الخطة نصر.. كواليس اللحظات الأخيرة قبل قيام ثورة 23 يوليو

منذ 7 ساعات
الخطة نصر.. كواليس اللحظات الأخيرة قبل قيام ثورة 23 يوليو

يصادف اليوم، 23 يوليو، الذكرى الثالثة والسبعين لثورة يوليو عام 1952. قادت هذه الثورة نخبة من ضباط الجيش المصري، واحتضنتها لاحقًا قطاعات واسعة من الشعب، ووحدت الإرادة الوطنية لإنهاء عهد الملكية وبدء عهد جديد في تاريخ البلاد.

سبقت الثورة العديد من المؤشرات والمؤشرات على التغيير الوشيك. بعد هزيمة العرب في حرب فلسطين عام ١٩٤٨، ساد عدم الاستقرار السياسي في مصر. واتُّهم مسؤولون حكوميون رفيعو المستوى بالتواطؤ في الهزيمة لتحقيق مكاسب مالية من خلال ما يُسمى “تجارة الأسلحة الفاسدة”.

ثم تعثرت مفاوضات الجلاء مع البريطانيين، مما دفع مصطفى باشا النحاس إلى إلغاء معاهدة عام ١٩٣٦، وهي إحدى الإجراءات الرامية إلى تحسين العلاقات مع بريطانيا العظمى مقابل جلائها عن مصر. وأعقب ذلك حرق القاهرة، مما أدى إلى سلسلة غير مسبوقة من التغييرات الوزارية. وفي الوقت نفسه، تقرر إلغاء نتائج “نادي الضباط” الذي كان مؤيدًا للواء محمد نجيب. ساهمت كل هذه الأعمال التحضيرية في تأجيج الغضب ضد النظام القائم.

خالد محيي الدين: قبل الثورة كان القصر علماً.

روى خالد محيي الدين، عضو تنظيم الضباط الأحرار، هذه اللحظات الحاسمة في مذكراته “الآن أتكلم”. صدرت الطبعة الأولى عام ١٩٩٢ عن مركز الأهرام للترجمة والنشر.

برأيه، كانت هناك معلومات مبكرة في القصر الملكي تفيد بوجود غضب ومجموعة يقودها ضباط يمكن أن يهددوا استقرار حكمه.

ويذكر موقفاً يؤكد ذلك: فقد التقى اللواء محمد نجيب بالوزير محمد هاشم “صهر حسين سري باشا رئيس الوزراء آنذاك”، والذي علم من خلاله نجيب ـ ولو من خلال زلة لسان ـ أن القصر لديه أسماء 12 ضابطاً مسئولين عن قيادة وتعبئة الضباط الأحرار.

ويضيف أن الأمر لم يقتصر على مجرد معرفة وجود منظمة معارضة، بل إن ساعة الصفر للثورة وصلت إلى القصر الملكي.

في مذكراته، يشرح محيي الدين هذا التسريب الدقيق: “الحقيقة أنه لم يتسرب من مصدر واحد، بل من مصدرين. الأول كان أحد الضباط الأحرار، الملازم أول حسن محمود صالح. أخبر زملاءه في المدفعية أن والدته راودتها الشكوك عندما ارتدى بزته العسكرية. فأبلغت شقيقه، اللواء المتقاعد صالح محمود صالح، الذي اتصل بحيدر باشا ليخبره أن شيئًا ما سيحدث تلك الليلة”.

وتابع: “تلقّى ضباط المدفعية هذا الخبر الصادم في السابعة مساءً، ولم يكن هناك مجال لتغيير الخطط. تفرّق الجميع واستعدوا للمغادرة. اكتفوا بإرسال الضابط سليمان إلى منزله ليطمئن والدته. لعلّ هذه الطمأنينة تنتقل إلى أخيه، ومنه إلى حيدر باشا”. وأكد أن الشكوك لم تهدأ، بل ازدادت حدةً بمعلومات من مصادر أخرى.

ويكشف محيي الدين أن المصدر الآخر هو الضابط ممدوح شوقي، ابن عم ثروت عكاشة، الذي حاول إغواء الضابط فؤاد كرارة، الذي أبلغ بدوره اللواء أحمد طلعت، محافظ العاصمة، الذي أبلغ القصر على الفور.

– اللقاء عند جسر القبة والمغادرة المبكرة

يوضح محيي الدين أن تسريب هذه المعلومات دفع القصر إلى عقد اجتماع عاجل لكبار قادة الجيش في كوبري القبة. ولم يُدعَ اللواء محمد نجيب، مما يُشير إلى تسريب معلومات عن صلته بالتنظيم.

ولحسن الحظ، كما يقول، علم نجيب بموعد الاجتماع من أحد المقربين، وتم اتخاذ القرار الحاسم: كان عليهم التحرك بسرعة واعتقال زعماء الاجتماع، وهو ما حدث بالفعل.

خطة “نصر” كتبت وأحرقت خلال ساعات.

في كتابه “سقوط النظام في 4 أيام: ثورة 23 يوليو في وثائق سرية” الصادر عام 1992 عن دار الشروق، يوضح الكاتب والمؤرخ محسن محمد أن اللجنة التأسيسية اجتمعت للمرة الأخيرة في الرابعة عصر الثلاثاء 22 يوليو في منزل خالد محيي الدين، قبل ثماني ساعات فقط من انطلاق الحركة التي أطلقوا عليها اسم “النصر”.

وأضاف أن زكريا محيي الدين، الذي شارك في الاجتماع لأول مرة مع جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين، وضع الخطة التفصيلية.

يُشار إلى أن الخطة كتبت على ست صفحات بخط عبد الحكيم عامر، وأضاف زكريا ملاحظاته، وقدم عبد الناصر بعض التعليقات.

وأضاف: “كانت الخطة أن تتواجد الوحدات المعنية في مواقعها عند الساعة الواحدة صباحا، وأن يتم التعرف على أسماء الضباط الذين سيتم اعتقالهم”.

ويشير إلى أن زكريا كان من أهم ركائز العملية، وأنه قرأ الخطة بنفسه على الحاضرين. ثم أُحرقت الوثائق على الفور.

ويزعم أن الخطة تضمنت أيضًا إغلاق طريق السويس وعزل منطقة المعسكر العسكري تحسبًا لتدخل أو عمل عسكري بريطاني محتمل في شبه جزيرة سيناء أو قطاع غزة.

-خطة في يومين

ويضيف محسن محمد أن عبد الناصر كان شديد الحذر، إذ لم يبلغ سوى 90 من أصل 267 ضابطاً حراً بتاريخ انتقالهم شفهياً ودون أي وثائق، وكان يتنقل بسيارته الأوستن السوداء الصغيرة.

ويخلص إلى أن الثورة المصرية كانت استثناءً نادرًا، إذ لم تكن تتعلق بالأعداد، بل بالسرعة والتصميم. وُضعت خطة كاملة في يومين فقط، وأُبلغت يدويًا للضباط قبل تنفيذها مباشرةً.


شارك