حماس وفتح: ماذا يقول الطرفان عن الانقسام بينهما؟

منذ 2 أيام
حماس وفتح: ماذا يقول الطرفان عن الانقسام بينهما؟

ما الذي يمنع وحدة “البيت الفلسطيني”؟

يتهم كل من الجانبين الآخر بالإجابة على هذا السؤال. وفي مقابلة مع بي بي سي العربية، قال منير الجاغوب، مسؤول الإعلام في حركة فتح، إن أيديولوجية حماس هي التي تمنع الوحدة الفلسطينية. منذ تأسيسها كمنظمة إسلامية، اعتمدت حماس هذا المبدأ في البداية بهدف “إزعاج” منظمة التحرير الفلسطينية. واستمرت هذه الأيديولوجية حتى تأسست الحركة رسمياً تحت اسم حماس، حسب قول الجاغوب. وقال إن أيديولوجية حماس ترتكز على “الاختلاف في كافة برامجها”.
ويضيف الجاغوب أن الخلافات اشتدت بعد توقيع اتفاق مبادئ أوسلو عام 1993 لأن “الفصائل الفلسطينية الأخرى، باستثناء حماس، كانت تعمل من أجل السلام مع إسرائيل”.
بينما تعتقد حماس أن فتح تواصل “تجاهلها الصارخ لآمال الشعب الفلسطيني وتطلعاته”، صرّح متحدث باسم حماس (لم يُكشف عن هويته لأسباب أمنية) لبي بي سي بأن مشاورات واجتماعات عديدة عُقدت بين فتح وحماس خلال مفاوضات وقف إطلاق النار الأخيرة بين حماس وإسرائيل، “ولكن حتى الآن، لم يتم التوصل إلى أرضية مشتركة من شأنها أن تؤدي إلى إعلان اتفاق واضح. ومع ذلك، هناك العديد من نقاط الخلاف (بين الحركتين الفلسطينيتين)”.
وأشارت الحركة إلى أن هناك “خلافات وضغوطات خارجية على السلطة الفلسطينية، وخاصة من الولايات المتحدة”، تعيق تحقيق الاتفاق.
ويعلق شرحبيل الغريب، رئيس منتدى العلاقات الدولية للحوار والسياسات، بأن اختلاف أجندات الحركات الفلسطينية، وإصرار كل طرف على برنامجه، ورغبة كل طرف في فرض شروطه على الآخر، وغياب الإرادة السياسية، كلها عوامل تمنع الوحدة الفلسطينية.

هل نحن اليوم أقرب إلى الوحدة أم إلى الخلاف؟

ويرد منير الجاغوب بأن الفجوة مع حماس “تتسع ولا تتقلص”. وأشار إلى أن “العالم أجمع” يطالب بعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. ولكنه يعتقد أن “حماس وإسرائيل ترفضان ذلك”، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى “شقاق كبير” بين الحركتين إذا “لم تعترف حماس بالأهمية الوطنية لعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة”.
وبحسب الجاغوب وحتى محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية فإن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 “دمر الوضع الفلسطيني برمته وهو الآن في طور تدمير الضفة الغربية”. وأشار إلى أن حماس التي حاربت فتح لسنوات “وقعت اتفاقا في الدوحة – اتفاق وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني 2025 – سقفه أقل من سقف اتفاقات أوسلو وأقل مما اقترحته حماس”.
وأكدت حماس أنها “تدعم تسوية البيت الفلسطيني وتواصل السعي لتحقيق ذلك”. وأكدت الحركة أنه “يجب على الجميع المشاركة في حكومة أو إدارة وحدة وطنية في قطاع غزة في القريب العاجل وحل كافة خلافاتهم”.
لكن شرحبيل الغريب يرى أن الوحدة الفلسطينية غير ممكنة اليوم في ظل الخلافات الكثيرة، خاصة فيما يتعلق بترتيبات اليوم التالي في غزة والخلافات حول تشكيل الحكومة الوطنية.

هل كانت تفاصيل الصراع العربي الإسرائيلي ستختلف في ظل وحدة “البيت الفلسطيني”؟

ويقول شرحبيل الغريب إن الوضع سيتغير سياسيا وقانونيا وميدانيا إذا كانت هناك استراتيجية فلسطينية موحدة لمواجهة التحديات التي تواجه الفلسطينيين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية. وبعد ذلك «سيأخذ المجتمع الدولي وإسرائيل الموقف الفلسطيني في الاعتبار».
وأضاف أن الموقف الفلسطيني والدعم العربي للفلسطينيين يتعزز. ولذلك فإن الغريب على قناعة بأن “العمل على هذه القضية مهم وعاجل وضروري، خاصة في ظل ما تواجهه القضية الفلسطينية من محاولات لتصفيتها”.
ويقول الغريب إن الموقف الفلسطيني يجب أن يكون موحدا لمعالجة آثار الحرب وحلها.

كيف نشأت الحركتان؟

في أواخر خمسينيات القرن العشرين، وبعد نحو عشر سنوات من حرب 1948 العربية الإسرائيلية (المعروفة في اللغة العربية باسم “النكبة” وفي إسرائيل باسم “حرب الاستقلال”)، عقد ستة أفراد، بقيادة ياسر عرفات، أول اجتماع تأسيسي لحركة فتح وصاغوا ما سمي آنذاك “بنية البناء الثوري” و”إعلان حركتنا”.

وفي نهاية عام 1964 قررت فتح البدء بـ”الكفاح المسلح” ونفذت عدة عمليات ضد إسرائيل. وفي عام 1965 صدر أول بيان سياسي للحركة، والذي سعى إلى توضيح أن “الخطط السياسية والعسكرية للحركة لا تتعارض مع الخطط الرسمية الفلسطينية والعربية”. وفي وقت لاحق، أكدت الحركة على ضرورة “التعبئة العسكرية”.

وفي العام نفسه، أعلنت الحركة انطلاقتها بـ”يوم اندلاع الثورة الفلسطينية المعاصرة”.

مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965، طالبت فتح في مجلتها “فلسطيننا” بأن تكون المنظمة “ذات جوهر ثوري، وأن تكون أساساً لثورة مسلحة، لا بديلاً عنها، وأن يكون التنظيم العسكري هو أساس الكيان الفلسطيني”.

بعد حرب عام 1967 (المعروفة بالعربية باسم “النكسة” وفي إسرائيل باسم “حرب الأيام الستة”)، زاد عدد الجماعات الفلسطينية المسلحة، ودعت حركة فتح إلى تجديد منظمة التحرير الفلسطينية. وبحسب الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، تطورت الحركة لتصبح “المجموعة الفلسطينية الأكثر ولاءً والأكثر قدرة على تولي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية”، بحسب الموقع الرسمي للمنظمة.

في عام 1993، وفي نقطة تحول في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقعت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل اتفاقيات أوسلو. وبعد عام واحد تأسست السلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات كإدارة تتمتع بالحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة.

تأسست حركة حماس رسميا في عام 1987، تزامنا مع اندلاع الاحتجاجات في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين وبداية “الانتفاضة الفلسطينية الأولى”، التي شهدت تكثيف النشاط السياسي لجماعة الإخوان المسلمين هناك.
وبحسب وثيقة المبادئ والإرشادات العامة لعام 2017، فإن هدف حماس هو “تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني”، مؤكدة أن “مرجعيتها الدينية هي الإسلام”.
1

الاختلافات الأيديولوجية وبداية الانقسام

وتختلف الحركتان بشكل أساسي من الناحية الأيديولوجية، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على علاقتهما مع إسرائيل وكيفية تعاملهما معها.

تتبنى حماس أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت منها، وتعرف نفسها بأنها “حركة مقاومة إسلامية فلسطينية، أهدافها وأساليبها ومبادئها مبنية على الإسلام”.

ورغم أن إسرائيل أشارت إلى استعدادها للاعتراف بوجود دولة فلسطينية “مؤقتة” في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة فقط، فإنها ترفض وجود إسرائيل وتقبل هذه الدولة “المؤقتة” دون التنازل عن مطالباتها بكل “فلسطين التاريخية”.

لدى حماس جناحها العسكري الخاص، كتائب عز الدين القسام، التي تأسست عام 1991. ومنذ ذلك الحين، خاضت عدة معارك ضد إسرائيل، وأبرزها الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي دخل فيه أكثر من 1000 مقاتل إسرائيل وهاجموا قواعد عسكرية إسرائيلية، وعدة بلدات، ومهرجانًا موسيقيًا. وأسفر الهجوم عن مقتل 1200 إسرائيلي، بينهم مدنيون وأطفال، وأسر 251 آخرين في غزة. وقامت الحركة بتسليم بعضهم إلى إسرائيل ليتم تبادلهم مع سجناء فلسطينيين في السجون الإسرائيلية. منذ تأسيسها، نفذت الكتائب عدة عمليات لأسر جنود إسرائيليين. كما تمتلك القسام قوة أمنية داخلية خاصة بها تسمى “المجد”.

وتصف حركة فتح، التي قادت السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها، نفسها بأنها “حركة تحرر وطني تمثل الشعب بكل طوائفه وطبقاته وقطاعاته”. عند تأسيسها، وعلى عكس الحركات الفلسطينية الأخرى ـ الإسلامية واليسارية ـ لم تكن لديها أيديولوجية واضحة، وكانت تصف تركيبتها بأنها “فسيفساء”.

وهي الفصيل الأكبر داخل منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بإسرائيل ووقعت معها اتفاقيات أوسلو.

وفي مواجهة حركة حماس “الإسلامية”، يعتبر البعض اليوم أن حركة فتح هي الحركة الفلسطينية “العلمانية الوطنية”.

من يمثل الفلسطينيين؟

في عام 1974، تبنت منظمة التحرير الفلسطينية برنامجاً يسمح بتقديم تنازلات لإسرائيل. وقد رفضت عدة فصائل داخل المنظمة هذا المقترح، فانشقت عنه وشكلت جبهة القوى الفلسطينية الرافضة لحلول الاستسلام، والتي عرفت فيما بعد بجبهة الرفض، وتزعمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

واعتمدت هذه الجبهة على “المقاومة المسلحة” واعتبرت “الأعمال الفدائية في الأراضي المحتلة أولوية والأعمال الخارجية بديلاً”.

وفي العام نفسه، اعترفت جامعة الدول العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها “الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني” واعترفت بها عضواً كامل العضوية في الجامعة. وكان ياسر عرفات أول “زعيم بلا دولة” يلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ولكن الصراع الفعلي مع حماس بدأ قبل تأسيس حماس رسمياً، أي مع تزايد الأنشطة الإسلامية في أوائل ثمانينيات القرن العشرين. وظهرت داخل الجامعات بوادر نزاع وصف في تلك الفترة بأنه صراع تنافسي، خاصة فيما يتصل بالمنطلقات الفكرية للأطراف المختلفة.

ومع توقيع اتفاقيات أوسلو، تصاعد الصراع الداخلي الفلسطيني. وبينما اختارت فتح “طريق السلام”، معترفة بوجود إسرائيل، ومؤكدة على حدود الدولة الفلسطينية لعام 1967، ومعترفة بكل القوانين والاتفاقيات الدولية التي تدعم هذا التوجه، رفضت حماس هذا التغيير في المسار.

وواصلت حماس تأكيد عدم اعترافها بإسرائيل، واعتبرت كافة القرارات الدولية المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي والاعتراف بإسرائيل كدولة “غير شرعية”. ورفضت أيضاً وقف عملياتها ضد إسرائيل، وهي الخطوة التي اعتبرتها فتح تهديداً لمشروعها السياسي.

وفي السنوات التي أعقبت أوسلو، تزايدت التوترات بين الحركتين، وانعكس الصراع بوضوح على الشارع الفلسطيني. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1994 اندلعت اشتباكات في مدينة غزة بعد أن دعت حماس إلى مسيرة دعماً لعملية عسكرية ضد إسرائيل. فجر هشام حمد، أحد عناصر الجناح العسكري لسرايا القدس، نفسه بين جنود الاحتلال قرب مستوطنة نتساريم السابقة في قطاع غزة. وجاء ذلك رداً على اغتيال إسرائيل لزعيم الحركة هاني عابد. وأسفرت العملية عن مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين.

ومنعت السلطة الفلسطينية المسيرة، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بين قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية وأنصار حماس. وأسفرت العملية عن مقتل العشرات من الفلسطينيين، واتهم كل طرف الآخر بالمسؤولية عن الحادث.

استمر الانقسام الفلسطيني في التعمق، وقامت قوات الأمن الفلسطينية بحملات اعتقال واسعة النطاق ضد قادة وأعضاء حماس بين عامي 1996 و2000. وقد تم تبرير هذه الاعتقالات في البيانات الرسمية على أساس أنها “تقوض الأمن”.

ومثلت قضية التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل نقطة خلاف أخرى، ألا وهي مسألة من يمثل الفلسطينيين وما هي الشرعية التي يتمتعون بها. واتهمت حماس منذ فترة طويلة حركة فتح بـ”اضطهاد مقاتلي المقاومة” وطالبتها بالتوقف عن تنسيق الأمن والاستجابة لما وصفته بـ”المطالب الوطنية للشعب”. وقال مسؤولون في فتح إن حماس “تريد تشتيت انتباه السكان الفلسطينيين بقتال هامشي”، ودافعوا عن التنسيق الأمني باعتباره “وسيلة للحفاظ على حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، فضلاً عن التنسيق فيما يتعلق بالتصاريح والسفر وغيرها من الأمور اليومية”، كما قال المتحدث باسم فتح إياد أبو زنيط في وقت سابق لبي بي سي.

وتصاعدت التوترات بشكل أكبر عندما فازت حماس بالأغلبية في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، وقررت المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وشكلت حكومة بقيادة إسماعيل هنية.

ورفضت حركة فتح والفصائل الأخرى الانضمام إلى الحكومة.

وفي مارس/آذار 2007، وبعد أشهر من الصراع والمواجهة والعنف، اتفقت الحركتان على تشكيل حكومة وحدة وطنية. وفي يونيو/حزيران 2007، أطاحت حماس بحكم حركة فتح في قطاع غزة وطردت قوات الأمن الفلسطينية من المنطقة بعد أن أجبر رئيس السلطة الفلسطينية حماس على الاستقالة. ومنذ ذلك الحين، أصبح قطاع غزة تحت السيطرة الكاملة لحركة حماس، مما أدى إلى تعميق الانقسام الفلسطيني الداخلي.

ورغم أن حماس عدلت وثيقتها التأسيسية في عام 2017، معتبرة حدود الدولة الفلسطينية عام 1967 “صيغة توافقية مشتركة”، فإنها لا تزال تصر على “تحرير كل فلسطين”. ولكن القادة الإسرائيليين أصدروا أيضاً تصريحات وافقوا فيها على وقف إطلاق النار على المدى الطويل إذا تم إنشاء دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967.

وتظهر هذه التفاصيل بوضوح وجهات النظر المختلفة للحركتين بشأن المفهومين التاريخيين الفلسطينيين “المقاومة والكفاح المسلح”. ورغم أن فتح بدأت كحركة “مقاومة مسلحة” وأعلنت “حق الشعب الفلسطيني في النضال بكل أشكاله”، فإن قادتها يعرضون خيار “النضال السلمي” ويستخدمون الحقوق الممنوحة لهم بموجب المعاهدات والاتفاقيات الدولية لإقامة دولتهم.

ومن ناحية أخرى، تدعو حماس إلى “المقاومة المسلحة” ضد إسرائيل. وقد التزمت السلطة الفلسطينية بمنع ذلك والحد منه بموجب اتفاقيات أوسلو. وقد أدانت الوكالة مراراً وتكراراً مقتل الإسرائيليين.

هناك فرق جوهري آخر يتعلق بالسؤال: من يمثل الفلسطينيين؟

حماس ليست عضواً في منظمة التحرير الفلسطينية التي تأسست عام 1964 بهدف “إعادة تنظيم الشعب الفلسطيني وتأسيسه شعباً موحداً”، في حين أن فتح هي العضو الأبرز فيها.

لكن حماس تعترف بالمنظمة كإطار يمثل الفلسطينيين، لكنها في الوقت نفسه تؤكد على ضرورة تطويرها وإعادة بنائها بشكل أكبر للسماح بمشاركة الفصائل المختلفة.

في حين أن فتح مقتنعة بأن منظمة التحرير الفلسطينية، حتى لو لم تكن حماس عضواً فيها، هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني وقراره.

محاولات المصالحة

وفي أعقاب تصاعد الصراع بين حماس والسلطة الفلسطينية في عام 1994، جرت أيضاً محاولات للمصالحة. أي من هذه التجارب كانت الأكثر شهرة؟

وفي عام 2006، توسطت عدة دول عربية في حوار بين الجانبين. وفي عام 2007، استضافت المملكة العربية السعودية حواراً أدى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وأنهى أشهراً من الاشتباكات المتقطعة في قطاع غزة. لكن هذا الاتفاق فشل سريعا واندلعت اشتباكات خطيرة بين الحركتين. وفي وقت لاحق، أنشأت حماس حكومة مضادة في قطاع غزة، في حين تدير السلطة الفلسطينية وحركة فتح المناطق في الضفة الغربية المحتلة التي لا تخضع للسيطرة الإسرائيلية.

وبعد ذلك، بدأت جهود المصالحة الجديدة في اليمن ثم في القاهرة، ولكنها توقفت مرة أخرى بعد احتجاج حماس على اعتقال السلطة الفلسطينية لنشطائها في الضفة الغربية.

وفي عام 2011، اتفقت الحركتان في محادثات على إصلاح حكومة الوحدة الوطنية وإجراء انتخابات جديدة. وهذا ما يسمى باتفاقية القاهرة. ولكن هذا الاتفاق لم يتم تنفيذه مطلقا.

وبعد عام، وقعت فتح وحماس اتفاقا، هذه المرة في قطر، لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتبادلتا الاتهامات بعد ذلك حول من كان مسؤولا عن تأخير تنفيذ الاتفاق.

وفي عام 2014، حاول الجانبان التوصل إلى اتفاق مصالحة جديد يتم على أساسه تشكيل حكومة وحدة وطنية.

وصل وفد من فتح إلى قطاع غزة، وتطورت الأمور بشكل إيجابي، حيث اتفقت الحركتان على رامي الحمد الله رئيساً للحكومة الجديدة، وكلفتاه بتشكيل حكومة انتقالية.

لكن المصالحة تعثرت بعد وقوع انفجارات متزامنة في منازل قادة فتح في قطاع غزة في العام نفسه. واتهمت حركة فتح حركة حماس بالمسؤولية عن الهجمات، في حين نفت حماس أي تورط لها في الهجمات ووصفتها بأنها “حادثة إجرامية”.

واستقالت حكومة الوحدة الوطنية بعد ذلك، وتصاعد الخلاف بين الجانبين مرة أخرى بعد أن اتهمت حماس السلطة الفلسطينية بإعادة اعتقال أعضائها في الضفة الغربية.

وفي عام 2017، وقعت الحركتان اتفاق مصالحة، وصفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه “اتفاق نهائي” من شأنه إنهاء الانقسام الفلسطيني.

واتفقت فتح وحماس على السماح لحكومة الوحدة الوطنية بالقيام بمهامها وتولي المسؤولية الكاملة عن إدارة شؤون غزة.

لكن الهجوم على موكب رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله في قطاع غزة في مارس/آذار 2018 صدم الرأي العام الفلسطيني وقوض جهود المصالحة، خاصة بعد أن اتهمت السلطة الفلسطينية حماس بشكل مباشر بالوقوف وراء الحادث.

وأدانت حركة حماس الانفجار في حينه، ووصفته بأنه محاولة “لتقويض أمن قطاع غزة”.

وأدى ذلك إلى نزاعات حول القضايا التنفيذية والإدارية وتجدد الاتهامات. وتركزت أهم هذه الخلافات حول المعابر، ورواتب الموظفين في قطاع غزة، والالتزامات المالية للحكومة.

وبعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تصاعد النزاع مرة أخرى. وفي حين أعربت فتح عن تعازيها وتضامنها مع حماس بعد أن اغتالت إسرائيل وقتلت عدداً من قادتها خلال الحرب، فإنها ألقت باللوم أيضاً على حماس في تطور الوضع في قطاع غزة في عدة بيانات.

ودعا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مؤخرا حركة حماس إلى إطلاق سراح السجناء، والتخلي عن السيطرة على قطاع غزة، وتسليم أسلحتها للسلطة الفلسطينية، وتحويل نفسها إلى حزب سياسي. في هذه الأثناء، اتهمت حماس عباس بـ”الاستمرار في انتهاك شرعية التمثيل الوطني الفلسطيني”.

وفي مايو/أيار 2024، قال محمود عباس في اجتماع للجامعة العربية في المنامة: “إن حماس نفذت العملية العسكرية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بقرار أحادي الجانب، مما أعطى إسرائيل ذرائع إضافية لمهاجمة غزة”.

وعلى النقيض من ذلك، ورغم التصريحات الإيجابية السابقة التي أدلى بها زعماء فتح، وخاصة ياسر عرفات، فإن حركة حماس اتهمت السلطة الفلسطينية مراراً وتكراراً باتخاذ قرارات أحادية الجانب دون إجماع وطني وتعميق الانقسامات. وأحدث مثال على ذلك هو تعيين رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى رئيساً للحكومة في مارس/آذار 2024. كما تتهم الحركة السلطة الفلسطينية باتخاذ إجراءات تخدم إسرائيل.

واستمرت جهود المصالحة حتى يوليو/تموز 2024، عندما تم الإعلان عن الوثيقة الثالثة عشرة بين الحركتين، المعروفة باسم “اتفاقية بكين”.

وتهدف الوثيقة إلى تحقيق وحدة وطنية شاملة تضم كل القوى والفصائل الفلسطينية المنضوية تحت منظمة التحرير الفلسطينية. وفي وقت لاحق، وبدعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عقد اجتماع في موسكو لتعزيز المصالحة الفلسطينية.

لكن الاشتباكات بين الجانبين اندلعت مجددا بعد أن شنت السلطة الفلسطينية عملية أمنية واسعة النطاق ضد الجماعات المسلحة في مخيم جنين للاجئين أواخر عام 2024. وخلال العملية، حوصر المخيم واندلعت اشتباكات مسلحة، بما في ذلك بين المدنيين. ويتهم كل من الجانبين الآخر بالمسؤولية عن وفاتها.

وقالت السلطة الفلسطينية إن هدف العملية هو “الحفاظ على الأمن والسلم الداخلي وإرساء سيادة القانون في مخيم جنين”، فيما وصفت حماس العملية الأمنية في المخيم بأنها “جريمة في خدمة إسرائيل”.

في نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2025، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية أطلق عليها اسم “الجدار الحديدي” في مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الغربية المحتلة.

واتهمت حماس قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بـ”المشاركة” في العملية، وأدانت ما أسمته “استمرار سفك الدماء الفلسطينية من قبل قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية”.

كما أدانت حركة فتح “المواقف والتصريحات الغريبة” لحركة حماس، مضيفة أنها “تكشف عن تناقض واضح في توجهاتها وسياساتها”.

وقالت حركة فتح إن حماس “أظهرت مرونة غير مسبوقة وقدمت تنازلات كبيرة لإسرائيل” من أجل التوصل إلى اتفاقيات “تحافظ على سلطتها في قطاع غزة”، مع إصرارها على “توفير كل المبررات لتدمير الضفة الغربية”.


شارك