لله درك يا ابن عباس.. الأوقاف تنشر خطبة الجمعة المقبلة

وحددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة المقبلة على النحو التالي: “رحمك الله يا ابن عباس”.
وأوضحت الوزارة أن هدف الحملة هو توعية الرأي العام بمخاطر الانخراط في الفكر المخالف، وإبراز حكمة الصحابي الجليل عبدالله بن عباس، عالم الأمة ومفسر القرآن، في تعامله الحضاري مع الخوارج، والذي كان سبباً في إنقاذ الأمة من هاوية الفتنة والاختلاف.
كما تسعى الخطبة إلى التأكيد على ضرورة مواجهة الأفكار المتطرفة بالمعرفة السليمة والفهم العميق والحوار الهادئ والبيان الواضح، وتجنب الشدة والصرامة. كما تؤكد على أهمية فهم النصوص الإسلامية في سياقها، ومعرفة أسباب نزولها ومصادرها، والرجوع إلى أصول الشريعة الإسلامية ومقاصدها لحماية المسلمين من التطرف والتكفير.
وفي الخطبة الثانية تتحدث الوزارة عن أهمية التوعية في إصلاح الفرد والمجتمع.
عن نص الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السماوات والأرض، وملء ما شاء ربنا بعد ذلك، هداه إلى صراطه المستقيم، وعلمه عدد أنفاس خلقه بعلمه القديم. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن ربنا تاج رؤوسنا وقرة أعيننا محمد عبده ورسوله. اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
نتوقف اليوم للتأمل في حدثٍ جليلٍ ومناظرةٍ فريدةٍ سُجِّلت في التاريخ الإسلامي، وهي المناظرة بين الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، عالم الأمة ومفسر القرآن، والخوارج. لم تكن هذه الحادثة مجرد جدل فكري، بل كانت فضلًا من الله، ونموذجًا يُحتذى به في التعامل مع المخالفين، ووسيلة لإنقاذ الأمة من هاوية الفتنة. انحرف الخوارج عن الجماعة، ونقضوا الطاعة، وكفّروا الناس، واستحلوا الدماء، معتقدين أنهم على الحق المحض. عمت بصائرهم عن فهم مقاصد الشريعة، وقست قلوبهم عن سماع صوت الحكمة. فهموا المظاهر وأهملوا الجوهر، وركزوا على الحرف وتركوا روح النص.
شاء الله أن يكون سيدنا عبد الله بن عباس قدوة لهذا الفكر في ذلك الوقت، فواجههم بالحجج، وردّ على شبهاتهم، وكشف انحرافهم في فهمهم للملكية والتكفير وحرمة الدماء. كان ابن عباس مثالاً للعالم الشجاع الذي لم يسمح للأفكار المتطرفة بأن تعيث فساداً. أوضح لهم أن التطرف اعتداء على جمال الشريعة الإسلامية، وأن العنف والقسوة لا علاقة لهما بقيادة الإسلام، بل هما شكل من أشكال التطرف يجب مواجهته بالمعرفة والحوار والوضوح.
أيها الناس، هذه رسالة إلى أصحاب التفكير المتباين: هل تفهم حقا ما هو حكم الله؟ هل تتجلى رحمة الإسلام في قتل الأبرياء وإرهاب الأبرياء وتدمير الأوطان؟ ألم يقل الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
أيها الإخوة والأخوات، لقد امتدت هذه المشكلة إلى واقعنا المعاصر. إذ تظهر حركات متطرفة تُكفّر المسلمين وتنشر العنف والتطرف. أمامنا طريقتان لحل هذه المشكلة: نهج فكري مباشر ومستنير، على النقيض من النهج المريض، المتوتر، الغاضب، المتسرع، الذي يفتقر إلى الفهم والبصيرة. ويظهر في موجات مختلفة كل بضع سنوات، لكنه يحمل دائمًا نفس الفكرة الخاطئة ويكرر نفس الأخطاء في فهم سفر الرؤيا.
لقد كانت مناظرة ابن عباس ذات أهمية كبيرة لأن نحو ألفين أو ألفين وخمسمائة رجل، وهو عدد هائل في ذلك الوقت، أداروا ظهورهم للتطرف. وهذا يدل على قوة الحجة، وسلامة المنهج، وفضل الله على من قام بواجبه في التنوير. فكيف ردّ ابن عباس على تطرف عصره؟ واجهها بالمعرفة والفهم والحوار، لا بالعنف. ولم يلجأ إلى العنف إلا بعد استنفاد كل وسائل الشرح والإقناع.
جزاك الله خيرا يا ابن عباس.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والآن:
أيها المؤمنون، إن الضمير جوهر روحي يوجه سلوك الإنسان، ومن خلاله يقوده الله إلى الخير والعدل. ولهذا السبب يولي الإسلام أهمية كبيرة لغرس الضمير اليقظ في نفوس المسلمين، وتربيتهم على خوف الله في السر والعلن. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديث جبريل حين قال: ما الإحسان؟ سأل. هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك.
أيها المسلمون، الضمير المرتاح يضمن سعادة الفرد والمجتمع، فبدونه يسود الفساد. مهما كانت القوانين والأنظمة تقدمية فإنها لا تستطيع أن تحل محل الردع الداخلي الذي يردع الناس عن الظلم والخيانة.
علّموا أولادكم أن الضمير هو حارس الأخلاق، فهو يمنع الموظف من قبول الرشوة، والمعلم من الإهمال، والطبيب من الإهمال، والتاجر من الغش، والمسؤول من الظلم.