محلل اقتصادي: كوريا الجنوبية تغير استراتيجيتها التجارية ردا على رسوم ترامب الجمركية

تميزت اجتماعات صندوق النقد الدولي الربيعية لهذا العام بمشهد اقتصادي عالمي متغير بسرعة. وقد أدت التدابير الأخيرة المتعلقة بالتجارة والتي أعلن عنها البيت الأبيض إلى ارتفاع التعريفات الجمركية إلى مستويات لم نشهدها منذ قرن من الزمان.
وقال المحلل الاقتصادي الدكتور جيمس كيم، مدير قسم الرأي العام والشؤون الخارجية في المعهد الاقتصادي الكوري الأميركي في واشنطن، في تحليل نشرته مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأميركية، إن حالة عدم اليقين الناجمة عن الإجراءات الأميركية دفعت صندوق النقد الدولي إلى مراجعة توقعاته المرجعية للنمو العالمي لعام 2025 إلى 2.8%، وهو انخفاض عن توقعاته المحدثة السابقة البالغة 3.3%. ورغم أن التقدير الجديد ليس تهديدا بقدر التوقعات الأخرى، فإنه يحذر من مخاطر تزايد عدم اليقين في السياسة التجارية.
وبالنسبة لكوريا الجنوبية، تكتسب هذه القضية أهمية خاصة في ضوء المخاطر التي يفرضها عدم اليقين السياسي المحلي وتصاعد التوترات التجارية الخارجية. ومن المرجح أن يختفي واحد على الأقل من هذين السببين بمجرد تولي حكومة جديدة السلطة بعد الانتخابات المقرر إجراؤها في كوريا الجنوبية في الثالث من يونيو/حزيران. ومع ذلك، هناك دلائل تشير إلى تدهور اقتصادي.
وأشار الدكتور كيم إلى أن الأرقام الأخيرة الصادرة عن بنك كوريا (البنك المركزي لكوريا الجنوبية) تشير إلى أن التضخم ظل مستقرا عند حوالي 2%، في حين انزلق النمو مرة أخرى إلى المنطقة السلبية. وقد يساعد تحسن حالة عدم اليقين المحلي على استعادة ثقة المستهلكين والمستثمرين المحليين، والتي وصلت إلى مستوى منخفض جديد منذ التعافي من جائحة كوفيد.
ومع ذلك، في غياب الوضوح بشأن مفاوضات التعريفات الجمركية مع الولايات المتحدة، قد تظل هناك عقبات كبيرة. يعتمد حوالي 80 في المائة من اقتصاد كوريا الجنوبية على التجارة، وتمثل التجارة مع الولايات المتحدة ما بين 13 و14 في المائة من إجمالي حجم التجارة لكوريا الجنوبية.
تشير التقارير الأولية إلى إحراز تقدم كبير في مفاوضات التعريفات الجمركية في واشنطن.
ومع ذلك، فإن حل مفاوضات التجارة الثنائية لن يقضي على جميع نقاط ضعف التعريفات الجمركية في كوريا الجنوبية، حسبما قال الدكتور كيم، الذي عمل سابقًا كباحث أول ومدير لمركز دراسات المناطق ومركز أبحاث الرأي العام في معهد آسان لدراسات السياسات في سيول. كما هو الحال مع الصناعات الأخرى في الولايات المتحدة، يعتمد قطاع التصنيع في كوريا الجنوبية على شبكة معقدة من سلاسل التوريد المتنوعة للغاية والتي تمتد عبر العديد من البلدان، بما في ذلك كندا والمكسيك وفيتنام.
وعلاوة على ذلك، فإن تزايد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين يعني أن كوريا الجنوبية سوف تستمر في مواجهة الضغوط التجارية الناجمة عن ضوابط التصدير وقيود الاستثمار، بغض النظر عن التغييرات التكتيكية في التعريفات الجمركية.
وفي ضوء هذه التحديات، قررت كوريا الجنوبية تغيير استراتيجيتها التجارية. وكان رد الحكومة في سيول هو التركيز على التجارة المفتوحة، إن لم تكن الحرة، بدلاً من الانسحاب.
ونظرا لعدد اتفاقيات التجارة التي أبرمتها كوريا الجنوبية مؤخرا والعديد منها لا تزال في طور الإعداد، يبدو أن التركيز يتجدد على توسيع عمق ونطاق الشراكات التجارية التي يعود تاريخها إلى الفترة الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب. على سبيل المثال، بادرت كوريا الجنوبية بـ 32 مفاوضات تجارية بين عامي 1999 و2017. وفي الفترة بين عامي 2018 و2025، بادرت كوريا الجنوبية بـ 17 مفاوضات تجارية.
وأشار الدكتور كيم، الذي حصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في العلاقات الصناعية من جامعة كورنيل والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، إلى أن عدد الدول التي لديها اتفاقيات تجارية مع كوريا الجنوبية ارتفع إلى 16 دولة في عام 2010، وهو ما يمثل ما بين 14 و15 في المائة من إجمالي حجم التجارة لكوريا الجنوبية. وبحلول عام 2015، ارتفع هذا العدد إلى 56 دولة، وبحلول عام 2024 إلى 58 دولة.
ونظراً للمراجعات الداخلية للمفاوضات التجارية مع بنغلاديش، وجمهورية الدومينيكان، ومصر، وكينيا، والمكسيك، والمغرب، فضلاً عن الإعلان عن خطط للتفاوض على اتفاقيات تجارية مع صربيا وباكستان وتنزانيا، فمن المرجح أن يزداد عدد هذه البلدان. وتوضح هذه التطورات أن كوريا الجنوبية قامت بتسريع عملية تحرير التجارة من الناحيتين الكمية والنوعية منذ عام 2018.
وقال الدكتور كيم إن العوامل المباشرة التي أدت إلى هذه التغييرات هي الضغوط الاقتصادية الصينية والتوجه الأمريكي نحو الداخل. ولكن قد يكون هناك أيضاً سبب أعمق وأكثر جوهرية يمتد بجذوره التاريخية إلى صعود كوريا الجنوبية إلى أن أصبحت قوة صناعية مصدرة في الستينيات والسبعينيات. وفي حين اعتمدت البلدان النامية في أميركا اللاتينية على التصنيع المستبدل للواردات بعد الركود الكبير، اعتمدت الأسواق الناشئة في شرق آسيا على التصنيع الموجه نحو التصدير خلال هذه الفترة. وقد أدى هذا إلى نمو هائل، مما سمح لهذه البلدان بالمضي في طريقها الخاص.
وفي ظل ضغوط مماثلة، يبدو أن كوريا الجنوبية تؤكد من جديد على نهجها القديم المتمثل في تعزيز التجارة، وليس تقليصها.
وقد لاحظ العديد من المراقبين نهج كوريا الجنوبية في تنويع شراكاتها التجارية وسلاسل التوريد. صرح مؤخرا ري تشانج يونج محافظ البنك المركزي الكوري أن كوريا الجنوبية بحاجة إلى تنويع سلسلة التوريد الخاصة بها مع زيادة القدرة التنافسية للصين في قطاعي المنتجات الوسيطة والنهائية بشكل كبير. وهذا يفرض على الشركات الكورية البحث عن أسواق بديلة للمنتجات الوسيطة وتنويع وجهات تصديرها. وبغض النظر عما إذا كانت التوترات التجارية تتزايد أم لا، فإن هذه خطوة طبيعية نحو تنويع سلسلة التوريد والارتقاء بسلسلة القيمة. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، ولكن التوترات التجارية الأخيرة سوف تؤدي إلى تسريعه.
وفي كلمتها الافتتاحية، أشارت كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، إلى أن التوترات التجارية المتزايدة ترجع إلى تآكل الثقة في النظام الاقتصادي العالمي، نتيجة لانخفاض الأجور، وارتفاع الأسعار، وزيادة الحواجز غير الجمركية أمام التجارة، والمخاوف المتزايدة بشأن الأمن القومي.
واختتم الدكتور كيم تحليله بالإشارة إلى أنه لمعالجة هذه المشاكل، يوصي صندوق النقد الدولي أعضاءه بتنفيذ الإصلاحات اللازمة لاستعادة الانضباط المالي، وتحسين الاستقرار المالي، والحفاظ على استقلال البنوك المركزية، ومواصلة مراقبة التضخم، وتعزيز نمو الإنتاجية، والعمل نحو بناء علاقات تجارية أكثر عدلاً وتوازناً. ويتمثل رد كوريا الجنوبية في المضي قدما من خلال المزيد من التجارة.