الأوطان ليست حفنة من تراب.. الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة المقبلة

منذ 29 أيام
الأوطان ليست حفنة من تراب.. الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة المقبلة

وحددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة المقبلة على النحو التالي: “الأوطان ليست حفنة من تراب”.

صرحت وزارة الأوقاف أن الهدف من هذه الخطبة هو التأكيد على أهمية العقل والوطن، والتحذير من الأفكار المتطرفة التي تُفسد الروح وتُدمر الوطن. كما أكدت أن حب الوطن من صميم التدين، وأن الحفاظ على المال والهوية والاقتصاد من أعظم مكارم الأخلاق.

الحمد لله رب العالمين، الذي هدا العقول بعجائب حكمته، ووسع الخلق بعظيم بركاته، وخلق الكون بعظمة تجلياته، وهدى أنبياءه ورسله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهًا واحدًا، صمدًا، صمدًا. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صفوة خلقه وحبيبه، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. والآن:

الوطن حكايةٌ تُروى عبر الأجيال، وروحٌ تُشعّ في كل زاويةٍ وعلى كل درب. الوطن شعبٌ عريق، وحضارةٌ شامخة، ومؤسساتٌ تبني، وانتصاراتٌ تُكتب بدماء أبطال، وعباقرةٌ صنعوا مجدهم، وعلماءٌ ومخترعون ومبدعون وقفوا على أعتاب المعرفة وأبهروا العقول، ومحاربون صنعوا المجد. الوطن يسكن فينا كما نسكنه.

أيها الناس، من يختزل هذا الكلّ الخالد الساحر في “حفنة تراب” فقد ارتكب إثمًا وطنيًا وحرّف مفهومًا عظيمًا. قال سيد الزهاد إبراهيم بن أدهم -رحمه الله- عن قيمة وطنه: “ما عانيتُ فيما خلّفتُ من فراق وطني أشدّ عليّ”.

أيها السادة، هذه الرسالة لمن قست قلوبهم على وطنهم. أليس في القرآن والسنة آيات وأحاديث تؤكد على أهمية الوطن؟ ألم يؤكد القرآن على قيمة الوطن في عشرات الآيات؟ ألم يربط الله تعالى بين مغادرة الوطن والانتحار حين قال: {وَلَوْ أَنَّا كَلِمْنَاهُمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوْ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ}؟ ألم يجعل الله تعالى الفرار من الوطن عقوبة لمن عصاه حين قال: {وَلَوْلاَ أَمْرَهُمْ اللَّهُ بِالْهَجْرِ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا}.

أيها الناس، هل تدركون أن الوطن ليس جمادًا بلا مشاعر، بل هو كائن حيّ يتنفس؟ ألم يخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعثته استقبله حجر؟ ألم يحن إليه جذع الشجرة وبكى شوقًا حتى استقر بين يديه المباركتين؟ ألم تطفو الحصى في كفه المباركة؟ ألم تشتكي إليه الحيوانات؟ كل هذا يدل على أن الكائنات الحية واعية تشعر.

يا عباد الله، تأملوا. الوطن يحزن ويفرح، يرضى ويغضب. فيه قيم وأخلاق، عادات وتقاليد، ولاء وانتماء، إخلاص ووفاء، حضارة وثقافة، وجمال يأسر القلب. إنه حنين إلى الماضي، حنين إلى القبور، وإحساس يسكن كل ذرة فيه. تأملوا قوله -صلى الله عليه وسلم- عن جبل أحد: “أحد جبل يحبنا ونحبه”. فكيف بوطن بأكمله؟

أيها الأحباب، ضرب لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حب الوطن. قال سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفر فنظر إلى أسوار المدينة نزل عن دابته، وإذا ركب دابة حركها حبًا لها”. وعلق الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله على هذا الحديث في “فتح الباري” فقال: (وفي هذا الحديث دليل على جواز حب الوطن والشوق إليه). وعبّر الإمام ابن الجوزي رحمه الله عن هذا الحب الفطري بقوله: “كانت العرب إذا سافروا يحملون معهم تراب بلادهم ليشفوا من مرضهم”.

أيها النبلاء… احترموا وطنكم، فالوطنية ليست شعاراتٍ عابرة، بل هي عملٌ جادٌّ وإتقانٌ في كلِّ موقع. الموظف الأمين، والعامل الماهر، والطالب المجتهد، والمعلم المخلص، والطبيب الدقيق، والتاجر الأمين، كلُّهم يبنون وطنهم بإخلاصهم، وبالحفاظ على هويته الثقافية والدينية، ولغته السامية والإبداعية، ومؤسساته العامة.

فلتحفظنا بركات مصر سالمين محفوظين منصورين ببركة الدعوات الصالحة من آل البيت الكرام.

ونص خطبة الجمعة بعد الفاصل:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين. والآن:

أيها الناس، إن حب الوطن يتجلى في أفعالنا، وفي حرصنا على كل ما يخص هذا الوطن. وأولى هذه المظاهر وأكثرها وضوحًا هي حماية الممتلكات العامة التي هي ملك لنا جميعًا. هذه الممتلكات يا إخوتي ملك لنا جميعًا. ومن أمثلة ذلك حماية وسائل النقل العام، ومنها القطارات، فهي شريان الحياة الذي يربط أجزاء الوطن. فهل يُعقل رميها بالحجارة؟ كيف يُعقل إتلاف قطار والعبث بمرافقه التي يستفيد منها الركاب؟ وهل يُرضَى أن يُصاب أو يُقتل شخص نتيجة لذلك؟ من يفعل ذلك لا يُدرك أنه يُعيق تقدم وطنه، ويُؤخر مسيرة التنمية، ويؤثر سلبًا على آلاف المواطنين الذين يعتمدون على هذه الوسيلة الحيوية من وسائل النقل.

أيها الأصدقاء، اعلموا أن من أهم مظاهر الوطنية الحفاظ على هويتنا الثقافية الأصيلة ولغتنا العربية الأصيلة. هويتنا الثقافية تعكس تاريخنا وحضارتنا وقيمنا. وركيزة هذه الهوية هي لغتنا العربية، لغة القرآن الكريم، لغة آبائنا، التي بها نفكر ونتواصل ونعبر. فهل يقبل الوطني أن تضعف لغته، وتُهمل ألفاظها، ويعتمدها الأجانب؟ إن الاعتزاز بلغتنا، واستخدامها على الوجه الصحيح، وتشجيع أبنائنا على تعلمها وإتقانها، من أركان الوطنية الأساسية. فالحفاظ على ثقافتنا ولغتنا يحفظ إرث أجدادنا، وهو لبنة في بناء مستقبل أبنائنا.

إن الوطنية العملية تُسهم في تنمية اقتصادنا الوطني، فهو عصب الحياة ومحرك التنمية. كل جهد نبذله في عملنا، وكل إخلاص في عملنا، وكل إتقان في مهنتنا يخدم الاقتصاد الوطني. شراء المنتجات المحلية، ودعم الصناعات الوطنية، وتشجيع الاستثمار، ومحاربة الفساد، كلها خطوات عملية تُعزز اقتصادنا، وتوفر فرص عمل لأبنائنا، وتُساعد بلدنا على تحقيق الاعتماد على الذات والتقدم. الجندي الذي يدافع عن وطنه، والعامل الذي يُخلص في عمله…


شارك