسية، واستبدال البراجماتية برؤية مثالية مفرطة لنظام إقليمي جديد.