مذكرات توقيف تُلاحق بشار الأسد.. ما سيناريوهات مُثوله أمام الجنائية الدولية؟

في الرابع من يوليو/تموز، ستنظر محكمة النقض الفرنسية في مدى صحة مذكرة التوقيف الصادرة بحق بشار الأسد المتهم بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية خلال فترة ولايته كرئيس لسوريا. وقال مصدر قضائي هذا الأسبوع إن التحقيق سيتناول أيضا مدى استمرار تمتعه بالحصانة.
وللبت في مدى صحة مذكرة التوقيف، ستعقد محكمة النقض، أعلى هيئة قضائية في فرنسا، جلسة استماع علنية.
يتعين على القضاة أن يقرروا مدى صحة مذكرة التوقيف الصادرة بحق بشار الأسد في نوفمبر/تشرين الثاني 2023. ويُنسب إليه شن الهجمات بالأسلحة الكيميائية المنسوبة إلى قواته في 5 أغسطس/آب 2013 في عدرا ودوما، والتي أصيب فيها 450 شخصاً، وفي 21 أغسطس/آب 2013 في الغوطة الشرقية، والتي قُتل فيها، وفقاً للمخابرات الأميركية، أكثر من ألف شخص بغاز السارين.
وفي حين أقر مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب بأن بشار الأسد “متورط على الأرجح” في هذه الهجمات، إلا أنه اعترض على الأساس القانوني لإصدار مذكرة التوقيف هذه، حيث كان الهارب لا يزال رئيساً للدولة في الوقت الذي صدرت فيه مذكرة التوقيف وكان يتمتع بالحصانة الشخصية.
وفي يونيو/حزيران 2024، رُفض طلب النيابة العامة الوطنية لمكافحة الإرهاب برفع مذكرة التوقيف، وقدمت محكمة الاستئناف في باريس استئنافاً سيتم الاستماع إليه في الرابع من يوليو/تموز.
في هذا التقرير، ندرس الخيارات القانونية المتاحة للحكومة السورية الجديدة لتحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة الرئيس السوري السابق بشار الأسد على الانتهاكات التي يُزعم أنه ارتكبها خلال ربع قرن تقريبًا من وجوده في السلطة. ونحن ندرس أيضًا إمكانية أن تندرج هذه القضية ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
“ليلة الهروب”
في ليلة الثامن من ديسمبر/كانون الأول، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ سوريا الممتد لنحو خمسة عقود مع رحيل الرئيس السابق بشار الأسد. وما تبقى هو نظام منهار وفراغ سياسي غير مسبوق.
وبعد أيام قليلة من اختفائه، ظهرت تصريحات واحدة منسوبة إليه. وقد نُشرت على الحساب الرسمي للرئيس السوري – قبل أن يتم تحويل الحساب إلى حساب الحكومة الجديدة – ووقعها هو من ملجأه الجديد في موسكو. وفيها ألقى خطاب الوداع وشرح أسباب رحيله الذي “لم يكن ضمن خططه”.
وقد ارتبط اسم الأسد، الذي حكم سوريا لعقود في ظل حزب البعث، بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك “الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري، الذي استخدم بشكل منهجي لقمع المعارضة”، وفقاً لتقارير لجنة تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة.
ووصفت اللجنة هذه الممارسات بأنها “جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب”، وأكدت أنها تشكل انتهاكات صارخة للقانون الدولي.
دمشق تطالب بتسليم الأسد، وفرنسا تصدر مذكرة توقيف فرنسية جديدة.
وشهد الأمر منحى جديداً مع تولي أحمد الشرع السلطة كرئيس مؤقت، بعد أن طالب روسيا بشكل مباشر لأول مرة بتسليم الأسد لتقديمه للعدالة على الجرائم التي يزعم أنه متورط فيها. وتطالب دمشق روسيا، التي دعمت الأسد خلال الحرب الأهلية، “باستعادة الثقة من خلال إجراءات ملموسة مثل التعويضات وإعادة الإعمار”.
وكان مصدر قضائي أعلن في وقت سابق أن محكمة النقض الفرنسية ستنظر في الرابع من يوليو/تموز المقبل في مدى صحة مذكرة توقيف بحق الأسد بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية.
ويتعين على القضاة أن يقرروا مدى صحة مذكرة التوقيف الصادرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ضد بشار الأسد فيما يتصل بالهجمات بالأسلحة الكيميائية المنسوبة إلى قواته في 5 أغسطس/آب في عدرا ودوما (مما أسفر عن إصابة 450 شخصا) وفي 21 أغسطس/آب 2013 في الغوطة الشرقية، والتي قُتل فيها، وفقا للمخابرات الأميركية، أكثر من ألف شخص بغاز السارين.
وكانت محكمة فرنسية أصدرت في وقت سابق مذكرة توقيف بحق الأسد، على خلفية مقتل مواطن فرنسي سوري في 7 يونيو/حزيران 2017، بعد قصف منزله في مدينة درعا.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إن المذكرة “ليست مجرد خطوة قانونية، بل هي جزء من جهد أوسع لإنهاء الإفلات من العقاب”.
وقد زار بارو بنفسه سجن صيدنايا، وقال إنه كان شاهداً على “فظائع جرائم نظام بشار الأسد، التي لا يمكن أن تمر دون عقاب”. وأكد أن “فرنسا حشدت جهودها وستواصل ذلك لضمان العدالة للسوريين”.
وجاءت مذكرة التوقيف الفرنسية بعد أيام قليلة من اختفاء الأسد. وهذه هي القضية الثانية التي رفعتها الدائرة الخاصة في المحكمة الجنائية بباريس لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية. ويأتي ذلك في إطار تحقيق أوسع نطاقا في الهجمات على المدنيين في سوريا، وخاصة في مدينة درعا في عام 2017.
وقد دفعت النيابة العامة الفرنسية لمكافحة الإرهاب إلى إصدار مذكرة التوقيف هذه، متهمة الأسد بالتواطؤ في جرائم حرب، وخاصة في مقتل المواطن الفرنسي السوري البالغ من العمر 63 عاماً صلاح أبو نبوت، الذي قُتل في غارة جوية على منزله في حي طريق السد في درعا. تم استخدام المبنى كمدرسة من قبل منظمة إنسانية.
وأظهرت التحقيقات أن الهجوم تم باستخدام براميل متفجرة ألقتها مروحيات تابعة للنظام السوري.
ويأتي هذا التطور في أعقاب تحقيق قضائي بدأ في أعقاب شكوى تقدم بها عمر أبو نبوت، نجل الضحية. واعتبر أن هذه القضية “تتويج لطريق طويل نحو العدالة”، وقال إن هذه الخطوة تعكس استجابة القضاء الفرنسي لمطالب الضحايا السوريين.
وبموجب القانون الإنساني الدولي، يتحمل الرئيس المسؤولية المباشرة عن عدد من الجرائم التي ارتكبتها قواته المسلحة. وهو مسؤول أيضًا عن الجرائم المرتكبة تحت قيادته إذا كان على علم بها ولم يتخذ أي خطوات لمنعها أو تقديم مرتكبيها إلى العدالة.
وبعد سقوط النظام في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، خسر الأسد الحصانة الرئاسية أو الشخصية التي كانت تحميه من الملاحقة القضائية.
وبحسب التحقيق الذي أجرته وحدة الجرائم ضد الإنسانية في محكمة الجنايات في باريس، فقد ثبت تورط الأسد المباشر في الجريمة، ما مهد الطريق لإصدار مذكرة توقيف دولية بحقه.
“سيظل الأسد هاربا من العدالة”.
وأكد فضل عبد الغني، مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان منذ يونيو/حزيران 2011، أن قرار المحكمة بعدم طرده من منصبه كرئيس أدى إلى رفع الحصانة عنه.
وأضاف عبد الغني لبي بي سي أن ذلك أدى إلى طلبات تسليم من جميع الدول التي لديها اتفاقيات تسليم مع فرنسا. ويحد هذا بشدة من قدرته على السفر دوليا أو إجراء معاملات مالية أو قانونية.
وأشار إلى أن الأسد يعتبر حالياً “فاراً من العدالة” لوجود مذكرة توقيف رسمية بحقه. وقال عبد الغني إنه إذا لم تقم روسيا بتسليمه فإنه سيظل هاربا من العدالة.
ويتابع: «الشخص الذي لم توجه إليه أي تهمة جنائية سيحضر أمام المحكمة ويدافع عن نفسه، خاصة إذا كانت المحاكمة عادلة ومستقلة».
يقول: “تتمتع المحاكم الأوروبية التي تنظر في هذه القضايا بدرجة عالية من النزاهة والاستقلالية عن السلطة التنفيذية. ولا تربطها أي صلة بمحاكم نظام الأسد، التي كانت أشبه بمسالخ بشرية تفتقر حتى إلى أبسط المعايير القانونية”.
ووصف الأسد بأنه شخص “لا يزال يفترض أن كل المحاكم في العالم تعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها هو، حيث يتم انتزاع الاعترافات بالقوة، دون أن يدرك أن العدالة الحقيقية تعتمد على الأدلة والإجراءات القانونية الواجبة”.
ويشير عبد الغني إلى حجم انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان ويصفها بـ”الجسيمة”. وأضاف أن “عدد ضحايا الاعتقال والتعذيب في سوريا تجاوز 1.3 مليون شخص، في حين يقدر عدد المختفين قسراً لدى النظام بأكثر من 115 ألف شخص، وفقاً لأدنى التقديرات المتاحة”.
وأكد عبد الغني أنه تحدث شخصيا مع القاضي المسؤول وقدم العديد من البيانات وإفادات الشهود، وهو ما جعله “قلقا للغاية بشأن القرار”.
وفيما يتعلق بموقف روسيا من محاكمة الأسد، يرى عبد الغني أنه بعد فترة من الزمن قد تدفع موسكو نحو تسليمه للحكومة السورية.
ويوضح: “إن المصالح الاستراتيجية لروسيا لها الأولوية، وهي تحاول حماية مصالحها في سوريا من خلال استخدام موانئها وحل قضية قواعدها العسكرية، بالإضافة إلى دورها في إعادة تسليح الجيش السوري”.
ويقول عبد الغني إن الاستسلام الروسي للأسد سيكون بمثابة اعتذار ضمني للشعب السوري واعتراف بالجرائم التي ارتكبتها روسيا نفسها خلال الحرب.
لكن عبد الغني يعتقد أن روسيا إذا لم تسلم الأسد فإنها ستواجه ضغوطاً قانونية وسياسية متزايدة. ويقول إن حكم المحكمة يمثل عامل ضغط كبير لأن روسيا تؤوي مجرمًا مطلوبًا من قبل المحاكم الأوروبية، وهو ما سيضر أكثر بسمعته الدولية.
4 خيارات أمام المحكمة الجنائية
ويتوافق تصريح عبد الغني مع رأي خبير القانون الدولي أسامة أبو زيد، الذي قال لبي بي سي إن مذكرة التوقيف التي أصدرها القضاء الفرنسي تمثل تطوراً كبيراً وتؤكد مبدأ عدم سقوط جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بالتقادم، وأن الرؤساء السابقين لا يفلتون من العقاب بعد فقدانهم السلطة.
وأضاف أبو زيد أن هذه الخطوة تمثل تأكيدا على مبدأ الولاية القضائية العالمية، وهو ما قد يشجع دولا أخرى على اتخاذ قرارات مماثلة، وهو ما سيزيد بدوره الضغوط على الأسد وحاشيته.
وفي الممارسة العملية، وفقاً لأبو زيد، فإن مذكرة التوقيف لن تؤدي إلى اعتقال الأسد بشكل فوري، لكنها ستقيد خيارات سفره، وخاصة إلى البلدان التي تعترف بالأحكام القضائية الفرنسية، مثل دول الاتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك، فإنه يضع ضغوطا مباشرة على روسيا، التي تمنحه حاليا اللجوء والحماية.
ويشير أبو زيد إلى أن هذه الحماية قد تصبح مؤقتة وغير مؤكدة على المدى المتوسط والطويل بسبب استمرار إصدار مذكرات التوقيف الدولية.
وفي رأيه، فإن المذكرة وضعت الأسد في حالة من العزلة الرمزية العميقة. ويشير إلى “ملايين السوريين الذين يعانون من العزلة والنزوح نتيجة سياسات الأسد، والذين سافروا عبر البحر هربًا من التعذيب. لذا، فإن إخضاعه لهذا الضغط جزء من عملية تحقيق العدالة، حتى لو كان ذلك على نطاق ضيق”.
ورغم أن سوريا لم تنضم إلى نظام روما الأساسي، فإن هذا لا يعني أنه لا يمكن إحالة الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية. ويقترح أبو زيد أربع طرق لتحقيق ذلك:
* إحالة قضية سوريا إلى المحكمة من قبل مجلس الأمن الدولي. وكان هذا الخيار مستبعدا في السابق بسبب حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به روسيا والصين. ومع ذلك، فإن الظروف الحالية تجعل هذا السيناريو أكثر احتمالا.
*تعتمد الاختصاصات القضائية على جنسية الضحايا. وإذا كان هناك ضحايا سوريون من مواطني دول وقعت على نظام روما، مثل فرنسا وألمانيا والسويد، فقد تعتبر المحكمة نفسها مختصة بالتحقيق في الجرائم المرتكبة ضدهم.
* إحالة الجرائم من قبل دولة طرف إلى المحكمة، كما فعلت بنغلاديش في قضية الروهينجا ضد ميانمار، حيث اعتمدت المحكمة على نظرية الجرائم العابرة للحدود الوطنية لأن النزوح القسري امتد إلى بنغلاديش، وهي دولة طرف في نظام روما الأساسي. وعلى نحو مماثل، يمكن للأردن، الذي استضافت ملايين اللاجئين السوريين، أن يقدم الجرائم المرتكبة ضدهم إلى العدالة.
*فتح المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تحقيقا، كما حدث في أوكرانيا، حيث تم فتح التحقيق دون إحالة من مجلس الأمن ولكن بناء على طلب الحكومة الأوكرانية. إذا انضمت الحكومة السورية الجديدة إلى نظام روما، فقد تتمكن من التقدم بطلب رسمي إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم المرتكبة خلال حكم الأسد.
ولم يستبعد أبو زيد أن تصدر دول أخرى مذكرات اعتقال مماثلة، حيث يتم تطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية بشكل متزايد، وألمانيا تستخدمه بالفعل لمقاضاة مسؤولين في النظام السوري مثل أنور رسلان.
وأشار إلى أن دولاً مثل إسبانيا والسويد وهولندا تلقت شكاوى من سوريين متضررين، وهو ما قد يدفعها إلى اتخاذ إجراءات مماثلة لفرنسا.
ويرى أبو زيد أن مذكرة التوقيف الفرنسية تمثل نقلة نوعية في عملية المحاسبة، ويؤكد أن سقوط النظام لا يعني انتهاء الدعوات لمحاكمة الأسد. ويضيف: “أعتقد أن السؤال لم يعد ما إذا كان بشار الأسد سيُقدم للعدالة، بل متى وأين”.
مصائر السياسيين المعزولين بين المحاكمة والهروب
على مر التاريخ، سعى العديد من السياسيين المخلوعين إلى اللجوء في بلدان أخرى بعد سقوط أنظمتهم. لكن مصيرهم كان مختلفا ويعتمد على العوامل السياسية والدبلوماسية التي حددت الفترة التي تلت هروبهم. وتم تسليم بعضهم في وقت لاحق لمواجهة المحاكمة، في حين تمكن آخرون من العيش في المنفى دون مواجهة العدالة بفضل حماية البلدان التي لجأوا إليها ورفض تسليمهم.
ومن ناحية أخرى، هناك زعماء فروا إلى بلدان أخرى ولكن تم تسليمهم وتقديمهم للمحاكمة بسبب ضغوط سياسية أو قانونية. ومن أبرزهم تشارلز تايلور، الرئيس الليبيري السابق، الذي لجأ إلى نيجيريا بعد الإطاحة به في عام 2003، حيث منحته السلطات هناك اللجوء السياسي. لكن الضغوط الدولية استمرت، وفي عام 2006 اضطرت نيجيريا إلى تسليمه. وأدين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وحكم عليه بالسجن لمدة 50 عامًا.
وقد حدث مشهد مماثل في قضية ألبرتو فوجيموري، الرئيس السابق للبيرو، الذي فر إلى اليابان في عام 2000 بعد الإطاحة به من منصبه بسبب فضائح الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.
ورغم أن اليابان، التي يحمل جنسيتها، رفضت تسليمه، فقد حاول العودة إلى السياسة عبر تشيلي في عام 2005. وهناك تم اعتقاله وتسليمه إلى بيرو في عام 2007. وهناك حوكم بتهمة الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان وحُكم عليه بالسجن لمدة 25 عامًا.
ولم تكن هذه هي الحالات الوحيدة التي تم فيها تسليم سياسيين بارزين بعد هروبهم. فر مانويل نورييغا، الذي حكم بنما بقبضة من حديد، إلى سفارة الفاتيكان بعد الغزو الأميركي لبنما في عام 1989، لكنه لم يجد أي مخرج. ألقت الولايات المتحدة القبض عليه وحاكمته بتهمة غسيل الأموال والاتجار بالمخدرات.
وفي وقت لاحق، بعد أن قضى عقوبته، تم تسليمه إلى فرنسا، حيث حوكم مرة أخرى قبل أن يتم تسليمه أخيرًا إلى وطنه، حيث قضى أيامه الأخيرة في السجن.
لم يتمكن سلوبودان ميلوسيفيتش، الرئيس السابق ليوغوسلافيا، من الهروب من العدالة رغم بقائه في صربيا بعد سقوط البلاد في عام 2000. وفي العام التالي، تم اعتقاله وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، حيث وجهت إليه اتهامات بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية. توفي في السجن عام 2006 قبل صدور الحكم النهائي.
في المقابل، هناك زعماء نجحوا في الإفلات من الملاحقة القضائية بعد هروبهم لأن الدول التي فروا إليها وفرت لهم الحماية ورفضت تسليمهم. ومن أشهرهم عيدي أمين الذي حكم أوغندا بوحشية قبل أن تتم الإطاحة به في عام 1979. وقد فر في البداية إلى ليبيا ثم استقر في المملكة العربية السعودية التي منحته اللجوء. وبقي هناك حتى وفاته في عام 2003 دون أن يتم تقديمه للعدالة عن جرائمه.
وتكرر السيناريو نفسه في قضية جان كلود دوفالييه، الديكتاتور الهايتي، الذي لجأ إلى فرنسا بعد الإطاحة بنظامه في عام 1986. ورفضت فرنسا تسليمه أو اتخاذ إجراءات قانونية ضده، على الرغم من المطالبات الشعبية بتقديمه للعدالة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها نظامه. وظل طليقا في المنفى حتى قرر العودة إلى هايتي في عام 2011. ومع ذلك، لم يخضع قط لإجراءات قانونية جادة حتى وفاته في عام 2014.
وفي أفريقيا، تمكن روبرت موغابي، الذي حكم زيمبابوي لعقود من الزمن، من الاستقالة بهدوء في عام 2017 بعد ضغوط داخلية. لكن لم تتم محاسبته قانونيا لأن القيادة العسكرية الحاكمة آنذاك ضمنت له الحصانة من الملاحقة القضائية حتى وفاته في عام 2019.