بحضور مفتي الجمهورية.. ندوة الفتوى والدراما تسلط الضوء على علاقة الدين بالفن

منذ 5 شهور
بحضور مفتي الجمهورية.. ندوة الفتوى والدراما تسلط الضوء على علاقة الدين بالفن

– الفنان محمد صبحي: الدراما فن يعتمد على الخيال في نقل الواقع، والفن الحقيقي يوصل رسالة دون إهدار أخلاق الدين.

-دكتور. نذير محمد عياد: من المهم تقديم محتوى إعلامي وثقافي يساهم في الارتقاء بالإنسانية ويحترم القيم الأخلاقية.

-دكتور. علي جمعة: العلاقة بين الفتوى والدراما متشابكة ومتداخلة إلى حد ما، ولا نريد الحكم عليها فحسب، بل ندفع لتطويرها والنهوض بها.

أقيمت في جناح دار الإفتاء المصرية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب ندوة رفيعة المستوى تناولت موضوع “الفتوى والدراما” وشهدت مشاركة كبيرة من زوار المعرض وتفاعلا كبيرا من الجمهور.

وقد تمت مناقشة الندوة بحضور فضيلة الاستاذ د. نذير محمد عياد – مفتي الجمهورية ورئيس الهيئة العامة – علاقة الدين بالفن وتأثير الدراما في رفع وعي المجتمع والنقل الصحيح للقيم الدينية أمانة دور وهيئات الإفتاء في العالم – وتحدث في الندوة كل من: د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ورئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، والفنان محمد صبحي المعروف بأعماله التي تجمع بين الفن الهادف والمعالجة. وأدار الندوة الإعلامي شريف فؤاد، وتأتي في إطار جهود دار الإفتاء لتحسين التفاعل بين الفتوى والثقافة والفن بما يخدم المجتمع ويرشده إلى الطريق الصحيح.

سماحة د. من جانبه، تحدث علي جمعة -عضو هيئة كبار العلماء المسلمين- عن علاقة الفتوى بالدراما وهل هي علاقة تكامل أم تناقض، مؤكدا أن هذا الأمر مليء بالالتباس والتداخل، و نحن لا نريد الحكم عليه فحسب، بل نريد تطويره ودفعه إلى الأمام، والأمر مجرد مسألة تقرير ما إذا كان مقبولاً أم لا، بقدر ما نريد هذا البلد الرائد الذي عاد إلى مكانته الأصلية حول هذا لمواصلة تطوير العلاقة الجدلية بين الفن والدين.

سماحة د. وأضاف علي جمعة أن التراث الإسلامي يعكس بعمق موضوع الدراما، لافتاً إلى شخصيات تاريخية مثل الظاهر بيبرس وعنترة بن شداد، اللذين يحملان حكمة وتجارب إنسانية تتوارثها الأجيال على مر الزمن، مؤكداً أن هذه القصص تمثل قصة حقيقية. جانب مهم من الدراما لأنها تقدم… الدروس والعبر.

وأشار إلى أن أساليب الدراما تطورت كثيرا، موضحا أن الفكر الغربي غالبا ما يبدأ من الرواية، حيث تنبع الفكرة في الرواية، ثم تنتقل إلى السينما والصحافة والجامعات، وأخيرا السياسة وتصل إلى صناع القرار. ولذلك فإن الدراما هي أساس هذا التطور الفكري. في المقابل، كان رواة القصص في المشرق يلقون قصصًا مثل «بني هلال» في المقاهي والأسواق، ثم كانت هذه القصص تُبث في الإذاعة.

سماحة د. وتطرق علي جمعة إلى حادثة عرضت على الشيخ أحمد بن صديق الغماري أثناء جلوسه في مسجد الحسين، مفادها أن تصوير شخصية سيدنا يوسف كنبي محرم حسب فتوى شرعية، كما وهو يحتوي على عنصر الوحي ويرتبط بأبعاد أخلاقية خاصة. ولذلك رفض العلماء تصوير الأنبياء. واتفق بعض المسرحيين على مضض على استبعاد تصوير الأنبياء، مع تمسك الشيخ أحمد بن صديق الغماري برأيه في منعها.

سماحة د. وأشار علي جمعة إلى أن العلماء فيما بعد أقبلوا عموما على فكرة الدراما، رغم أنهم لم يلتزموا بفتوى الشيخ أحمد بن صديق الغماري بتحريم التمثيل، وأنه صدرت فتوى أخرى تجيز ذلك.

سماحة د. كما تحدث علي جمعة عن نجاح الدراما في تصوير القيم والقضايا الأخلاقية، متسائلا هل نروي الواقع كما هو أم نميل إلى تصوير ما نأمله. “هناك مدرستان: الأولى تقول أننا عندما نقدم الواقع فإننا نظهر كيف نعيش حياتنا الحقيقية، بينما الأخرى ترى أن تصوير القبح له تأثير سلبي على المشاهد ويجعل النهاية مملة، لأن القبح لا يساعد. وأضاف أن هذا الخلاف وقع بين الكاتبين الكبيرين عباس العقاد وإحسان عبد. مقدس.

وأشار إلى أن هذا الموضوع يحتاج إلى فنان قادر على تحويله إلى مهارة فنية وليس مجرد معلومات، مضيفا أنه يجب أن نتعود على تقديم أفضل وأرقى ما في المسرح وتنمية علاقتنا بالفن، لافتا إلى أن الدراما المصرية من لقد عملت بداية القرن العشرين وحتى يومنا هذا على تمثيل الواقع والمأمول والفن من أجل الفن، وساهمت بشكل كبير في أخلاق المجتمع للتواصل والتنظيم.

ومن الناحية الناقدة للدين، أشار إلى أن هناك حاجة أكبر لتقديم قدوة مشرفة مثل الفنان محمد صبحي، والتوصية بالحق والتعاون بين الناس لصالح المجتمع بأكمله دون تمييز.

ولفت إلى ملاحظاته على الأفلام المصرية، مشيرا إلى أنه كثيرا ما تحدث أخطاء في تلاوة القرآن الكريم، وفي بعض الأحيان يكون هناك تشويه غير مقصود في بعض المشاهد التمثيلية. كما أشار إلى أن هناك بعض سوء الفهم المتأصل في الدراما، مثل فكرة أن الرجل لا يستطيع أن يطلق زوجته إذا مكنها من ذلك (وضع الزواج بين يديها)، وهو أمر يحتاج إلى تصحيح.

سماحة د. كما تحدث علي جمعة عن صورة رجل الدين في الدراما، مؤكدا أن الغالبية العظمى من هذه الصور سلبية وأن هناك القليل الذي يعكس صورة إيجابية عنه، لافتا إلى أن بعض الممثلين قاموا بذلك بالزي الرسمي، المعلم أو الشيخ الأزهري للسخرية منه، موضحا أن هذا الأمر تزايد في فترة سياسية غير مستقرة حيث كانت الأوضاع العامة صعبة ومثيرة للقلق، وأكد على أهمية التعاون من أجل تقدم الدولة الجديدة وأشار إلى دور القيادة والريادة المصرية. والتي طالما مثلتها مصر عبر التاريخ كمثال للخير ونور ساطع للعالم.

وعن دور المؤسسات الدينية في دعم الأعمال الدرامية للحفاظ على سمعة رجال الدين، قال سماحة د. وقال علي جمعة، إن التعاون بين هذه المؤسسات والفنانين بدأ منذ زمن طويل، موضحا أن العديد من الروائيين والمخرجين والمنتجين يلجأون إلى مجمع البحوث الإسلامية للحصول على المشورة القانونية بشأن الأعمال الدرامية والأدبية، بينما يرفض آخرون ما يعيدنا إلى السؤال. ما إذا كانت الفتوى ملزمة أم لا، والقرار الملزم هو قرار القاضي. وأكد أن التعاون موجود بالفعل، ودعا إلى تعزيز هذا التعاون ووضع قواعد واضحة له.

وأضاف أنه من الضروري أن يتم تربية أبناء القانون لدينا على هذا المبدأ، حتى يتم منحهم مجموعة واسعة من الحريات، مع الأخذ في الاعتبار أن أي ملاحظات أو تحفظات يجب التعامل معها بحذر واهتمام.

ومن جانبه، وجه الفنان محمد صبحي الشكر لسماحة المفتي، وأشاد بحضوره إلى جانب د. ويشير علي جمعة إلى أن في العصر الحالي كل الناس من غير تخصص هم في مقدمة الفتوى والعلم.

كما تحدث عن دور الدراما باعتبارها فناً يعتمد على الخيال لنقل الواقع، موضحاً أن الفن الصحيح يوصل رسالة دون المساس بأخلاق الدين. وتساءل عن مدى إلزام الفتوى وهل يجب العمل بها إذا لم يقتنع بها الإنسان؟

كما أشار الفنان محمد صبحي إلى أن الدراما لها عدة جوانب فهي تساهم في تربية الإنسان وتجعل الجمهور يفكر دون إصدار أحكام. وأوضح أن وسائل الإعلام هي الوسيلة التي تحدد المحتوى الجيد أو السيئ الذي يتم عرضه للناس. وأشار إلى الحادثة التي مثل فيها النبي في فرنسا، وأشار إلى أهمية احترام الشخصيات الدينية. كما ذكر أنه تعرض لانتقادات بسبب عدم تعليم الأطفال الصلاة في مسلسل “ونيس”، مؤكدا أنه ليس شيخا يتحدث في هذا المجال.

وأكد صبحي أن المشكلة في الدراما ليست الإساءة اللفظية فقط، بل الفكرية أيضًا، موضحًا أن مسلسل “ونيس” يمثل نموذجًا لأخطاء البشر وطرق الاعتذار عنها. وأشار إلى أهمية إحداث تأثير إيجابي في المسرحيات دون قيود تحد من الإبداع. وتحدث عن موقف دعاه فيه محافظ الجيزة لفتح حي متأثر بالمسلسل لتجميله وتحويله إلى صورة جيدة تعكس قوة تأثير الفن.

وأوضح صبحي أن العمل الدرامي لا يهدف إلى الترويج للمخدرات، بل يهدف إلى تصوير شخصيات واقعية بشكل يعكس خطورة هذه السلوكيات، مستشهدا بمشهد -في أحد الأفلام الغربية- حيث يقع ضابط الشرطة في إدمان المخدرات، دون وفي التفاصيل، كان عليه أن يتناول هذه الأدوية وحاول صديقه إعادته إلى الطريق الصحيح. وانتقد بعض التصرفات التي تدمر القيم الاجتماعية، وأكد أن مصر تحتاج إلى تنمية مستدامة تبدأ بالتربية الأخلاقية والسلوكية للطفل.

كما تحدث الفنان محمد صبحي عن ظاهرة الورش الفنية واقترح تسميتها بـ”الاستوديوهات”. وانتقد بعض المسلسلات الرمضانية التي تصور الخيانة الزوجية، وأشار إلى أن قيادة مصر قامت على كتاب ومفكرين اختفى تأثيرهم الآن، وأعرب عن قلقه من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على عقول الأبناء وانتشار الأفكار المخالفة التي تهدف إلى تدمير الأسرة. والثقافة، ويحذر من مخططات إلغاء الأديان ونشر الماسونية.

وشدد على أهمية خلق خريطة ثقافية وإعلامية تعنى بتعزيز الوعي الديني والثقافي. وأوضح أن السلوك السلبي والعنف الذي نراه في المدارس ليس صدفة بل نتيجة تخطيط تدريجي. ودعا إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإنتاج منتجات مفيدة بدلا من الاستهلاك السلبي.

وأوصى الفنان محمد صبحي بعدم التقيد بالفن، وشدد على أهمية اللجوء إلى المتخصصين، ودعا إلى إنتاج برامج هادفة وأعمال درامية تعرض في أوقات مناسبة للأسرة، مثل الشيخ محمد متولي الشعراوي بالتعاون مع المصري. دار الإفتاء، مع الترويج لما له من أثر إيجابي.

وفي نهاية الندوة شكر سماحة د. نذير عياد – مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم – سماحة د. وأشاد علي جمعة والفنان محمد صبحي والإعلامي شريف فؤاد بهذه المشاركة القيمة والحوار البناء الذي تناول دور الدين والفن في تعزيز القيم الأخلاقية وبناء الوعي المجتمعي.

وشدد سماحة المفتي على أن دار الإفتاء المصرية تهتم بتصدي المفاهيم الخاطئة التي تروج لفصل الدين عن واقع الحياة، لافتا إلى أن الفتوى لا يمكن أن تكون مجرد رأي عابر، بل هي مسؤولية شرعية استنادا إلى الدستور الإلهي والشرعية. مصادرها الموثوقة، ويجب على المسلمين أن يلجأوا إلى علماء الدين المؤهلين الذين يجمعون بين المعرفة الدينية العميقة والفهم الواقعي للقضايا المعاصرة.

كما أشار سماحته إلى أن التعاون بين علماء الدين والفنانين أمر ملح في ظل التحديات التي يواجهها المجتمع، إذ إن الفن، عندما يستخدم بشكل صحيح، هو وسيلة فعالة لنشر القيم الإيجابية ومواجهة الأفكار السلبية، التي تهدف إلى تدمير المجتمع في داخله.

وشدد على أهمية تقديم محتوى إعلامي وثقافي يساهم في تنمية الإنسان ويحترم القيم الأخلاقية، منوهاً بدور الدراما في رفع مستوى الوعي سواء من خلال معالجة المشكلات الاجتماعية أو تسليط الضوء على التحديات التي تواجهها الأسرة والمجتمع.

وأضاف سماحة مفتي الجمهورية أن الواقع اليوم يشهد ظلماً مزدوجاً. إنه ظلم لعالم الدين الذي أصبح هدفا للتشكيك والتهميش، وظلم للفن الذي يستخدم أحيانا كأداة لنشر الفحش والابتذال.

وأكد أن معالجة هذه المشكلات تتطلب تضافر جهود كافة الجهات المعنية، سواء كانوا علماء دين أو مفكرين أو فنانين، لتحويل المشهد الثقافي والفني لخدمة الوطن وحماية هوية المجتمع من التهديدات التي تهدف إلى طمسها.

واختتم سماحة المفتي كلمته بالتأكيد على أن دار الإفتاء تعمل جاهدة على نشر الوعي الصحيح والرد على الأسئلة التي تسبب البلبلة. وشدد على ضرورة بناء جسور الثقة بين الدين والفن والعمل على إرساء خطاب ديني متوازن وفن ملتزم قادر على مواجهة التحديات معا وبناء مجتمع أكثر وعيا وتماسكا.


شارك