هل تحاول إدارة ترامب إعادة تشكيل الجيش الأمريكي ليخدم أجندتها السياسية؟

منذ 14 ساعات
هل تحاول إدارة ترامب إعادة تشكيل الجيش الأمريكي ليخدم أجندتها السياسية؟

في وقت تتزايد فيه المخاوف من خضوع الجيش الأميركي للبيت الأبيض واستخدامه لأغراض سياسية، أثار القرار الأخير الذي اتخذه وزير الدفاع بيت هيجسيث بطرد نحو 20% من القيادة العسكرية جدلاً واسعاً في الكونجرس الأميركي.

ويعيد هذا القرار، الذي وصفه بعض المشرعين بأنه “متفجر سياسيا”، إلى الواجهة النقاش الساخن حول الاستقلال العسكري في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وفي الوقت نفسه، تُتهم الإدارة الحالية بتعزيز قبضتها على المؤسسات المستقلة، وخاصة وزارة الدفاع (البنتاغون).

هل تحاول إدارة ترامب إعادة هيكلة البنتاغون أو فرض الولاء؟

دونالد ترامب

يقول مهدي عفيفي، عضو الحزب الديمقراطي الأميركي والمحلل السياسي، إن وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث أعلن في تحقيق بالكونجرس أنه سيقيل ما لا يقل عن 20% من قادة الحرس الوطني و10% من قادة فروع القوات المسلحة الأخرى. وبرر هذه الخطوة بأن عدد القادة كبير جداً، وأن هناك إمكانية لدمج قيادات بعض المناطق المتقاربة جغرافياً، مثل قيادتي أوروبا وشمال أفريقيا.

وفي حوار مع ايجي برس، قال الدكتور مهدي عفيفي، إن هذا القرار لاقى مقاومة من بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي. واعتبروا أن بعض عمليات الفصل هذه ذات “دوافع سياسية” ومحاولة من البيت الأبيض لكسب ولاء الجيش. لكن هذا ليس شائعًا ولا مقبولًا في النظام الأمريكي.

ويشير إلى أن سبباً آخر لرفض القرار هو الخبرة الطويلة التي تتمتع بها قيادة الجيش في إدارة مناطق مختلفة حول العالم. وقد يؤدي هذا إلى تقليل فعالية العمليات العسكرية الأميركية في مناطق مختلفة من العالم.

ويشير عفيفي إلى أن وزير الدفاع الحالي بيت هيجسيث معروف بخلافاته واختلافاته مع عدد من القادة العسكريين، وكثير منهم يتمتعون بخبرة وأقدمية أكبر منه. وهذا أحد الأسباب التي دفعت بعض أعضاء الكونجرس إلى الاعتراض على قراراته الأخيرة.

2

وأعرب عضو الحزب الديمقراطي عن اعتقاده بأن هذا القرار سيتم تمريره في الكونغرس الأميركي على الرغم من الانتقادات، كما هو الحال مع العديد من القرارات السابقة، لأن الحزب الجمهوري يسيطر على الكونغرس.

وأكد أن هناك محاولات لتسييس المؤسسة العسكرية، من بينها تقليص عدد عناصرها وإعادة ترتيب بعض المناصب. كما أشار إلى إقالة جو كاسبر، رئيس هيئة موظفي وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث. كاسبر هو المسؤول الخامس في البنتاغون الذي يترك منصبه خلال إدارة ترامب.

تسريبات الإشارات وأزمة الثقة

وتابع عفيفي: الفضيحة التي أحاطت بتطبيق سيجنال لعبت أيضًا دورًا في هذا القرار. وقد وقعت هذه الحادثة مرتين: في المرة الأولى، في مارس/آذار الماضي، عندما انضم رئيس تحرير مجلة أتلانتيك جيفري جولدبريدج عن غير قصد إلى محادثة سرية شملت مستشار الأمن القومي مايك والتز، ووزير الدفاع بيت هيجسيث، ونائب الرئيس جيه دي فانس. ناقش مسؤولون حكوميون كبار خططا عسكرية سرية لشن هجوم على جماعة الحوثي في اليمن.

ووقعت الحادثة الثانية في أبريل/نيسان الماضي، عندما أثار وزير الدفاع الأميركي جدلاً بعد أن كشفت صحيفة نيويورك تايمز، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن هيجسيث شارك معلومات عسكرية سرية تتعلق بالغارات الجوية في اليمن من خلال مجموعة دردشة على تطبيق سيجنال.

وتضمنت الرسائل التي نشرها هيجسيث جداول دقيقة للهجمات على مواقع أنصار الله (الحوثيين) في اليمن. وبحسب المصادر فإن المجموعة التي أبلغها وزير الدفاع بهذه التفاصيل شملت زوجته وشقيقه ومحاميه، بالإضافة إلى نحو عشرة أشخاص آخرين من دائرته الشخصية والمهنية.

وأثارت الحادثتان قلقا داخل الحكومة الأميركية، ما دفعها إلى البحث عن “أفراد موثوق بهم” مقربين من وزير الدفاع، وفي الوقت نفسه، تحديد هوية بعض القادة الموالين للرئيس دونالد ترامب. وأعلن الأخير أيضًا أنه نصح موظفيه بعدم استخدام تطبيق Signal بعد التسريبات.

3

ويرى المحلل السياسي الدكتور مهدي عفيفي أن المحاولات المتكررة لربط المؤسسة العسكرية بالنخبة السياسية لن تنجح لأن الجيش الأميركي مستقل عن المؤسسات الأخرى. وأشار إلى أن الأمر لا يقتصر على المؤسسة العسكرية، بل إن الحكومة الأميركية حاولت أيضاً أن تفعل الشيء نفسه مع القضاء والمحكمة الدستورية العليا.

خلال فترة ولايته الأولى، رشح دونالد ترامب ثلاثة قضاة اعتبروا من اليمين المتطرف – وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث. ومع ذلك، ظلت السلطة القضائية مستقلة عن المؤسسة السياسية، ولم تكن أحكامها متأثرة بالرئيس الأميركي.

ويختتم الدكتور مهدي عفيفي كلمته بالقول إن هناك بالفعل محاولات لتسييس مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسسات المستقلة مثل الجيش والقضاء. ومع ذلك، لا تزال هناك مقاومة قوية في الكونجرس الأمريكي لتسييس هذه المؤسسات.

أصبحت حيادية الجيش الأميركي موضع اختبار في عهد ترامب.

4

وتتفق إيرينا تسوكرمان، عضو الحزب الديمقراطي، مع مهدي عفيفي، محامي الأمن القومي الأميركي وعضو مجلس إدارة مركز واشنطن لدراسات السياسة الخارجية، على أن إدارة ترامب تعمل على تسييس مؤسسات الدولة المستقلة وكسب ولائها للمؤسسة السياسية.

وقال زوكرمان في تصريح لموقع ايجي برس، إن الجيش الأمريكي احتل دائمًا مكانة خاصة في الحياة السياسية الأمريكية، استنادًا إلى مبادئ الحياد والانضباط والبعد عن التجاذبات الحزبية. ولكن رئاسة دونالد ترامب أعادت هذا التوازن التاريخي إلى الواجهة، من خلال القرارات المثيرة للجدل فيما يتصل باستقلال البنتاغون واحترام المعايير الديمقراطية.

وتشير إلى أن قرارات ترامب بشأن وزارة الدفاع والجهاز العسكري كانت موضع جدل سياسي وإعلامي كبير منذ توليه منصبه رئيسا للولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي. واتهمت حكومته مرارا وتكرارا بمحاولة استقطاب الجيش واستغلاله سياسيا لتحقيق أهداف انتخابية وشعبوية.

وتشير الدكتورة إيرينا تسوكرمان إلى أن القرارات تراوحت بين التعيينات المثيرة للجدل في مناصب عليا في البنتاغون إلى استخدام الرموز العسكرية في الأحداث السياسية الحزبية إلى محاولات إشراك الجيش في التعامل مع الاحتجاجات المحلية.

إصلاحات شكلية أم ولاء سياسي؟

دونالد ترامب

يوضح زوكرمان أن تفكيك المؤسسات الدفاعية في عهد ترامب كان موجها ضد ما يسمى “الدولة العميقة”، والتي كانت في الأصل عبارة عن شبكة بيروقراطية غير خاضعة للسيطرة. ولكن من وجهة نظر ترامب، أصبح المصطلح يستخدم الآن لإدانة أي مؤسسة لا تنفذ سياساته بشكل كامل. وهذا ينطبق بشكل خاص على أولئك الذين عارضوا سياساته، مثل الانسحاب من أفغانستان أو انتقاده لحلف شمال الأطلسي.

وتقول المحامية الأميركية للأمن القومي إيرينا زوكرمان إن القرارات التي أعلنتها إدارة ترامب لتحسين الكفاءة وخفض التكاليف كانت في الواقع محاولة لتشديد السيطرة على مؤسسة يراها أنصار ترامب المتشددون فاسدة ومعادية لأجندتهم. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي إقالة القادة المدنيين وإجراء اختبارات سرية للولاء.

ويعتقد زوكرمان أن هذه القرارات تهدف إلى إعادة توجيه مؤسسة كبيرة وراسخة الجذور مثل وزارة الدفاع، حيث تعد الطاعة السياسية أمرا أساسيا. إن أولئك الذين لا يشاركون الرئيس رؤيته ــ سواء من حيث المبدأ أو الجمود البيروقراطي ــ لا يُنظر إليهم باعتبارهم منحرفين، بل باعتبارهم عقبات يجب إزالتها.

وتتابع: “لم يكن هدف ترامب مجرد إثارة سياسية، بل إعادة تشكيل استراتيجية الدفاع من خلال تحويل التحالفات إلى اتفاقيات خدمة وتقليص البيروقراطية لصالح فرق سريعة الانتشار يقودها أتباع مخلصون لتنفيذ الأوامر بدقة ودون سؤال”.

حذرت الدكتورة إيرينا تسوكرمان من أن تسييس المؤسسة العسكرية يهدد بتقويض الروح المعنوية المحلية، وتآكل الثقة بين القيادة المدنية والعسكرية، وإضعاف المصداقية الدولية للولايات المتحدة، حتى لو بدا هذا مجرد انطباع.


شارك