المحللة الجورجية ناتالي ساباندزي: عداء تجمع بريكس للغرب أقل مما تتمناه روسيا

على الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصف سياسات مجموعة البريكس بأنها معادية لأميركا في القمة الأخيرة في البرازيل، فإن ناتالي سابانادزي، الباحثة في برنامج روسيا وأوراسيا في تشاتام هاوس، تعتقد أن قمة ريو دي جانيرو أظهرت أن عداء المجموعة تجاه الغرب أقل عموما مما ترغب روسيا، إحدى الدول المؤسسة للمجموعة.
في تحليلٍ نشره معهد تشاتام هاوس، ذكر سابانديزي أن الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي هيمنا على القمة التي استضافتها البرازيل، بينما غاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ. كما بدا الزعيمان الهندي والبرازيلي أقل اهتمامًا بتحويل المجموعة إلى تحالفٍ معادٍ للغرب. ولم يكن إغضاب الولايات المتحدة ضمن أجندة لولا ومودي.
تضمّن جدول أعمال القمة إصلاح النظام العالمي، وتعزيز التحول الأخضر، وتعزيز التعاون فيما بين بلدان الجنوب. وكان الهدف تقليص نطاق الأنشطة المعادية للغرب، وربما تشجيع روسيا والصين على إعطاء الأولوية لقضايا أخرى. كما انعقدت القمة على خلفية تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على جميع دول البريكس إذا انتهجت سياسات معادية لأمريكا.
وبحسب ساباندزه، الدبلوماسي الجورجي السابق وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة ماونت هولبوك، فإن قمة ريو دي جانيرو كشفت عن ضعفين متأصلين في المجموعة: الافتقار إلى هوية جيوسياسية واضحة والحدود المفروضة على التعددية التجارية البحتة بين بلدانها.
اختلفت قمة ريو دي جانيرو اختلافًا جوهريًا في روحها ومضمونها عن قمة قازان التي استضافتها روسيا العام الماضي. استغلت موسكو هذه الأخيرة لتسليط الضوء على فشل العقوبات الغربية ضد روسيا وجهودها لعزلها دوليًا. رحبت قمة قازان بأعضاء وشركاء جدد، وأضفت ثقلًا جيوسياسيًا على هدف المجموعة المتمثل في مواجهة الهيمنة الغربية بشكل أقوى، والبدء ببداية نظام عالمي متعدد الأقطاب. كما اتسمت القمة بخطاب معادٍ للغرب وللاستعمار، ودعوات لكسر هيمنة الدولار على التجارة العالمية، وخطط لحماية أعضائها من العقوبات الغربية.
تنظر روسيا إلى دول الجنوب العالمي، أو ما يُسمى بـ”الأغلبية العالمية”، كأداة رئيسية لإعادة تشكيل البيئة الدولية وتعزيز مكانتها العالمية. من وجهة نظر موسكو، تُعتبر مجموعة البريكس في جوهرها مشروعًا مُعاديًا للغرب: منصة لتعبئة دول الجنوب العالمي ضد الهيمنة الغربية.
تُقدَّم مجموعة البريكس كمثالٍ على نظام حكمٍ متعدد الأقطاب، شاملٍ نظريًا، ديمقراطيٍّ، ومحترم، قائمٍ على المساواة في السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. لكن في الواقع، يُجادل ساباندزه بأن البريكس مُصمَّمةٌ خصيصًا للأنظمة الاستبدادية، ومبنية على التزاماتٍ محدودةٍ ومصالح ذاتية، وتستخدمها قوى استبداديةٌ مثل الصين وروسيا لتعزيز نظامٍ عالميٍّ بديل.
تُبرز قضية إيران حدود نموذج البريكس للتعددية. شاركت إيران في قمة ريو دي جانيرو – وهي أول قمة لها كعضو كامل العضوية – سعياً وراء التضامن الدبلوماسي وإدانة إسرائيل والولايات المتحدة بشدة لقصفهما منشآتها النووية، مما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين. ورغم أن البيان الختامي، المكون من 30 صفحة، أدان الهجمات على إيران ووصفها بأنها غير مبررة و”انتهاك للقانون الدولي”، إلا أنه لم يُسمِّ مرتكبيها.
وفي هذا السياق، يشكل دعم روسيا لإيران، سواء داخل مجموعة البريكس أو على المستوى الثنائي، مثالاً بارزاً على الشراكة الاستراتيجية التي لا تتضمن التزامات حقيقية.
في حين أدانت موسكو الهجمات على إيران، واصفةً إياها بأنها غير مبررة وغير شرعية، إلا أنها لم تقدم لطهران أي دعم ملموس أو ضمانات أمنية. وزعمت أنها ليست في عجلة من أمرها لاستفزاز ترامب بشأن إيران، وأعطت الأولوية لتنازلات أمريكية محتملة في أوكرانيا. كما أن فائدة إيران لروسيا قد تتضاءل مع نجاح إنتاجها لطائرات “شاهد” المسيرة، التي زودتها بها خلال المرحلة الأولى من حرب أوكرانيا.
هناك دلائل على تنامي الخلافات بين روسيا والصين من جهة، وأعضاء آخرين في مجموعة البريكس من جهة أخرى، حول دور المجموعة وتوجهها المستقبلي. وقد أظهرت قمة ريو دي جانيرو غياب توافق بين الدول الأعضاء بشأن الانحياز إلى أي طرف في صراع القوة العالمي أو تحويل البريكس إلى أداة لإعادة تشكيل النظام العالمي. بل على العكس، أدى توسع البريكس إلى تنامي الخلافات الاستراتيجية، وصَعّب على مجموعة البريكس+ بناء هوية جيوسياسية واضحة.
كان الوعد الأساسي للمجموعة قائمًا على الشمولية والمساواة في السيادة. إلا أن التوازن بين التوسع والتماسك وفعالية صنع القرار أدى إلى وجود مستويين أو حتى ثلاثة مستويات من العضوية: الأعضاء الخمسة الأساسيون، والأعضاء الأربعة الجدد، والدول الشريكة غير المصوّتة. ويتعارض الالتزام الخطابي بالمساواة في السيادة وديمقراطية العلاقات الدولية بشكل متزايد مع واقع القوى المهيمنة التي تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة.
في القمة الأخيرة في البرازيل، اتفق قادة البريكس على بيان مشترك. وقد أُشيد بهذا الإنجاز الكبير بعد فشل وزراء خارجية دول المجموعة في التوصل إلى بيان مشترك في الاجتماع الوزاري في أبريل الماضي. كان هناك إجماع على قضايا مثل الحاجة الملحة لإصلاح الأمم المتحدة والدعوة العاجلة لوقف إراقة الدماء في غزة. لكن سرعان ما برزت انقسامات أعمق مع اتضاح غلبة المصالح الوطنية على الالتزامات متعددة الأطراف. ولأن التنوع يعيق ظهور هوية جيوسياسية متماسكة، فإن البريكس ليست منصة للتقارب. بل على العكس، فهي تُبرز هذه الاختلافات.