حين نغرق في المتع السريعة.. كيف نعيد ضبط الدوبامين في أدمغتنا؟

منذ 17 ساعات
حين نغرق في المتع السريعة.. كيف نعيد ضبط الدوبامين في أدمغتنا؟

في عالمنا الذي نغرق فيه بشاشات الهواتف، وإشعارات التطبيقات، والوجبات السريعة، يواجه الدماغ تحديًا جديدًا: كيف يوازن بين الرغبة المستمرة في المتعة والحفاظ على الاستقرار العقلي؟

في السطور التالية، نستكشف النقاط الرئيسية لتقرير حديث نشرته شبكة CNN الأمريكية. فيه، تشرح آنا ليمبكي، أستاذة الطب النفسي بجامعة ستانفورد، كيف يتحكم الدوبامين في عواطفنا وسلوكنا، وكيفية استعادة التوازن في عصر الإشباع الفوري والإدمان الصامت.

ما هو الدوبامين؟ ولماذا هو مهم؟

الدوبامين ناقل عصبي يُنتجه الدماغ، وهو مسؤول عن التنظيم الدقيق للدوائر الكهربائية فيه. يشبه الدماغ شبكة من الأسلاك التي تنقل الإشارات. الدوبامين أحد العناصر الأساسية التي تمنحنا المتعة والتحفيز، وتحفزنا على تكرار سلوكيات معينة.

وعلى الرغم من أن مواد أخرى تشارك أيضًا في هذه الوظائف، فقد أصبح الدوبامين المؤشر الأكثر أهمية لعلماء الأعصاب لقياس تأثيرات الأطعمة والسلوكيات وحتى المخدرات على الدماغ.

اختلال التوازن بين المتعة والإدمان

أوضح التقرير أن الإدمان ليس مجرد تعاطي مواد مخدرة، بل هو خلل في نظام المكافأة في الدماغ، والذي يعتمد بشكل أساسي على الدوبامين. عند القيام بسلوك ممتع أو تناول طعام لذيذ، يُطلق الدماغ الدوبامين في مسار المكافأة، كما لو كان يُرسل إشارة لتكرار هذا السلوك باعتباره ضروريًا للبقاء. لكن مع وفرة المحفزات والمشتتات اليوم – من وسائل التواصل الاجتماعي إلى الأطعمة الجاهزة والوجبات السريعة – يُطلق الدماغ فجأةً كميات كبيرة من الدوبامين، مُثقلًا نظام المكافأة، مما يؤدي إلى انخفاض مستوياته. نشعر بالخمول ونفقد متعة الأشياء البسيطة. لذلك، نبحث عن محفزات أقوى – ليس لنكون سعداء، بل للهروب من مشاعر الانزعاج والملل.

ما الذي يسبب ارتفاع مستويات الدوبامين؟

هناك العديد من الأنشطة التي تزيد من إفراز الدوبامين، كالدراسة وقضاء الوقت مع الأصدقاء. هذه أنشطة طبيعية ومفيدة، لكن الخطر يكمن في السلوكيات أو المواد التي تحفز إفراز الدوبامين بكميات كبيرة ومتكررة وسريعة، كالأطعمة المصنعة والسكر والمخدرات والكحول، والأهم اليوم، وسائل التواصل الاجتماعي.

تُسهم هذه المنشطات في تغييرات دماغية تُؤدي إلى الإدمان. عند التوقف عن استخدامها، تظهر أعراض انسحاب كالقلق والحزن والأرق ورغبة قهرية في معاودة استخدامها.

كيف نعرف أن السلوك أو المادة تسبب مشكلة؟

حدد التقرير ثلاثة عوامل تجعل أي مادة أو سلوك مسببا للإدمان:

* الكمية والسرعة: مدى سرعة وكمية الدوبامين التي يتم إطلاقها. * سهولة الوصول: كلما كان الوصول إلى سلوك أو مادة ما أسهل، كلما زاد احتمال الإدمان. * التكرار: التكرار المستمر يزيد من احتمالية تحول السلوك إلى إدمان.

الحل هو إعادة ضبط الدماغ.

قد يظن البعض أن الحل يكمن في تجنب المتعة تمامًا. في الواقع، يكمن الحل ببساطة في استعادة توازن الدوبامين. ينصح الخبراء بالامتناع لمدة 30 يومًا عن السلوكيات أو المواد الإدمانية كالسكر أو وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لإعطاء الدماغ فرصة لإعادة ضبط آليات المكافأة لديه.

قد يشعر المدمن بالتعب وعدم الراحة في الأيام الأولى، لكن الأمور تتحسن بعد ١٠ إلى ١٤ يومًا. إذا قرر العودة إلى الإدمان بعد شهر، فعليه وضع خطة واضحة تُحدد كمية التعاطي وظروفه وتكراره، وترصد أي علامات تحذيرية للانتكاس.

خطوات بسيطة، فرق كبير

وضع حدود معقولة لحياتك اليومية يُساعد على استعادة توازن الدوبامين في الدماغ. يشمل ذلك، على سبيل المثال، عدم تخزين الأطعمة السكرية في المنزل حتى لا تكون متاحة بسهولة في لحظات الإشباع الفوري. يمكنك أيضًا التحكم في استخدامك للوسائط الرقمية بتحديد أوقات محددة لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو مشاهدة الفيديوهات، وتجنب ترك هاتفك يستهلك وقتك دون وعي.

قد تحتاج أيضًا إلى تجنب الأماكن أو الأشخاص المرتبطين بالمنشطات الضارة التي تغريك بالاستهلاك السريع، أو العادات التي تغمر عقلك بالإشباع الفوري. بدلًا من ذلك، اقضِ وقتًا مع أشخاص يمارسون عادات صحية تتعلق بالتكنولوجيا والنظام الغذائي والعمل. سيساعدك هذا على تجاوز هذه العوائق بسهولة أكبر وجعلها جزءًا طبيعيًا من نمط حياتك.

نعيش في عالم يُخبرنا أن الاستهلاك المُستمر هو طريق السعادة. لكن في الحقيقة، تكمن السعادة في توازن الدماغ، وفي أن المُتع البسيطة تُعطينا شعورًا حقيقيًا بالمكافأة. إذا كنت تشعر أنك فقدت متعة قضاء الوقت مع الأصدقاء أو ممارسة هواياتك القديمة، وأن هاتفك يسرق ساعات يومك دون جدوى، فربما حان الوقت لإعادة ضبط دماغك واكتشاف السعادة البسيطة من جديد.


شارك