مفتي الجمهورية: الله لا يحاسب العبد إلا على ما وقع في دائرة اختياره

منذ 4 شهور
مفتي الجمهورية: الله لا يحاسب العبد إلا على ما وقع في دائرة اختياره

الاستاذ الدكتور أكد سماحة الشيخ نذير عياد مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم أن الإنسان في واقع حياته يدرك تمام الإدراك أنه يتمتع بحرية الإرادة في تصرفاته. عندما يفعل الإنسان شيئاً فإنه يفكر ويخطط ويتأمل، وهذا وحده دليل كافٍ على حرية الإنسان ومسؤوليته عن قراراته.

جاء ذلك في بداية خطبته الرمضانية اليومية عبر برنامج “حديث المفتي”، رداً على سؤال يخطر على بال الناس كثيراً ويعكس إشكالية فلسفية عميقة وقديمة تتعلق بقضية القضاء والقدر والإجبار والاختيار، وهو: إذا كان الله تعالى قد قدر وكتب على الإنسان كل شيء، فلماذا العذاب؟

وأوضح أن الإنسان يعيش في مجتمع تسوده القوانين والقيم والضوابط، وأن كل من يخرج عن هذا النظام يتعرض للعقاب، ومن غير المقبول أن يدعي أنه أجبر على مخالفته. وهكذا هو الحال بالنسبة لله تعالى. لقد خلق الله الإنسان وأعطاه العقل والبلاغة، وأرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وأراه الطريق، ثم تركه حراً في الاختيار.

وأشار إلى أن المغالطة في هذا الأمر تنشأ من الخلط بين “المعرفة الإلهية الأزلية” و”الإكراه البشري”. إن علم الله تعالى بما سيفعله الإنسان لا يعني أنه يرغمه على فعله. إن معرفة الله هي معرفة كاشفة، وليست معرفة مؤثرة. الله يعلم ما يفعله الإنسان بإرادته، لكنه لا يرغمه على فعله.

ولتوضيح هذه الفكرة، أعطى مثالاً للمعلم الذي يعرف طلابه، ومن خلال الخبرة والعمل الجاد، يعرف من منهم سوف يتفوق ومن منهم سوف يفشل. فهل هذه المعرفة بالوضع هي سبب الفشل؟ أم أن النتائج هي نتيجة لمقدمات واضحة؟ وكذلك فإن علم الله تعالى لا يشكل إكراهاً، بل هو علم مسبق بما يختاره الإنسان لنفسه، ولذلك فإنه سوف يحاسب عليه.

وأوضح المفتي أن الله تعالى أعطى للإنسان عقلاً يميز به بين الخير والشر. ثم أرسل الرسل وأيّدهم بالكتب حتى يكون للناس حجة ولا يكون لهم عذر. وإن انقطعت الصلة بين النبي وقومه فإن الكتب السماوية تبقى دليلاً واضحاً بليغاً.

واستشهد بآيات تدل على حرية الإنسان واختياره، مثل قوله تعالى: {لا إكراه في الدين} [البقرة: 256]، وقوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن}. {وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، وقوله: {مَنْ عَمِلَ خَيْرًا فَلَنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِلَ أَسْوَأَ فَعَلَيْهَا}. وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعِبَادِ} [فصلت: 46]. وهذه نصوص تؤكد أن الإنسان حر في قراراته ومسؤول عن أفعاله.

وأكد المفتي في ختام كلمته أن الإنسان ليس مجبراً ولا حراً في ذلك، بل هو بين اثنين، وأن الله تعالى من فضله ورحمته لن يحاسبه إلا على ما هو من اختصاصه. كما أكد على إمكانية التغيير من خلال العمل الصالح والتأمل العقلاني في معنى القدر والاختيار، وضرورة التأمل في النصوص الدينية لفهم طبيعة العلاقة بين الخالق وعباده.


شارك