في اكتشاف مذهل.. علماء يوثقون “أبراج حية” تبنيها الديدان في الطبيعة

الوكالات
لاحظ علماء في ألمانيا مؤخرا سلوكا معماريا غير عادي في الكائنات الحية الدقيقة المعروفة باسم الديدان الخيطية، وهي كائنات مجهرية موجودة في جميع أنحاء التربة على سطح الأرض.
بعد أشهر من المراقبة الدقيقة للتفاح والكمثرى الفاسدة في البساتين المحلية، وثّق باحثون من معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان وجامعة كونستانس آلافًا من هذه الديدان الصغيرة، لا يتجاوز طول كل منها مليمترًا واحدًا. تسلقت فوق بعضها البعض، وبنت هياكل حية يصل حجمها إلى عشرة أضعاف حجم أعضائها الفردية.
لفهم أسرار هذه الظاهرة الفريدة، أحضر فريق العلماء عينات من ديدان الربداء الرشيقة (C. elegans) إلى المختبر لتحليل سلوكها. وهناك، لاحظ الباحثون أنه في غضون ساعات قليلة، تتجمع الديدان معًا في كتل مرنة، تمتد منها بعض الأفراد كأذرع استكشافية، تستشعر محيطها وتشارك في بناء الأبراج.
وتُظهر النتائج، التي نشرت يوم الخميس في مجلة Current Biology، أن هذه الهياكل ليست مجرد مجموعة عشوائية، بل وحدة منظمة تتحرك وتتفاعل كما لو كانت كائنًا حيًا واحدًا.
وتقول سيرينا دينج، قائدة الدراسة ورئيسة مجموعة أبحاث الجينات والسلوك في معهد ماكس بلانك: “ما رأيناه لم يكن مجرد مجموعة من الديدان، بل كان كائنًا جماعيًا منظمًا للغاية يعمل كوحدة منسقة”.
الأبراج الحية والمتحركة
لدراسة غرض هذا السلوك الغريب، عرّض الباحثون الأبراج لمحفزات مختلفة، مثل اللمس أو اقتراب ذبابة. وكانت النتائج مذهلة: مع كل مُحفّز، كان البرج بأكمله يتحرك نحو الجسم، وأحيانًا يلتصق بجسم معدني أو يمسك بالذبابة نفسها.
توضح دانييلا بيريز، الباحثة الرئيسية في الدراسة، أن “استجابتها سريعة ومحددة الهدف. ويبدو أن هذه الديدان تتعاون وتتحرك كوحدة واحدة تجاه أي مُحفِّز خارجي”.
ويشتبه الباحثون في أن هذا السلوك الجماعي للديدان الخيطية قد يكون وسيلة فعالة للهجرة إلى بيئات جديدة من خلال الارتباط بكائنات أكبر مثل الحشرات، والتي تنقلها بعد ذلك إلى مصادر غذائية جديدة – مثل الفاكهة المتعفنة، وهي بيئة مثالية لنموها وتكاثرها.
يُضيف بيريز: “من الصعب تخيّل أن كائنًا حيًا بحجم مليمتر واحد يستطيع قطع مسافات طويلة بمفرده. لكن عندما تعملون معًا في مجموعة، تكون فرص النجاح أكبر بكثير”.
ولاحظ العلماء أيضًا أن هذه الديدان يمكنها استخدام أجسامها لتشكيل “جسور” تعمل على سد الفجوات في أطباق بتري في المختبر، مما يساعدها على الانتقال من سطح إلى آخر.
وعلق أوريت بيليج، أستاذ علوم الكمبيوتر في معهد بيوفرونتيرز في جامعة كولورادو بولدر، والذي لم يشارك في الدراسة، قائلاً: “يفتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة لفهم السلوك الجماعي للكائنات الحية الدقيقة ويمنحنا الفرصة لدراسة كيفية إدراكهم للعالم وتفاعلاتهم الداخلية المعقدة”.