طه ذهب ينشد قوتا فخطفت إسرائيل بصره: مراكز توزيع المساعدات ساحة حرب.. اضطررت للذهاب لأُطعم أخواتي

والدة طه: أتمنى أن ينظروا إلى طه بعين الرحمة وأن يتم فحصه من قبل طبيب خارج غزة.
يرى الطفل الفلسطيني طه المقادمة الألوان الزاهية التي كانت تزين دفتر الرسم الخاص به أو الخطوط التي شكلت حلمه بأن يصبح مهندسًا بعد أن أعمته رصاصة إسرائيلية.
بالقرب من أحد المراكز المعروفة باسم “فخاخ الموت”، حيث يتم إعدام الفلسطينيين الذين يعانون من الحصار والجوع والإبادة الجماعية بدم بارد، أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار على طه البالغ من العمر 15 عامًا أثناء توجهه لجمع المساعدات لإطعام أسرته.
في لمح البصر، تحولت خطواته نحو طابور الإسعاف إلى سقوط دموي. ظل ينزف قرابة ثلاث ساعات قبل أن يُنقل إلى مستشفى العودة، ثم إلى مستشفى شهداء الأقصى وسط غزة، حيث شخّص الأطباء فقدانه للبصر.
ويأتي ذلك على خلفية سياسة التجويع التي تفرضها تل أبيب في إطار حربها الإبادة الجماعية المستمرة منذ 22 شهراً في قطاع غزة.
بعيدًا عن رقابة الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية، بدأت تل أبيب في تنفيذ خطة مزعومة لتوزيع المساعدات في 27 مايو/أيار. إلا أن الأمم المتحدة ترفض هذه الخطة، وتعتبرها آلية مصممة لإغراء وقتل الجوعى.
منذ تطبيق هذه الآلية، قُتل 1778 فلسطينيًا وجُرح أكثر من 12894، وفقًا لبيانات وزارة الصحة في غزة يوم الثلاثاء. ويعود ذلك إلى إطلاق الجيش الإسرائيلي النار يوميًا على المنتظرين للحصول على المساعدة.
** رصاصة تقتل حلمًا
نزح طه من مدينة غزة إلى مخيم البريج (وسط قطاع غزة) بعد قصف منزله. كان يحلم بأن يصبح مهندسًا وينمي موهبته في الرسم.
لكن أحلام الطفل الفلسطيني بدت وكأنها تتلاشى فجأة، ليبدأ رحلة معاناة جديدة في ظل انهيار النظام الصحي وظروف معيشية قاسية حرمته من العلاج وفرصة السفر لإنقاذ ما تبقى من حلمه بعد أن أصابته “فخاخ الموت”.
قال طه لوكالة الأناضول إن لديه أشقاء من ذوي الإعاقة، وإن والده وأحد أشقائه قُتلا برصاص جيش الاحتلال. وأضاف أنه أُصيب بالرصاص أثناء توجهه إلى نقطة توزيع مساعدات.
وعن إصابته في أغسطس/آب من هذا العام، أوضح: “في البداية، أطلقت خمس دبابات النار علينا. ثم انسحبوا وسمحوا لنا بالدخول من البوابات للحصول على إمدادات إغاثة. لكنهم خانونا وأطلقوا النار مرة أخرى. أُصبت عيني”.
وأفادت التقارير أنه ظل ينزف على الأرض لنحو ثلاث ساعات بعد إصابته. نُقل بعد ذلك إلى مستشفى العودة للفحص، ثم إلى مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، حيث تبيّن أنه فقد بصره.
ويشير إلى أنه في لحظة إصابته كان عدد كبير من الجرحى والقتلى يصلون إلى المستشفيات، سواء من مراكز توزيع المساعدات وسط قطاع غزة أو من مدينة رفح جنوباً.
مراكز التوزيع أشبه بمنطقة حرب، يقول الصبي. “اضطررتُ للذهاب إلى هناك لإطعام أخواتي. في بيتنا بغزة، لا يوجد طعام ولا شراب، والمياه ملوثة، وكل شيء غالي الثمن أو غير متوفر.”
يشهد قطاع غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه. فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشهد غزة تجويعًا ممنهجًا وإبادة جماعية على يد إسرائيل.
** المعاناة المركبة والخسارة المتتالية
يقول طه المقدم إن إعاقته البصرية حرمته من مستقبله، حيث كان يحب الرسم ويتمنى أن يطور موهبته ليصبح مهندساً بعد إكمال دراسته.
وأضاف أنه يأمل في مغادرة قطاع غزة لاستعادة بصره، حيث انهار النظام الصحي الذي دمرته إسرائيل خلال الحرب.
يزعم أن مواقع توزيع الإغاثة غير آمنة، وأن هذه “منطقة حرب، وليست مكانًا لتوزيع المساعدات”. ويدعو المنظمات الدولية إلى تولي عملية التوزيع.
يُشير طه إلى أن إصابته لم تكن المعاناة الوحيدة التي عاناها. فقبل نحو عام، فقد والده وشقيقه عندما قتلهما جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال اجتياحه لمدينة غزة، مما أجبر العائلة على النزوح جنوبًا.
** الأم بين الفقد والأمل
تجلس والدته في مكان قريب، حزينة على فقدان ابنها بصره، وقبل ذلك، حزينة على فقدان أخيه وأبيه.
الأم التي لم تذكر اسمها كانت تمسك ملعقة في يدها وتقدمها بحذر إلى فم طه وكأنها تخشى أن تزيد من ألمه، بينما كانت تنظر إلى وجهه الصغير الكئيب، وعيناها المليئتان بالدموع تحملان الأمل في أن يتمكن ذات يوم من الرؤية مرة أخرى.
وقالت الأم الفلسطينية: “أصيب طفلي برصاصة أثناء محاولته الحصول على المساعدة وفقد عينيه”.
وأضافت: “سمحوا للناس بتلقي المساعدة، لكنهم فجأة تعرضوا لقصف بالدبابات. أصيب طفلي وظل ملطخًا بالدماء لثلاث ساعات قبل أن يتلقى الإسعافات الأولية”.
وأوضحت أن طفلها ذهب للحصول على المساعدة بسبب نقص الدقيق وبعض المواد الأساسية الأخرى، وأن جميع الأطفال يريدون وجبة طعام.
ذكرت أنها فقدت زوجها وابنها، لكن إصابة طه كانت الأخطر، فما زالت أمامه حياة. وتساءلت بحزن: “كيف سيواصل مسيرته وهو موهوب في الرسم؟”
وتقول بنبرة أمل: “أملي الوحيد هو أن ينظروا إليه بعطف ويعرضوه على طبيب خارج غزة، وآمل أن يسمحوا لنا بالعيش حياة كريمة”.
وفي الثاني من أغسطس/آب، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من أن عددا “غير مسبوق” من الأطفال يموتون في غزة بسبب الجوع وتدهور الظروف المعيشية نتيجة للإبادة الجماعية الإسرائيلية.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة، من قتل وتجويع وتدمير وتشريد، متجاهلة الدعوات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لوضع حد لها.
أودت الإبادة الجماعية بحياة 61,430 شخصًا وجرحت 153,213 آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء. واختفى أكثر من 9,000 فلسطيني، ونزح مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة الكثيرين.