كيف رأى زياد الرحباني المشهد السياسي في لبنان؟

يودع اللبنانيون الفنان والموسيقي الراحل زياد الرحباني غدًا الاثنين، عند الساعة الرابعة عصرًا، في كنيسة رقاد السيدة العذراء بالمحيضة. وسيكون الوداع الأخير للموسيقي الذي ترك بصمة لا تُمحى في الذاكرة الفنية اللبنانية والعربية.
أحدث خبر وفاة زياد الرحباني صدمةً في الأوساط الثقافية والفنية. وتداول محبوه مقاطع من أعماله الموسيقية والمسرحية على مواقع التواصل الاجتماعي، مصحوبةً بكلمات رثاء ورسائل وداع مؤثرة، معبرين عن حزنهم العميق لفقدان هذا الصوت الفريد والموهبة الاستثنائية.
على الصعيد الرسمي، نعت الرئاسات اللبنانية الثلاث الفنان الراحل، حيث أصدر الرئيس جوزيف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري بيانات تعازي، مؤكدين تقدير الدولة لعطاءاته الفنية والاجتماعية.
رغم اختلاف الآراء السياسية، كان هناك إجماع في لبنان على وفاة زياد الرحباني. وأجمعت البيانات الرسمية والشعبية على أن لبنان فقد بوفاته أحد أشجع عقوله وأكثرها إبداعًا.
احتلت السياسة حيزاً كبيراً في مسيرة زياد الرحباني، إذ عبر عن مواقفه وآرائه في مناسبات عديدة، ما شكل امتداداً لمشروعه الفني والإنساني.
وفيما يلي نناقش بعض المواقف التي عبر عنها بصراحة ووضوح:
*الطائفية والدين والسلطة وفي تصريحات سابقة لدويتشه فيله، انتقد الرحباني الوضع السياسي في لبنان، قائلاً إن الأحزاب السياسية في لبنان أصبحت “تكتلات طائفية” تخدم مصالح فئة معينة بدلاً من أن ترتكز على أساس وطني أو اجتماعي شامل.
وأضاف: “حتى الحزب، الذي يُفترض أنه يُمثل الطبقات الاجتماعية من مختلف الطوائف الدينية، عاد إلى الطائفية خلال الحرب. قبل عام ١٩٧٥، كانت هناك حركات طلابية ونقابية تُشبه نظيراتها في أوروبا، ولكن بعد اندلاع الحرب الأهلية، ضعفت الأحزاب الأيديولوجية وسيطرت الطائفية”.
واتهم هذه القوى باستغلال الطائفية للبقاء في السلطة: “هذه الأحزاب لا تهتم بالتغيير أو خدمة الشعب، بل بالبقاء في السلطة مهما كلف الأمر. الطائفية وسيلة فعّالة لكسب الأنصار وترسيخ القيادة، وهي أيضًا أداة للبقاء في السلطة بشكل دائم”.
في سياق تناوله للعلاقة بين الدين والسلطة، أوضح أن التاريخ يُظهر غالبًا صلة وثيقة بين رجال الدين والأنظمة الحاكمة، باستثناء بعض الأمثلة النادرة في روسيا وأمريكا اللاتينية. تاريخيًا، لطالما كان رجال الدين قريبين من السلطة، إلا في حالات نادرة عندما انحرفوا عن مؤسساتهم وانحازوا إلى الشعب.
*حزب الله: دعم في الحرب وخلاف على الحرية الفنية أصدرت الدائرة الإعلامية في حزب الله بيانًا نعت فيه الفنان الرحباني، وقدمت تعازيها الحارة لعائلته وجمهوره في لبنان والعالم العربي. ووصفته بأنه “رمز وطني ومقاوم وفني” رحل بعد مسيرة حافلة بالعطاء والمحبة والإبداع.
وجاء في البيان، الصادر مساء السبت، أن الرحباني، بفنه ومواقفه، يُجسّد نموذجًا للفن الهادف في خدمة الوطن والإنسانية. كما أشاد بقدرته على “تقديم صورة الوطن الحلم من على خشبة المسرح، وطن الكرامة والوحدة والعيش المشترك”.
إلا أن علاقة زياد الرحباني بحزب الله لم تكن دائمًا على وفاق. فقد اتسمت مواقفه بالتناقضات والتحفظات، مما يعكس استقلاليته الفكرية والسياسية. ورغم دعمه الواضح للمقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي وظهوره في احتفالات النصر بعد حرب تموز/يوليو ٢٠٠٦، لم يتردد في انتقاد الحزب علنًا في مقابلة عام ٢٠١٤ مع الصحفي جاد غصن على قناة الجديد.
أوضح الرحباني أنه أحيا حفلاً في منطقة الناقورة، وطلب من الجمهور تسجيله ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي. إلا أنه فوجئ بعدم ظهور أي تسجيلات، مما يوحي بأن البث قد تعرض للتشويش عمداً. وقال إن هذا لا يمكن أن يكون من حفل عادي.
وربط هذه الحادثة بالنقد الذي وجهه لحزب الله خلال الحفل لعدم اعترافه بدور الحزب الشيوعي اللبناني ومقاوميه، مستشهدًا بالناشطة سهى بشارة، التي حاولت اغتيال العميل أنطوان لحد.
قال الرحباني إن موقفه لم يأتِ فجأةً، بل كان نتيجة سلسلة أحداث. وأضاف: “لا يمكننا أن نخسر الحزب الشيوعي والوطن بأكمله بسبب حزب الله. نحن حلفاء، لكن حزب الله لا يبادلنا هذا التحالف بالمثل، ولا يذكرنا في خطاباته”.
في تمييزٍ ملحوظ، حاول الرحباني فصل الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، عن بقية قادة الحزب: “هو شيء، وهم شيء آخر… وهذا لا يطمئن”. وأضاف أن “السيد قد يكون تحت ضغط”، متسائلاً أيضاً: “لماذا لا يبذل نصر الله كل طاقته؟”
وأعرب الرحباني عن غضبه من افتقار حزب الله إلى مشروع فكري: “الشهادة شيء، ولكن النظرية والمشروع شيء آخر”، وانتقد الحزب لافتقاره إلى أي بنية فكرية تتوافق مع النظرية الماركسية التي آمن بها طوال حياته.
*الوعد الأجمل: حسن نصر الله واليقين بهزيمة إسرائيل موقفه من حزب الله وحق المقاومة في لبنان. في تصريحات لقناة الميادين، كشف الفنان اللبناني زياد الرحباني عن رؤيته الشخصية للمقاومة في لبنان، مؤكدًا دعمه الثابت لمبدأ المقاومة المسلحة ضد الاحتلال. وفي الوقت نفسه، أقرّ بأن بعض القوى التقدمية انحرفت عن هذا المسار لأسباب واقعية.
وفيما يتعلق بالحزب الشيوعي اللبناني الذي كان على تحالف أيديولوجي معه منذ فترة طويلة، أقر بأن الحزب لم يعد قادراً على التفرغ لمشروع المقاومة كما كان يفعل في السابق، مشيراً إلى “ظروف داخلية صعبة وضعف التمويل”.
وعن مشاركته في احتفالات يوم النصر عام 2006 التي أقيمت بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان، دافع الرحباني عن حضوره قائلاً: “كان لا بد من الاحتفال بهذا اليوم لأن لبنان انتصر فعلاً، ولأن مثل هذا الخبر نادر في التاريخ المعاصر ولا يمكن محوه بسهولة”.
وأضاف، مؤكدا اعتقاده بأن أحداث حرب تموز/يوليو غيرت موقف إسرائيل جذريا وأعادت توجيه حسابات الردع لديها.
وعن مشاركته في مهرجان “الوعد الأجمل” الذي نُظّم بعد انتهاء إعادة إعمار الضاحية الجنوبية، قال: “كنتُ حاضرًا في قلب الحدث، وكان من بين الحاضرين ممثلون عن جميع فروع الأجهزة الأمنية. وكان سبب حضوري في المهرجان هو الاحتفال بإعادة إعمار الضاحية، التي سارت بوتيرة سريعة رغم الدمار الهائل والمجازر التي لحقت بها”.
وعندما سئل عن موقفه من حزب الله والسيد حسن نصر الله، قال الرحباني، رغم أنه مسيحي وعلماني: “أنا لست عضواً في حزب الله، لكنني أنتمي إلى الحزب الشيوعي، الذي يحتاج إلى تجديد اليوم”.
إلا أنه أبدى احترامه العميق لحسن نصرالله، قائلاً: “السيد حسن نصرالله ليس خطيباً دينياً تقليدياً، بل هو السياسي الذي، على عكس كثير من النواب الآخرين، يستخدم أقل عدد من الاقتباسات الدينية والآيات القرآنية، رغم طول خطاباته”.
وأشار إلى أن نصرالله أعطاه الثقة وجدد قناعته بأن إسرائيل ليست قوة لا تقهر، ولكن يمكن مواجهتها إذا توفرت الإرادة والإيمان بالمقاومة.