السويداء تشتعل.. اشتباكات درزية – بدوية وتدخل إسرائيلي مباشر يعيد رسم خريطة الجنوب السوري

منذ 5 ساعات
السويداء تشتعل.. اشتباكات درزية – بدوية وتدخل إسرائيلي مباشر يعيد رسم خريطة الجنوب السوري

تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا تصعيدًا غير مسبوق في الاشتباكات بين الفصائل الدرزية المحلية والعشائر البدوية المسلحة. يأتي ذلك وسط تدخلات عسكرية إسرائيلية مباشرة وغارات جوية مكثفة، ووسط فوضى ميدانية وانقسامات سياسية وطائفية. وهذا يُثير مجددًا تساؤلات حول مستقبل جنوب سوريا في ظل تنافس القوى الإقليمية والدولية على رسم معالمه.

وفقًا لتقارير إعلامية، وخاصةً صحيفة تايمز أوف إسرائيل، قُتل ما لا يقل عن 516 شخصًا في الاشتباكات التي استمرت أربعة أيام، من بينهم 233 من سكان السويداء، 71 منهم مدنيون. كما قُتل 261 عنصرًا من قوات الأمن والجيش السوري، من بينهم 18 من أبناء القبيلة البدوية. وأكدت مصادر محلية أن قوات النظام أعدمت 83 من الضحايا بإجراءات موجزة، بينما قُتل ثلاثة بدو، بينهم امرأة وطفل، على يد مسلحين دروز.

في غضون ذلك، شنّت إسرائيل غارات جوية على دمشق وجنوب سوريا، مستهدفةً مقر وزارة الدفاع ومواقع قريبة من القصر الرئاسي، ومتعهدةً بحماية الدروز من النظام السوري. أسفرت الغارات عن مقتل 15 عنصرًا من قوات الأمن السورية، وثلاثة مدنيين، وصحفي محلي، مما زاد من عدد الضحايا المدنيين والإعلاميين المرتفع أصلًا.

رغم إعلان وقف إطلاق النار يوم الأربعاء، استؤنف القتال يوم الخميس. وصرح قائد بدويّ بأن وقف إطلاق النار لا يشمل مقاتليه، الذين يطالبون بالإفراج عن البدو المحتجزين لدى الدروز. وأكد الزعيم الدرزي يوسف جربوع الالتزام بوقف إطلاق النار، إلا أن القتال لا يزال مستمرًا في عدة مناطق من السويداء، مما يُبرز هشاشة وقف إطلاق النار.

أقامت وزارة الداخلية السورية نقاط تفتيش في المدينة، وأعلنت استعادة السيطرة الكاملة عليها. إلا أن وقف إطلاق نار جزئي أدى إلى انسحاب الجيش. ونُقلت المسؤولية الأمنية إلى المجلس العسكري للسويداء والجماعات الدرزية المحلية.

وسط هذا المشهد الدامي، وردت تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان على يد القوات الحكومية، بما في ذلك الضرب العلني والإعدامات خارج نطاق القضاء للمدنيين الدروز. كما أفادت منظمة العفو الدولية عن إعدامات بإجراءات موجزة من كلا الجانبين.

يأتي هذا التصعيد في ظل تسارع التحركات السياسية الإقليمية. وتشير التقارير الإسرائيلية إلى هجوم بري وشيك في جنوب سوريا. وقد نقلت إسرائيل الوحدة 92 من غزة إلى مرتفعات الجولان، ونشرت 15 دبابة على الأراضي السورية، وأعلنت عن تقديم مليوني شيكل من المساعدات الإنسانية إلى السويداء. في الوقت نفسه، تشير مصادر إسرائيلية إلى احتمال غزو شامل للجنوب، قد يصل إلى مشارف دمشق.

في الوقت نفسه، اقتحم نحو ألف فلسطيني درزي الحدود باتجاه السويداء قبل أن يأمرهم الجيش الإسرائيلي بالانسحاب ويتوعد بحماية أبناء الطائفة الدرزية.

ومن المفارقات أن الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، الذي يقود حركة وطنية إصلاحية، تلقى دعمًا إسرائيليًا سابقًا خلال انتمائه إلى جماعات جهادية. وتوثق التقارير الإسرائيلية، بما فيها تلك التي نشرتها صحيفتا هآرتس وتايمز أوف إسرائيل، تعاونًا سابقًا مع جبهة النصرة وجماعات أخرى، شمل دعمًا لوجستيًا وطبيًا مقابل ضمانات بعدم مهاجمة إسرائيل أو الدروز.

في تطورٍ هام، أفادت مصادر دبلوماسية بزيارة وفدٍ سوري إلى أذربيجان لحضور مؤتمرٍ أمنيٍّ برعاية إسرائيل، والاجتماع بمسؤولين إسرائيليين. وأعرب الشرع عن نيته الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم في إطار اتفاقيةٍ سياسيةٍ أمنيةٍ أوسع نطاقًا، تشمل أيضًا لبنان والمملكة العربية السعودية.

بحسب تقارير رويترز، تسعى إسرائيل إلى استغلال مسألة حماية الدروز كورقة ضغط لإعادة تنظيم جنوب سوريا. والهدف هو تقسيم البلاد إلى ثلاث مناطق نفوذ: جنوب درزي تحت إدارة إسرائيلية، وشمال تحت سيطرة تركيا، ومركز سني ضعيف.

يتزامن هذا مع أزمة تجنيد في إسرائيل. يقترح بعض المحللين سيناريو يتم فيه تجنيد الدروز السوريين لسد النقص في الجيش، مستفيدين من تجربة الدروز الفلسطينيين وفتوى الشيخ موفق طريف التي تجيز خدمتهم العسكرية.

ويرى أنصار هذا التوجه أن انضمام الدروز السوريين إلى الجيش الإسرائيلي سيكون بمثابة “الانضمام إلى تحالف وقائي” وليس خيانة، بل هو “تحالف عسكري طائفي مشروع”، خاصة بعد المجازر التي ارتكبتها جبهة النصرة ضدهم سابقاً.

في كلمته الختامية، رفض الرئيس الشرع أي محاولات للتقسيم أو التدخل الخارجي، واتهم إسرائيل باستغلال الوضع لإثارة الاضطرابات الداخلية. وقال: “لن نسمح بتحويل بلدنا إلى ساحة فوضى”، مضيفًا: “حماية الدروز مسؤولية وطنية بحتة، ولن نسمح باستغلالهم لأغراض خارجية”.

مع ذلك، استمرت الاشتباكات والقصف في السويداء، بينما استمرت الدعوات الإقليمية لخفض التصعيد. أصدرت الدول العربية وتركيا بيانًا مشتركًا يدعو إلى احترام السيادة السورية ورفض التدخل. لم يتضمن البيان أي تهديدات أو إجراءات ملموسة ضد إسرائيل، مما يعكس تحولًا في ميزان القوى الإقليمي.

تُثير التطورات الحالية في السويداء فرضيات متضاربة. فبين حرب أهلية جديدة، أو تدخل إسرائيلي موسع، أو تسوية إقليمية تتضمن الاعتراف بإسرائيل، تبقى محافظة السويداء ومجتمعها الدرزي على خط الصدع الإقليمي.

ويبقى السؤال: هل يشهد جنوب سوريا ولادة كيان درزي مستقل برعاية إسرائيلية، أم أن هذا سيؤدي إلى تقسيم جديد سيدمر سوريا؟


شارك