ماذا تعني دعوة مصر والسعودية وقطر “حماس” لتسليم سلاحها؟

منذ 3 أيام
ماذا تعني دعوة مصر والسعودية وقطر “حماس” لتسليم سلاحها؟

في إعلان سياسي صدر خلال مؤتمر دولي بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، دعت 17 دولة، منها السعودية وقطر ومصر، حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى تسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية. وقد أثارت هذه الخطوة تساؤلات عديدة حول أهميتها.

وجاءت هذه الدعوة في إطار إعلان نيويورك الذي شاركت في صياغته المملكة العربية السعودية وفرنسا، التي ترأست المؤتمر، والذي حظي بدعم 15 دولة أخرى، بما في ذلك البرازيل وكندا وتركيا والأردن والمملكة المتحدة، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.

وشدد البيان على ضرورة إنهاء الحرب الدائرة في قطاع غزة وتمهيد الطريق لإطلاق عملية سياسية “جادة وملموسة” تؤدي إلى تسوية شاملة ودائمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين.

1_1_11zon

ماذا يعني هذا؟

في هذا السياق، أوضح الدكتور أحمد فؤاد، المحلل المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، في تصريحات خاصة لايجي برس، أن المرحلة الراهنة تتطلب تحليلًا دقيقًا للمشهد الفلسطيني. وأكد على ضرورة التمييز بين القضية الفلسطينية كمشكلة وطنية شاملة، وقطاع غزة كجزء من هذا الكيان الأكبر، الذي لا يمثل المشكلة بأكملها، ولا يقتصر على حركة حماس.

أكد فؤاد أن غزة ليست حماس، وأن قطاع غزة لا يمكن حصره في المقاومة فقط. وأشار إلى أن بعض فصائل المقاومة لا تنتمي إلى الحركة. وأضاف أن أحداث الأشهر الأخيرة، وإن كانت تُمثل تطورًا نوعيًا على الصعيدين السياسي والمقاومة، إلا أنها كشفت أيضًا عن انقسامات داخلية واضحة، لا سيما الفجوة بين “حماس في الداخل” و”حماس في الخارج”.

وأشار إلى أن قيادة حماس في الخارج فقدت صلتها بالواقع الفلسطيني، وذلك بسبب سنوات من البعد الجغرافي عن قطاع غزة والمعاناة اليومية لسكانه. كما أنهم كانوا يعيشون حياة رغدة، ويقيمون في فنادق فاخرة، ويتنقلون بين عواصم العالم، ويلتقون بالسياسيين، مما أضعف نظرتهم للواقع على الأرض، مقارنةً بمن وصفهم بـ”الناشطين والصامدين”.

فيما يتعلق بإدارة قطاع غزة، أشار الدكتور فؤاد إلى وجود إجماع شعبي واسع على أن حماس لن تدير القطاع مباشرة في المرحلة المقبلة، بل سيتم تشكيل لجنة دعم أو حكومة تكنوقراطية لتولي هذه المسؤولية الجسيمة. وأكد أن “إدارة قطاع غزة ليست مكسبًا سياسيًا كما يعتقد البعض، بل عبء ثقيل، نظرًا للتدمير الشامل للبنية التحتية وتعقيد عملية إعادة الإعمار”.

2_2_11zon

وصرح بأن الجهات المانحة الدولية ستستبعد حماس من الإدارة التنفيذية لقطاع غزة. ويبدو أن جناح المقاومة في الحركة قبل هذا الشرط، مدركًا أن وجوده على رأس المسرح السياسي سيُعطّل عملية إعادة الإعمار.

مع ذلك، أكد فؤاد أن “سلاح المقاومة” سيبقى العامل الحاسم في أي حل. ورأى أنه إذا استمرت المقاومة المسلحة خارج إطار الحكومة، فإن غزة ستقترب من “النموذج اللبناني”. هذا النموذج يتصور حكومة رسمية وجيشًا نظاميًا، بينما يحتفظ فصيل مقاوم بسلاحه بحجة استمرار الاحتلال. وأكد أن هذا النموذج “هو الأقرب إلى الواقع، ويمثل حلاً توافقيًا، بعيدًا عن المزايدة والشعارات الرنانة”، على حد تعبيره.

حذّر الدكتور غسان معلوف، المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، من خطورة الدعوات لإقصاء حماس كليًا عن السلطة الفلسطينية والمشهد السياسي، سواءً في قطاع غزة أو الضفة الغربية المحتلة. وأشار إلى أن مثل هذا المقترح ستكون له عواقب وخيمة تهدد الوحدة الفلسطينية، وتخدم أهداف إسرائيل دون مقابل.

وأضاف معلوف: “إذا كان الهدف هو حرمان حماس من أي دور سياسي سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، فإن هذا المسار سيخلق انقساما عميقا وخطيرا بين الفلسطينيين وقد يتطور إلى صراع داخلي له عواقب مدمرة”.

3_3_11zon

أكد معلوف أن المطالبة بإقصاء فصيل معين لم تكن في الأصل فكرة فلسطينية أو عربية، بل نابعة من “مطلب أمريكي-إسرائيلي” يهدف إلى استئصال الحركة تمامًا من المشهد السياسي. وأوضح أن نجاح هذا المسعى سيكون “مكسبًا استراتيجيًا هائلًا لإسرائيل، يحقق سياسيًا ما عجزت تل أبيب عن تحقيقه عسكريًا”، ولن يعود بالنفع على أي طرف عربي.

لا يرى معلوف أن نزع سلاح حماس يُمثل أزمة. ويرى أن الخيار الأمثل هو إعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية والعودة إلى المؤسسات الفلسطينية. وهذا من شأنه أن يُمكّن من توحيد جميع الفصائل الفلسطينية، بما فيها حماس، تحت مظلة واحدة، ويعزز العمل السياسي الوطني خدمةً للمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني.

قال الدكتور معلوف: “لا يتعلق الأمر بإقصاء طرف فلسطيني على حساب طرف آخر، بل بالعودة إلى المؤسسات الفلسطينية الجامعة، وإعادة بناء العمل السياسي على أسس تشاركية، ليتمكن الجميع من المشاركة في صنع القرار والمستقبل”. وأكد أن الوحدة الوطنية الفلسطينية ليست خيارًا تكتيكيًا، بل ضرورة استراتيجية، إذ إن استئثار طرف واحد بصنع القرار ستكون له عواقب وخيمة.

4_4_11zon

التوقعات المستقبلية

في تقييمه للتطورات الإقليمية والدولية، أكد فؤاد أن الرواية الإسرائيلية بدأت بالانهيار. فحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، رغم شعاراتها الكبرى “النصر الكامل” والتوسع وضم المزيد من الأراضي، فشلت في تحقيق أهدافها. وأضاف: “لم تنجح إسرائيل في إطلاق سراح الأسرى، ولا في إجبار حماس على رفع راية الاستسلام. ولم يعد العالم يصدق مزاعم تل أبيب بعدم وجود مجاعة في غزة”.

وأشار إلى أن المجتمع الدولي بدأ يتحدث بوضوح عن “الدولة الفلسطينية”، وهو ما اعتبره تغطية جزئية على الجرائم المرتكبة ومحاولة للتعويض عن صمود أهالي قطاع غزة “الأسطوري”.

وكان المفاجأة الأكبر، من وجهة نظره، هي التغير في موقف بريطانيا، حليف إسرائيل التاريخي، واعتبر أن “تراجع دعم بريطانيا لإسرائيل كان بمثابة ضربة خطيرة ومفاجئة”.

وفيما يتعلق بالدور الإقليمي، قال فؤاد إن الموقف العام لمصر وقطر هو أن حماس لن تتولى الإدارة المباشرة لقطاع غزة، بل سيتم تشكيل حكومة تكنوقراط أو لجنة مشتركة، فيما ستحتفظ حماس، كما وصفها، بـ”حق النقض” على بعض الوزارات أو القرارات.

5_5_11zon

فيما يتعلق بمستقبل الحكم، أعرب معلوف عن تفاؤله بتشكيل حكومة موحدة تضم جميع الأطراف. ويعتقد أن ذلك “سيكون أداة تفاوضية فعّالة في المفاوضات المقبلة”.

فيما يتعلق بمسألة السلاح، قال معلوف إن حصر السيطرة من خلال سلطة فلسطينية موحدة هو الحل الأمثل، إذ يسمح بتشكيل وحدات عسكرية وطنية من جميع الفصائل تحت إدارة مركزية. وبالتالي، لا خطر ولا مشكلة في مسألة السلاح، إذ يُنظّم ويُراقَب من قِبل المؤسسات الوطنية، على حد قوله.

وأكد معلوف أن استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية تعني توحيد كافة السلطات والهيئات بحيث تشارك كافة الفصائل في معالجة الوضع السياسي وفي المفاوضات وفي طرح المطالب الفلسطينية.

6_6_11zon

استخدام إسرائيل كذريعة

وقال الدكتور حسن لافي، المحلل المتخصص في الشأن الإسرائيلي، لموقع ايجي برس، إن انسحاب حماس من السلطة لا يعني نهاية الحركة كحركة مقاومة فلسطينية، بل هو خطوة استراتيجية تزيل أي ذريعة للاحتلال الإسرائيلي.

وقال لافي إن تداعيات السابع من أكتوبر والحرب المدمرة التي تلتها في غزة تتطلب التفكير خارج الإطار التقليدي والعمل على كشف المشروع الإسرائيلي الحقيقي للتهجير من خلال إنهاء حكم حماس كذريعة لمواصلة الحرب.

أوضح لافي قائلاً: “بمجرد سقوط حماس في السلطة، يُثبت استمرار العدوان أنه مشروع طرد واضح دون أي غطاء أخلاقي أو أمني”. وأشار إلى أن انسحاب حماس من قطاع غزة لا يُلغي حماس كحركة مقاومة فلسطينية ولا يحرمها من قاعدتها، بل هو حرمان الحكومة الإسرائيلية من أهم ذريعة لمواصلة الحرب.

7_7_11zon

وأشار إلى أن هذا التغيير من شأنه أن يحرر الشأن الفلسطيني من الابتزاز العسكري الإسرائيلي، ويجعله شأناً فلسطينياً داخلياً يمكن مناقشته في إطار وطني شامل.

وأضاف: “بهذه الخطوة، تنتقل حماس من سلطة مُحاصرة إلى حركة تحرير تتصرف بمسؤولية استراتيجية”. وأكد أن هذه الخطوة ستمنح الشرعية الدولية لجميع التحركات الفلسطينية في وقتٍ تتعرض فيه إسرائيل لضغوط سياسية من الحكومة الأمريكية والمجتمع الدولي.


شارك