بعد قرار “تجريد سلاح المقاومة”.. حزب الله يتهم الحكومة اللبنانية بـ”ارتكاب خطيئة كبرى”

قالت جماعة حزب الله اللبنانية إنها تتعامل مع قرار نزع السلاح “كأنه غير موجود” واتهمت حكومة البلاد بارتكاب “خطيئة جسيمة” من خلال إصدار أمر للجيش بوضع خطة لنزع السلاح قبل نهاية العام.
وقال الحزب في بيان: “ارتكبت حكومة الرئيس نواف سلام خطيئةً فادحةً بقرارها حرمان لبنان من سلاحه لمقاومة العدو الإسرائيلي”. ويرى الحزب أن “هذا القرار يُمسّ بسيادة لبنان، ويُطلق العنان لإسرائيل للتدخل في أمنه وجغرافيته وسياسته ومستقبله”.
وأضاف أن القرار “يحقق لإسرائيل ما فشلت في تحقيقه في عدوانها على لبنان”، مشيرا إلى أن “سلاح المقاومة هو جزء من قوة لبنان”.
جادل الحزب بأن القرار جاء بناءً على تعليمات من المبعوث الأمريكي إلى لبنان، توم باراك. وذكر أن الحكومة “تجاهلت وعد الرئيس في خطاب تنصيبه بمناقشة استراتيجية الأمن القومي”. وأعلن أن قرار الحكومة يندرج في إطار استراتيجية الاستسلام والتخلي الواضح عن أسس السيادة اللبنانية. وأكد الحزب أنه “منفتح على الحوار وعلى وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتحريره، وإطلاق سراح الأسرى، وبناء الدولة، وإعادة إعمار ما دمره العدوان الغاشم”.
كلفت الحكومة اللبنانية، الثلاثاء، الجيش بوضع خطة تنفيذية “لحصر الأسلحة بيد القوى الشرعية” بحلول نهاية العام، بحسب رئيس الوزراء نواف سلام.
وأضاف سلام أنه من المقرر عرض الخطة على مجلس الوزراء لمناقشتها وإقرارها قبل نهاية أغسطس/آب. كما قرر المجلس مواصلة مناقشة خطة المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان، توم باراك، والتي تتضمن جدولاً زمنياً لنزع سلاح حزب الله.
جاء ذلك في ختام اجتماع مجلس الوزراء اللبناني يوم الثلاثاء 5 أغسطس/آب. ترأس الاجتماع الرئيس جوزيف عون، وشارك فيه رئيس الوزراء نواف سلام. وناقش الاجتماع بشكل رئيسي سلاح حزب الله.
اكتسب هذا اللقاء أهميةً بالغة مع تصاعد الجدل حول سلاح حزب الله. وجاء ذلك عقب زياراتٍ عديدة للمبعوث الأمريكي باراك، قدّم خلالها خارطة طريقٍ تضمنت دعمًا اقتصاديًا للبنان ووقفًا للهجمات الإسرائيلية عليه، والتي لم تتوقف رغم وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل نهاية عام ٢٠٢٤.
مع ذلك، تضمنت خارطة الطريق الأمريكية مطالب صريحة لحزب الله بنزع سلاحه وتحديد جدول زمني لذلك، وهي مسألة خلافية في لبنان منذ عقود. وبالتوازي مع الاجتماع، رفض حزب الله “أي جدول زمني” لنزع سلاحه، وأوقف ما وصفه بـ”العدوان الإسرائيلي” على لبنان.
وفي كلمة مصورة، قال الأمين العام للحزب نعيم قاسم إن على الدولة اللبنانية “أن تضع خططاً لمواجهة الضغوط والتهديدات وتوفير الحماية لها، لا أن تحرم مقاومتها من قدراتها وقوتها”، على حد تعبيره.
وقال وزير الإعلام اللبناني بول مرقص إن الوزيرين راكان ناصر الدين وتمارا الزين، وكلاهما من حزب الله وحركة أمل المتحالفة معه، استقالا من الاجتماع “بسبب خلافهما مع قرار مجلس الوزراء الذي تلاه رئيس الوزراء”.
شهدت الأسابيع الأخيرة ردود فعل قوية في لبنان على مقترح المبعوث الأمريكي. وتراوح موقف حزب الله بين استعداد مبدئي للحوار ورفض تقديم تنازلات بسبب “الضغوط الأمريكية والإسرائيلية”. وفي الأيام الأخيرة، ازدادت حدة لهجة المبعوث الأمريكي تجاه الحكومة اللبنانية وحزب الله.
كيف تطور سجل سلاح حزب الله؟
في عام ١٩٨٩، وُقّع ما يُسمى باتفاق الطائف، منهيًا الحرب الأهلية اللبنانية. نصّ الاتفاق على نزع سلاح جميع الفصائل المسلحة المشاركة في الحرب. إلا أن حزب الله، لأسباب إقليمية وسياسية، ظلّ أعزلاً. وقد صوّره الكثيرون على أنه “قوة مقاومة” ضد إسرائيل، التي كانت لا تزال تحتل شريطًا بعرض عدة كيلومترات على طول الحدود الجنوبية للبنان.
ومع ذلك، بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام ٢٠٠٠، أُثيرت مسألة سلاح حزب الله مرارًا وتكرارًا. ولطالما اتهم معارضوه حزب الله باستخدام أسلحته في لبنان لفرض إرادته السياسية. وقبل الحرب الأخيرة مع إسرائيل، كان للحزب النفوذ الأكبر في لبنان.
في أعقاب هجوم حماس على البلدات والمناطق الحدودية في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعادت حزب الله فتح جبهتها مع إسرائيل بعد سنوات طويلة من الهدوء، مشيرة إلى الحاجة إلى “دعم غزة”.
مهّد هذا الطريق لتبادلٍ للضربات بين الجانبين استمرّ شهورًا. إلا أنه في سبتمبر/أيلول 2024، تصاعد الوضع بشكلٍ ملحوظ عندما شنّت إسرائيل غارةً جويةً واسعةً وهجومًا آخر على شبكات اتصالاتٍ مفخّخة، استهدف أعضاء حزب الله وقادته وبنيته التحتية في جميع أنحاء لبنان. أعقب ذلك هجومٌ بريٌّ في الجنوب.
تسبب الهجوم بخسائر فادحة في صفوف الحزب وقياداته، أبرزهم أمينه العام حسن نصر الله. كما خسر الحزب جزءًا كبيرًا من ترسانته العسكرية.
وانتهت المواجهة باتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
التطورات المتتالية
خرج حزب الله من المواجهة مع إسرائيل منهكًا. تزامن ذلك مع تطورات أخرى في المنطقة، لا سيما إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا أواخر عام ٢٠٢٤، والذي كان أحد أهم حلفاء حزب الله. كل هذه العوامل أدت إلى تراجع نفوذ الحزب في لبنان.
في أوائل عام 2025، انتخب البرلمان اللبناني قائد الجيش جوزيف عون رئيساً للجمهورية بعد أن ظل المنصب شاغراً لأكثر من عامين.
ورغم وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، فإن إسرائيل تحتفظ بوجودها عند خمسة معابر حدودية وتنفذ هجمات شبه يومية على البنية التحتية المزعومة لحزب الله ومقاتليه، على الرغم من امتناع حزب الله عن الرد.
وتتهم إسرائيل حزب الله بإعادة بناء بنيته التحتية العسكرية، وأعلنت أنها ستواصل هجماتها ما لم تقم السلطات اللبنانية بنزع أسلحتها.
أخيرًا، تدخلت واشنطن وقدمت خطة مفصلة لنزع سلاح الحزب. في المقابل، انسحبت إسرائيل وتوقفت غاراتها الجوية، وقدمت دعمًا ماليًا للبنان.
وهي خطة هزت الوضع السياسي الداخلي في لبنان، وزادت الضغوط على الحكومة والحزب.
أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون، الخميس، التزامه “بسحب أسلحة كل القوى المسلحة، بما فيها حزب الله، وتسليمها للجيش اللبناني”.
وأكد أن “هذه مرحلة مصيرية لا تقبل أي استفزازات من أي جهة كانت”، وجدد موقفه: “اليوم علينا أن نختار بين الانهيار والاستقرار”، حيث يربط المجتمع الدولي مساعداته للبنان بنزع سلاح الحزب.
ولم يتضح بعد إلى أي مدى سيتم تطبيق نتائج اجتماع مجلس الوزراء اللبناني.
نقلت وكالة فرانس برس عن مصدر لبناني قوله إن واشنطن “تضغط على لبنان لحمل حزب الله على تسليم سلاحه ضمن مهلة زمنية محددة”. إلا أن المصدر أكد أن “حزب الله لن يسلم سلاحه دون مقابل، وهو أمر يدركه الأمريكيون جيدًا”.
وهذا يتوافق مع ما نقلته قناة المنار التابعة لحزب الله، نقلاً عن “مصادر مطلعة”، أن “المطلب الأميركي باختصار هو استسلام لبنان الكامل للعدو الإسرائيلي، من دون أي ضمانات تلزمه بالالتزام باتفاق وقف إطلاق النار”.
وبحسب وكالة فرانس برس، يطالب حزب الله بانسحاب إسرائيل من النقاط الحدودية الخمس، ووقف هجماتها رغم وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح عدد من أسرى حزب الله الذين تم أسرهم خلال الحرب، والبدء في إعادة الإعمار في المناطق التي مزقتها الحرب قبل مناقشة مصير أسلحته.
ويبدو هذا الموقف مشابهاً لرد الحكومة اللبنانية على الخطة الأميركية في أوائل يوليو/تموز، والتي ركزت من ناحية على مبدأ الانسحاب الإسرائيلي المتزامن ووقف الهجمات في لبنان، ومن ناحية أخرى، تضمنت مناقشة مصير سلاح حزب الله.