القومي للمسرح يواصل نقاشات الوعي الجمالي: الجسد والآلة والفضاء المسرحي في قلب الجدل الفني

منذ 9 ساعات
القومي للمسرح يواصل نقاشات الوعي الجمالي: الجسد والآلة والفضاء المسرحي في قلب الجدل الفني

في إطار المحور الفكري المصاحب لفعاليات المهرجان القومي الثامن عشر للمسرح المصري، بعنوان “تحولات الوعي الجمالي في المسرح المصري”، استضاف المجلس الأعلى للثقافة جلستين من سلسلة ندوات فكرية. ركزت الأولى على تحولات الأداء المسرحي (الجسد، الآلة، الصورة)، بينما حضر الجلسة الثانية، بعنوان “تحولات الفضاء المسرحي وأثرها في إنتاج المعنى”، نخبة من الفنانين والمفكرين والمتخصصين.

تحولات الأداء المسرحي: الجسد والآلة والصورة في مواجهة التعريفات المغلقة

في الجلسة الأولى، ناقش المشاركون التغيرات التي طرأت على الأداء المسرحي فيما يتعلق بالجسد والآلة والصورة. أدار النقاش الإعلامي محمد عبد الرحمن، وشاركت فيه المخرجة كريمة منصور، والممثلة شيرين حجازي، والمخرجة نادين خالد.

كريمة منصور: عروض الرقص المسرحي الحديث تعاني من ارتباك مفاهيمي.

وأشارت المخرجة كريمة منصور إلى ما اعتبرته “خلطاً كبيراً” في تعريف واستقبال عروض المسرح الراقص الحديث، مؤكدة أن هذا النوع من العروض يعتمد على الجسد كمادة خام أساسية، ويتطلب تدريباً واسعاً ومكثفاً من الممثلين، ويختلف في بنيته عن العروض المسرحية التقليدية.

وأضافت أن هذا النوع من المسرح لا يعتمد دائمًا على الكلمات، بل يخاطب الأحاسيس الإنسانية، ويدمج عناصر متنوعة كالمكان والفضاء والصوت والحركة، مما يجعله عرضًا في تطور مستمر. وأكدت على ضرورة إعادة النظر في مصطلحات شائعة مثل “مصمم العرض” أو “الجغرافي”، فكل منهما له وظيفة محددة ومختلفة جوهريًا.

شيرين حجازي: عروض الرقص الحديث مرنة وتتغير حسب الموقع.

تحدثت شيرين حجازي عن تجربتها مع الرقص المسرحي الحديث، مؤكدةً أن العرض يبدأ بفكرة، يتبعها بحثٌ معمق، ثم مرحلة بناءٍ ترتكز على أسئلة بصرية وجسدية. وأوضحت أن هذه العروض تتميز بمرونةٍ فائقة، إذ تتغير عناصرها بتغير الفضاء الذي تُعرض فيه.

تحدثت عن تجربتها في الرقص الشرقي ضمن مشروع “عوالم خفية” الذي استغل المساحات المفتوحة، مؤكدة أن ذلك أدى إلى تغييرات جمالية ملحوظة وساعد في تقديم شكل غير تقليدي من الأداء لاقى استحساناً واسع النطاق.

نادين خالد: الجسد هو مستودع الذكريات والتجارب.

من جانبها، جمعت المخرجة نادين خالد بين خبرتها في المسرح الجامعي وانفتاحها على تقنيات الأداء الجسدي، مؤكدةً أن الجامعة منصة للتجريب والتعلم في جميع مجالات الأداء المسرحي. وقالت: “أؤمن بأن الجسد البشري يحمل تاريخه، وأن الممثل يكتشف ذاته من خلاله. نحن بحاجة ماسة إلى التصالح مع الجسد، فالفن يجعلنا أكثر إنسانية”.

تحولات الفضاء المسرحي: من الصندوق الإيطالي إلى المساحات المفتوحة

في الجلسة الثانية، أدار الدكتور محمود فؤاد صدقي ندوة بعنوان “تحولات الفضاء المسرحي وأثرها على إنتاج المعنى”. شارك فيها الدكتور صبحي السيد، والمهندس عمرو عبد الله، والدكتور محمد سعد. وناقش المتحدثون دور السينوغرافيا والديكورات والفضاء في تشكيل الرؤية المسرحية المعاصرة.

صادقي: الإبداع يبدأ بالتغلب على الفضاء التقليدي.

وأكد مدير الجلسة أن الابتعاد عن نموذج “الصندوق الإيطالي” يفتح الباب أمام أشكال جديدة من التفاعل بين الفضاء والمحتوى المسرحي، مما يمنح المخرجين والمصممين مزيدًا من الحرية في خلق المعنى من خلال الاستفادة من تفرد الفضاء وانفتاحه.

صبحي السيد: المسرح فن يحول المكان لخلق المعنى.

أشار الدكتور صبحي السيد، أستاذ ديكورات المسرح بالمعهد العالي للفنون المسرحية، إلى التغيرات الجذرية في بنية الفضاء المسرحي، موضحًا أن الصندوق الإيطالي – كنموذج تقليدي – بمساحته المغلقة المحددة وزخارفه الثابتة، سيطر على معظم المسارح المصرية. وأوضح أن تجارب الثقافة الشعبية ساهمت في كسر هذا النمط من خلال إدخال أنماط جديدة من العروض المسرحية في المسارح المفتوحة والمتنقلة، مما خلق واقعًا مختلفًا في استخدام الفضاء، وتطلب أدوات تصميم أكثر مرونة تتكيف مع البيئات المختلفة كالحدائق والملاعب والمساحات المفتوحة.

قال السيد: “بدراسة الطبيعة المتغيرة للفضاء، اكتشفنا أنه يمكننا تحويل الفضاء المسرحي لخدمة المعنى الدرامي. نحن قادرون على استغلال الفضاء وتحويله من مجرد فضاء مادي إلى لغة بصرية متكاملة. المسرح فن حي، وسحره يكمن في علاقته العضوية بالفضاء – على عكس السينما أو التلفزيون. السؤال الأهم هنا هو: هل المسرح مجرد تشكيل في الفضاء؟ أم أنه وسيلة لتوليد المعنى؟ أزعم أن تحويل الفضاء يولّد المعنى ويخلق نظامًا دلاليًا متكاملًا.”

عمرو عبدالله: الإضاءة تخلق اللوحة والفضاء شريك للمعنى.

كشف المهندس عمرو عبد الله عن تفاصيل إحدى أبرز تجاربه المسرحية خارج مصر، وهي عرض مسرحي راقص بعنوان «أعمق مما يبدو على السطح»، وأوضح كيف تعامل مع الفضاء المفتوح كمادة مهمة للتكوين الجمالي.

قال عبد الله: “اخترتُ مساحةً مفتوحةً، ودمجتُ الأشجار الطبيعية كخلفيةٍ في التصميم البصري من خلال إضاءةٍ مدروسة. نتج عن ذلك ما يقارب ثلاثين لوحةً مستوحاةً من الطبيعة. انعكست الأشجار في الضوء، محولةً إياها من مجرد خلفيةٍ إلى عنصرٍ حيٍّ في المعرض. وهكذا، أصبح الفضاء شريكًا حقيقيًا في خلق المعنى”. وأكد أن التفاعل مع الفضاء يجب أن يتجاوز الإمكانيات التقنية، وأن يفهم البيئة البصرية والدرامية. فطبيعة المكان تُضفي منطقًا خاصًا على التكوين والتمثيل والاستقبال.

محمد سعد: العرض في أفينيون غيّر مفهومي عن الفضاء المسرحي.

شارك الدكتور محمد سعد، الأستاذ المساعد في قسم تصميم المسرح، تجاربه في المهرجانات المسرحية الدولية، مُركزًا بشكل خاص على عرض مسرحية “ماكبث” التراجيدية التي شاهدها في مهرجان أفينيون بفرنسا. وأكد أن هذا العرض في مساحة مفتوحة غيّر مفهومه لتصميم المسرح بالكامل. وأضاف: “كانت التجربة غامرة. لم تكن المساحة مجرد مكان، بل جزءًا من لغة المسرح نفسها. الإضاءة والخلفيات الطبيعية والصوت وتوزيع الجمهور – كل هذا ساهم في هذه التجربة وسمح للعرض بالتنفس خارج الحدود المعتادة للمسرح المغلق”.

وأشار سعد إلى أن أشكال الأداء التي تتفاعل مع المساحات المفتوحة تحتاج إلى إعادة نظر، خاصة في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها الفن المعاصر، ومنها دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز، التي أصبحت أدوات ملموسة في أيدي فناني المسرح.

كما عرض سعد مجموعة من الصور الفوتوغرافية لعروض عالمية استخدمت التكنولوجيا الحديثة لإعادة تصميم الفضاء المسرحي، مؤكداً أن هذه العملية تمثل تحدياً وفرصة لتجديد لغة المسرح المعاصر.


شارك