هجرة الخلايا السرطانية داخل الجسم.. معركة من أجل البقاء بين الإنسان والمرض الخبيث

منذ 6 ساعات
هجرة الخلايا السرطانية داخل الجسم.. معركة من أجل البقاء بين الإنسان والمرض الخبيث

هناك سؤال خطير يؤرق الأطباء في جميع أنحاء العالم: ما الذي يسبب عودة السرطان بعد سنوات أو حتى عقود من الشفاء؟ ما هي الآليات الموجودة لانتقال أو انتشار الأمراض الخبيثة من عضو إلى آخر في الجسم؟ يُطلق على هذا اسم “السرطان النقيلي”. وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة، فإن العلماء يقدرون أن انتكاسة السرطان هي سبب الوفاة لنصف مرضى السرطان على الأقل في جميع أنحاء العالم. ولا شك أن البحث في هذه العملية البيولوجية ومكافحتها سيجلب أملاً جديداً لملايين المرضى.

تقول آنا جوميز، عالمة الأحياء في مركز موفيت للسرطان في فلوريدا: “إن هجرة السرطان ليست سهلة ولا بسيطة؛ فهي تتعارض مع طبيعة كل نوع من أنواع الخلايا”. وتوضح لموقع الأبحاث العلمية Knowable Magazine أن الخلايا الخبيثة يجب أن تسلك رحلة شاقة عبر الجسم حتى ينتشر السرطان. على سبيل المثال، تم تصميم خلايا سرطان الثدي للعيش في هذا العضو، حيث تتغذى على الأحماض الدهنية وتقاوم التهديدات المحلية قبل أن تتحول إلى ورم صلب. عندما تدخل هذه الخلايا إلى مجرى الدم، يتم دفعها بسرعة 40 سنتيمترًا في الثانية، وتتعرض لقوة ضغط يمكن أن تمزقها وتحطمها. إذا نجحت هذه الخلايا في إكمال رحلتها الشاقة والمحفوفة بالمخاطر إلى عضو جديد مثل الدماغ أو السائل النخاعي، فإنها تجد نفسها في بيئة مختلفة تمامًا: بدون تغذيتها المعتادة وتحت تهديد مستمر من الخلايا المناعية والجزيئات الجديدة التي يمكن أن تهاجمها.

وقال ماثيو فاندر هايدن، مدير مركز كوخ لأبحاث السرطان في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، إنه ليس من المستغرب أنه في حين كانت الخلايا الخبيثة تنفصل باستمرار عن الأورام، فإن معظم هذه الخلايا الهاربة ماتت دون أن تشكل نقائل أو تتحول إلى خلايا سرطانية مهاجرة. وأضاف: “أنا شخصيا أعتقد أن السرطان النقيلي هو حادث”. تشرح باتريشيا مانزانو، عالمة الأحياء في مركز البيولوجيا الجزيئية والطب التجديدي في إشبيلية بإسبانيا، أن الخلايا السرطانية القليلة التي تقوم برحلة شاقة داخل الجسم عادة ما تكون مرنة بما يكفي للعثور على الطعام في بيئة جديدة، والتعامل مع الجزيئات الغريبة من حولها، وربما تغيير بعض خصائصها البيولوجية لتجنب التهديدات المحلية والحصول على الطاقة اللازمة للبقاء على قيد الحياة. وتقول إن بعض الخلايا الخبيثة ترسل إشارات كيميائية لتغيير خصائص الأنسجة الجديدة التي تستهدفها قبل أن تصل إليها، حتى تصبح جاهزة لاستقبالها.

ويقول فاندر هايدن إن الأورام السرطانية عادة ما يكون لها تأثيرات أكثر خطورة على الأعضاء التي نشأت فيها في الأصل. ومع ذلك، عندما تنتشر، فإنها تهاجم بشكل تفضيلي أعضاء أخرى. على سبيل المثال، يفضل سرطان البروستاتا أن ينتشر إلى العظام. ومن ناحية أخرى، يمكن للخلايا السرطانية أن تصل إلى مناطق حيث تكون فرص بقائها على قيد الحياة منخفضة للغاية. على سبيل المثال، يمكن للطحال والعضلات الهيكلية مقاومة نقائل السرطان لعدة أسباب علمية محتملة. تستهلك خلايا العضلات كميات كبيرة من الطاقة، مما يؤدي إلى إطلاق منتجات ثانوية مثل جزيئات الأكسجين التفاعلية. وعلى الرغم من أن الخلايا العضلية المحلية يمكنها تحمل هذه المركبات، إلا أنها سامة لأنواع أخرى من الخلايا، مثل الخلايا السرطانية. على الرغم من أن الخلايا الخبيثة تصل إلى العضلات الهيكلية بأعداد كبيرة عن طريق مجرى الدم، إلا أنها نادراً ما تستقر هناك. ويرجع العلماء ذلك إلى وفرة جزيئات الأكسجين التفاعلية في هذه الأعضاء.

وتشير الباحثة آنا جوميز إلى أن بعض الأورام يمكن أن تحضر أعضاء أخرى في الجسم لقبولها. لا يقوم الورم السرطاني بإطلاق الخلايا في مجرى الدم والخلايا الليمفاوية فحسب، بل يطلق أيضًا الهرمونات والأحماض الجينية والفقاعات الدهنية الصغيرة التي تسمى الحويصلات. تحتوي هذه الحويصلات على رسائل كيميائية تعمل على إعادة تشكيل الأنسجة التي تصل إليها، مما يجعلها عرضة لامتصاص الخلايا السرطانية عند وصولها. ويقول جوميز إن هذه العملية “التعليمية” تخلق الظروف المناسبة لنمو الخلايا السرطانية في موقعها الجديد. ويقول العلماء إن بعض أنواع الميكروبات تشارك أيضًا في هذه العملية. على سبيل المثال، تقوم البكتيريا المعوية بتعليم الكبد كيفية امتصاص الخلايا السرطانية المهاجرة، وتقوم البكتيريا الموجودة في الجهاز الهضمي باستعمار الأورام في الأمعاء ثم التغلب على الحاجز الذي يمنع محتويات الأمعاء من الوصول إلى بقية الجسم. وقد يؤدي هذا إلى انتشار السرطان إلى أعضاء أخرى.

من أجل معرفة كيفية بقاء الخلايا السرطانية على قيد الحياة في بيئات غريبة، قامت أدريان بوير، الباحثة في مركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان في نيويورك، بفحص خلايا سرطان الثدي أو الرئة النقيلية التي غزت السائل النخاعي لدى خمسة مرضى. ووجدت بوير وفريقها أن الخلايا السرطانية نجحت في تغيير بعض الخصائص البيولوجية والكيميائية للسماح لها بامتصاص الحديد من العضو الجديد، وهو معدن ضروري للنمو وإنتاج الطاقة. ووجد بوار أن الخلايا السرطانية تفرز بروتينات لامتصاص الحديد النادر في البيئة الجديدة وبروتينات أخرى لامتصاص نفس المعدن داخل الخلية السرطانية. وعندما حقن الباحثون فئران المختبر بمواد كيميائية تعمل على تعطيل امتصاص الحديد في الخلايا السرطانية، وجدوا أن هذه الفئران عاشت لفترة أطول. ويؤكد العلماء أن التساؤلات حول هجرة الخلايا السرطانية في الجسم وانتشارها اللاحق في العضو الجديد لا تزال بحاجة إلى إجابات علمية قاطعة. ويشيرون إلى أنه لا توجد حتى الآن “وصفة علمية” لمكافحة انتشار الأورام السرطانية.


شارك