الجزائر وفرنسا.. كيف يفتتح البلدان “المرحلة الجديدة” بعد أزمة حادة؟
بعد أشهر من المشاحنات والاتهامات المتبادلة، أثارت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى الجزائر حراكا دبلوماسيا يهدف إلى “تنظيم العلاقات واستئناف التعاون في جميع المجالات”، كما أعلن عقب محادثاته مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وهددت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، التي استمرت نحو ثمانية أشهر، المصالح الاقتصادية والأمنية الفرنسية.
وبعد لقاء دام ساعتين ونصف بين تبون وبارو، قال الأخير إن فرنسا تريد “وضع حد للتوترات الحالية واستعادة الشراكة المتكافئة مع الجزائر”.
برزت خلال الأشهر الأخيرة عدة قضايا أدت إلى تفاقم التوترات بين الجزائر وباريس. ومن أهم هذه القرارات دعم باريس للسيادة المغربية على الصحراء الغربية في يوليو/تموز 2024. ونشرت وزارة الخارجية الفرنسية بعد ذلك خريطة جديدة للمغرب تظهر أيضا الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو. وفي الوقت نفسه، أدت قضية الهجرة واعتقال الكاتب بوعلام صنصال في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني إلى تفاقم التوترات.
وبلغت الأزمة ذروتها في فبراير/شباط الماضي عندما قررت فرنسا منع السياسيين الجزائريين من دخول أراضيها. وجاء القرار مشروطا باستئناف التعاون بين البلدين، مع الإشارة إلى القضايا العالقة. وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك تهديدات بإنهاء جميع الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بالهجرة، وهو ما وصفته الجزائر بـ”جولة جديدة من الاستفزازات”. وأعلنت الجزائر عزمها الرد بإجراءات “مماثلة وصارمة وفورية”، ورفضت خطاب “التحذيرات والتهديدات”.
كيف تعاملت الجزائر وفرنسا مع هذه المشاكل خلال زيارة بارو للجزائر؟
التعاون الأمني والقضائي
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي عقب لقائه تبون، عن “إعادة تفعيل جميع آليات التعاون” مع الجزائر. وقال: “لقد قررنا التعامل مع هذا الأمر بجدية وهدوء وفعالية… الأمور تعود إلى طبيعتها”. وأشار إلى أن تبون أمر برفع الستار عن الملفات العالقة. وأوضح بارو أن “الستار سيُرفع أولاً عن التعاون الأمني، حيث ستُستأنف الاتصالات بين أجهزة الاستخبارات”.
كما تضمن الاتفاق “عقد لقاء مع أعلى مستوى من المسؤولين في البلدين”، وقال: “سنجري حوارا استراتيجيا حول منطقة الساحل”، حيث تشترك الجزائر في حدود طويلة مع مالي والنيجر. وأكد أن البلدين يشعران بقلق عميق أيضا إزاء عودة الجهاديين من سوريا، بحسب وكالة فرانس برس.
كما تم إعادة تنشيط منطقة أخرى؛ وتزامن التعاون القضائي مع الزيارة المعلنة لوزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانان ومع الطلب من المدعي العام المسؤول عن قضايا الفساد التحقيق في قضايا “أموال مكتسبة بطريقة غير مشروعة” لمسؤولين جزائريين في فرنسا.
الهجرة: الحوارات القنصلية وتعديلات المعاهدات
وكانت قضية الهجرة إحدى نقاط الخلاف الرئيسية خلال الأزمة الأخيرة بين البلدين، بعد أن هدد وزير الداخلية الفرنسي برونو روتو بإلغاء اتفاقية 1968 مع الجزائر بشأن هجرة الجزائريين وإقامتهم في فرنسا. ويأتي هذا التهديد بعد أن اتهمت باريس مواطنا فرنسيا من أصل جزائري بتزويد المخابرات الجزائرية بمعلومات سرية عن المعارضين الجزائريين المقيمين في فرنسا.
وفي نهاية فبراير/شباط، هدد رئيس الوزراء فرانسوا بايرو بالمطالبة بإنهاء الاتفاق إذا لم توافق الجزائر على قبول مواطنيها الذين يعيشون بشكل غير قانوني في فرنسا. وكانت الجزائر رفضت في وقت سابق قائمة تضم 60 مواطنا تريد فرنسا طردهم من أراضيها وإعادتهم إلى الجزائر لأنها صنفتهم ضمن “الأشخاص الخطرين”.
وقرر بارو وتبون خلال اللقاء “استئناف التعاون في ملف الهجرة”، والعمل على “مضمون الاتفاقيات المنظمة للعلاقات في مجال التنقل والهجرة وتحديد التغييرات اللازمة لجعلها أكثر فعالية”. وذلك حسبما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن بارو.
وأضاف وزير الخارجية الفرنسي أن “قضايا الترحيل والتأشيرات سيتم معالجتها من خلال الحوار في إطار التعاون القنصلي المنتظم والسلس”. وبالإضافة إلى ذلك، سيتم تنظيم لقاءات بين القناصل الجزائريين في فرنسا ومسؤولي المقاطعات الفرنسية.
فرنسا تأمل في “لفتة إنسانية” في قضية بوعلام صنصال
خلال الزيارة، تمت مناقشة قضية الكاتب الفرنسي بوعلام سانسال الذي يقضي حكما بالسجن لمدة خمس سنوات، والمتهم، من بين أمور أخرى، بـ “تقويض الوحدة الوطنية”. وتأتي إدانة سانسال على خلفية تصريحات أدلى بها في وسائل إعلام فرنسية يمينية متطرفة. وفيها أيد موقف المغرب القائل بأن أراضيه تم تقسيمها لصالح الجزائر خلال الفترة الاستعمارية الفرنسية.
وأثار بارو هذه القضية مع الرئيس الجزائري، وجدد دعوة فرنسا إلى “لفتة إنسانية” بالنظر إلى سن الكاتب ومرضه، والذي تقول باريس إنه “مسجون ظلماً” منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
أدى اعتقال صنصال في نوفمبر 2024 إلى أزمة جديدة بين الجزائر وفرنسا؛ وفي الوقت الذي كثفت فيه فرنسا انتقاداتها للسلطات الجزائرية بسبب اعتقال صنصال، اتهم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الكاتب الفرنسي الجزائري بأنه “محتال ومبعوث لفرنسا”.
وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية أن الجانبين اتفقا على استئناف الاتصالات بين المؤرخين الفرنسيين والجزائريين في إطار اللجنة المشتركة للذاكرة.
وقال بارو “لقد أكد لي رئيس الجمهورية دعوة المؤرخ بنيامين ستورا للحضور إلى الجزائر لمواصلة العمل على استعادة الممتلكات الثقافية، وسأواصل ذلك مع نظيري (الجزائري)”.
ولم تذكر الوكالة الرسمية ما إذا كانت قضية الصحراء الغربية كانت موضع بحث خلال الاجتماع أيضا. أحد أبرز الفروقات بين الجانبين.
وعشية زيارة باروس للجزائر، كتبت صحيفة “المجاهد” الحكومية أن العلاقات الثنائية “تبدو على مسار بناء” منذ المحادثة الهاتفية بين الرئيسين تبون وإيمانويل ماكرون في 31 مارس/آذار، وفق ما ذكرت وكالة فرانس برس.
وفي أعقاب المكالمة الهاتفية، اتفق ماكرون وتبون على مبدأ إعادة إطلاق العلاقات الثنائية، وأصدرا تعليماتهما لوزراء خارجيتهما بإعادة إطلاق العلاقات “بسرعة”.
وقال الوزير الفرنسي للبرلمانيين هذا الأسبوع إن فرنسا يجب أن “تستغل” النافذة الدبلوماسية التي فتحها الرئيسان الفرنسي والجزائري “لتحقيق نتائج” في مجالات الهجرة والعدالة والأمن والاقتصاد.